صحيفة المثقف

القمة الخليجية وفلسطين

بكر السباتينهل هي عودة لتبني سياسة الوجهين واللعب تحت الطاولة!

أم أنها جاءت في سياق الصراع المستمر بين بايدن وترامب على أبواب البيت الأبيض!

ولماذا لا تكون -مثلاً- عادة عربية في الانقلاب على المواقف تتحكم بها فوبيا الخوف من الأخر! وأسئلة أخرى

السياسة لا تقوم على الثوابت والأخلاق ولا توحي بالثقة، بل تقوم بدور وظيفي يعتمد على شعار الأمير ميكافللي في أن الغاية تبرر الوسيلة، ما يعني بأن تبدل المواقف هي مرونة سياسية، والانتقال من الدور المكشوف تحت الشمس إلى تمرير الاتفاقيات السياسية من تحت الطاولة دهاء سياسي، وعليه فإن المواقف العربية من القضية الفلسطينية تخضع للمواسم والظروف.. ففي عهد الرئيس الأمريكي ترامب جاء "موسم" تأييد صفقة القرن وتداعياتها التدميرية من قبل بعض دول الخليج العربي، والتي كان من أهم مخرجاتها، تلك الهرولة المجانية نحو التطبيع المهين مع الاحتلال الإسرائيلي، ولكن حينما يلوّح الرئيس الأمريكي جو بايدن، بعصا الطاعة، والذي من المنتظر أن يدخل البيت الأبيض نهاية يناير الجاري؛ يأتي "موسمٌ جديدٌ" مغايرٌ لسابِقِهِ في الشكل ومطابقٌ له في الجوهر، بعد أن أميط اللثام عن موقف بايدن المنتظر من القضية الفلسطينية القائم على حلّ الدولتين؛ لذلك جاءت مخرجات قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت يوم أمس في العلا بالسعودية، لتنسجم مع توجهات بايدن المتوقعة، فقفزت المواقف العربية فجأة نحو النقيض.

من هنا يمكن فهم تلك الانعطافات الحادة في المواقف العربية إزاء القضية الفلسطينية، في غضون أشهر قليلة، حيث كانت بعض دول الخليج العربي كالإمارات العربية والسعودية والبحرين مؤيدة لصفقة القرن التي كان من شأنها لو طبقت مباشرة أن تنهي ملف القضية الفلسطينية وفق الرؤية الإسرائيلية بدعم من الرئيس الأمريكي ترامب، على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.. فتأتي على نقيض ذلك، مخرجات قمة قادة دول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت يوم أمس في العلا بالسعودية، حيث أعلن فيها بأن القضية الفلسطينية هي قضية العرب والمسلمين الأولى، ووجوب الدعم الخليجي للسيادة الدائمة للشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، وضمان حقوق اللاجئين (دون ذكر حق العودة)، وفق مبادرة السلام العربية والمرجعيات الدولية وقرارات الشرعية الدولية.. ونشتم هنا دوراً أردنياً في إخراج هذا الموقف على النحو الذي جاء فيه، كونه ينسجم مع ما هو معلن في السياسة الأردنية الخارجية؛ ما يوحي بدور إردني وسيط قادم بين بايدن والدول الخليجية التي كانت مدعومة من ترامب في إطار صفقة القرن المشئومة.

ولكن ما يثير الخيبة في مخرجات القمة الخليجية الأخيرة أنها لم تدعُ إلى إيقاف التراكض العربي نحو التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، كدأب السياسة العربية قبل عهد ترامب حينما كانت تجري في السر خلافاً لما هو معلن.. حتى تغّول الكيان الإسرائيلي في العمق العربي وتحول إلى حليف استراتيجي ضد محور المقاومة التي تقوده إيران، ويضم المقاومة في غزة.

ونعود أخيراً لنقول بأن السياسة كالقمار لا تُضمن نتائجها، ما يعني بأن مخرجات القمة الخليجية تخضع للمواسم والظروف، بحيث أنها انتقلت من الموسم الترامبي إلى الموسم البايدني مع اختلاف كبير في الشكل، دون أن تتغير جوهرياً على اعتبار أن "الموسمين" يتوافقان مع رؤية الاحتلال الإسرائيلي للقضية الفلسطينية القائمة على فرض سياسة الأمر الواقع فيما يتعلق بالتمدد الاستيطاني وتجاوز الحقوق الفلسطينية المشروعة خلافاً لقرارات الأمم المتحدة المتعاقبة، والتوسع الإقليمي في العمق العربي تحت يافطة "التحالف المشترك ضد الخطر الإيراني الداهم".. ويمكن تفسير تبني رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي لمشروع صفقة القرن في "الموسم" الترامبي هو محاولته الهروب إلى الأمام، من أحكام قضائية تطارده في الكيان الإسرائيلي بتهم الفساد، والتي قد تنتهي به إلى السجن، لذلك يحاول الظهور كبطل قومي إسرائيلي استطاع الدخول في العمق العربي من خلال دفع الدول العربية إلى التطبيع المجاني مع تل أبيب، وقد بدأت به الإمارات ولحقت بها البحرين فالسودان وأخيراً المغرب. ويكون نتنياهو بذلك قد نجح في إدخال حصان طروادة إلى منطقة الخليج العربي من خلال إقناع تلك الدول بأكذوبة الخطر الإيراني الداهم، وإنها بأمس الحاجة لحليف إسرائيلي "سوبر" يكون الضامن الأمثل للأمن الخليجي ناهيك عن كونه الشريك التجاري المستقبلي، المتميز في مجال التكنولوجيا والقادر على تطوير أنظمة المراقبة والتجسس في تلك الدول التي وقعت أخيراً في المصيدة الإسرائيلية.

إن تجاهلَ مخرجاتِ القمةِ الخليجيةِ لوقف الهرولة العربية نحو التطبيع المهين مع الاحتلال الإسرائيلي، يوحي بأن السياسة العربية برمتها تبدل أقنعتها حسب الظروف والمصالح؛ لأن التطبيع بالنسبة لكيان الاحتلال هو منتهى ما يسعى إليه المشروع الصهيوني التمددي، إذْ بات مدخلاً للسماسرة العرب المأجورين؛ كي يشتروا ما يتاح لهم من أراضي في القدس وما حولها، لا بل وفي أرجاء الوطن العربي، وبخاصة الخليج العربي؛ لصالح مشروع إسرائيل الكبرى الذي ما يزال يمثل الحلم الصهيوني المستقبلي، حيث تبرمج عليه عقول الصغار في دولة الاحتلال، بواسطة المناهج الدراسية الإسرائيلية التي تثير الكره ورفض الآخر وتعتبر العرب مجرد "جويم" وظيفتهم خدمة الكيان الإسرائيلي.. هذا هو المشروع الإسرائيلي التوسعي الذي بات تحقيقه مسألة وقت، ولو على صورة تحالفات عربية إسرائيلية، يكون فيها العقل الصهيوني هو المتحكم، والعرب هم رأسم المال الداعم دون حساب.

وأخيراً يبقى الأملُ معقوداً على عاتق المقاومة التي ستضع النقاط على الحروف آخر المطاف.. فيما تظل المواقف العربية هي الهامش ولا يُرتكن عليها، وهذا من واقع التجربة، "فلا يلدغ مؤمن من جحر مرتين"..

 

بقلم بكر السباتين..

6 يناير 2021

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم