صحيفة المثقف

إشكالية الصراع الإعلامي بين عزمي بشارة ووضاح خنفر! (1)

محمود محمد عليما زلت أومن أكثر من ذي قبل بأن الخلاف الذي طغي علي السطح في يوليو الماضي 2020 بين جناحي الإعلام الممول قطريا (سواء كان جناح عزمي بشارة في إنجلترا، أو جناح وضاح خنفر في تركيا )، ليس وليد الخلافات الأخيرة .. وإنما ترجع بداية القصة لأبعد من ذلك بكثير؛ في عام 2003 وعلي متن رحلة خاصة من الدوحة إلي كولا لمبور تعرف من خلالها الأمير "حمد بن خليفة" علي أحد الإعلاميين الشباب في الوفد المرافق له .. كان وضاح خنفر حينها مراسلا للجزيرة في جنوب أفريقيا .. لم يتوقع أحد أن ينتقل ذلك المراسل من هدوء كيب تاون إلي نيران الصراع في الدوحة؛ حيث رئاسة قناة الجزيرة .

وجد الأمير الأب في وضاح خنفر التركيبة المناسبة لأهدافه الخبيثة إعلاميا، فهو يمثل في نظره مرجعية ثورية مستمدة من أصول فلسطينية ذات أيديولوجية إخوانية، كما يمثل نموذج السعي وراء السلطة والمال .. عقدت الصفقة وانطلقت المسيرة .. رفع خنفر سقف طموحات الأمير بإنجازات أكثر من المنشود .. جعل من قناة الجزيرة ذراعا إعلامية، لصفع وتشويه خصوم الدوحة، واغتيال معارضيها، وأداة للتمهيد الشعبي لإحداث الفوضى في الدول العربية؛ فكانت النتيجة أن أضحت فناة الجزيرة تلعب دورا أكبر من قناة وأقرب إلي دولة يمثل رئيس وزرائها وضاح خنفر .

ولكن بعد سنوات من النعيم كُتبت نهاية شهر العسل بين خنفر والنظام القطري علي يد الدكتور "عزمي بشارة"، فكانت بداية العداء ؛ ففي عام 2007 بدأ عرش "خنفر" يتزلزل مع وصول "عزمي بشارة" إلي الدوحة، وحلوله كضيف دائم علي شاشة الجزيرة، بعدما أطلق علي نفسه لقب "مفكر"، وراح عزمي بشارة ينظر علي الجميع ويكسب كل الأطراف بالتلون علي كافة المذاهب ..

قدرات "عزمي بشارة"، لفتت أنظار الأمير الشاب "تميم بن حمد"، الذي أصبح مسيطراً علي مقاليد الأمور داخل القصر، وهنا يقول المذيع "محمد ناصر": " يبدو أن تميم متكيف قوي من عزمي بشارة"، وعين تميم بشارة مستشارا له "؛ هنا وجد "وضاح خنفر" نفسه متراجعا أمام تعاظم مكانة "عزمي بشارة"، وقربه من الأمير الشاب، وأصبح الاثنان يتنافسان علي عقله وأمواله ؛ لتبدأ الجولة الأولي من المعركة، ففي العام 2010 ظهرت فضيحة من العيار الثقيل لوضاح خنفر ؛ ألا وهي هروب خمس مذيعات من فناة الجزيرة، بعد ما شكوُن من مضايقات غير أخلاقية داخل القناة .. حاول خنفر رئيس القناة المرتبك إخفاء الأمر بعمل تحقيق داخلي، ولكن الضربة التالية كانت سريعة وقاصمة جاءت من حلال فضيحة جديدة ضنمتها "وثائق ويكليكس"، تكشف علاقته بالمخابرات الأمريكية، ليخرج خنفر من قطر وقناة الجزيرة يجر أذيال الهزيمة عام 2011 بعد أن خسر الجولة الأولي .. يقول محمد ناصر :" عزمي بشارة كاره جدا لكل قنواتنا "الشرق، ومكملين، والوطن"، لأن قنواتنا كلها علي بعضها كما قيل لعزمي بشارة ميزانيتها كل القنوات الثلاثة لا تعادل ميزانية البوفيه والتواليت عند قناة العربي .. يعني احنا شغالين بالتيله" .

برحيل وضاح خنفر عن إدارة القناة تدخل عزمي بشارة في اختيار مسؤول قطري ليكون مديرا صوريا للشبكة، ثم نصب عزمي بشارة نفسه " سيد الإعلام القطري"، لكنها كانت مجرد جولة أولي .. فماذا حدث خلف الكواليس بعد ذلك؟

في دوائر الحرب بين جناحي الإعلام القطري، كانت الإطاحة بوضاح خنفر من رئاسة قناة الجزيرة مجرد جولة أولي انتصر فيها عزمي بشارة، لكنه لم يستطع إدخال منهجه إلي الجزيرة .. فلماذا ياتري ؟ .. لأن جذور الفكر الإخواني الذي كان يمثله خنفر بقيت متأصلة داخل القناة، وظلت علي صلة مع الأب الروحي السابق لها، لترمي بذورها بعد ذلك في أرض جديدة بأموال قطرية؛ أما عزمي بشارة فبعدما حاول إضافة النكهة اليسارية القومية إلي الخلطة الإخوانية التي طغت علي الجزيرة لسنوات فخرج المزيج سيء المذاق .

وهنا قرر عزمي بشارة تأسيس جناح جديد للإعلام القطري بألوانه الخاصة، والمتأمل للمشهد عند هذه النقطة قد يظن أن الخلاف بين عزمي بشارة ووضاح خنفر، هو خلاف ايديولوجي، وصراع علي المبادئ؛ ولكن التمسك بالمبادئ هو أبعد ما يكون عن موضوع الخلاف، فالأمر برمته لم يتعد حرب المصالح والصراع علي جيوب الأمير تميم .. فكيف كان المشهد من زاوية الأمير الصغير ؟

رأي تميم بن حمد أن حالة الاختلاف الفكري الظاهري، تعد بالنسبة له فرصة للاستفادة من الطرفين واستغلالهما لتحقيق أهدافه في المنطقة من طريقين مختلفين : الأول مغطي برداء الفكر الإخواني المتأسلم في تركيا بقيادة وضاح خنفر ؛ والثاني في لندن بقيادة عزمي بشارة ؛ حيث  تسلح كل فريق من الجناحين في أن يسعي كل منهما للحصول علي النصيب الأكبر من كعكة التمويل التي قدرت بأكثر من ربع مليار دولار سنويا .

فوجدنا فريق وضاح خنفر يمده النظام القطري الحالي، بأموال طائلة لتأسيس أبواق إعلامية متعددة، من بينها مواقع إخبارية عرفت بـ" مشروع بوست"، كما انطلقت قنوات تليفزيونية من تركيا وظيفتها مهاجمة الدول العربية والدفاع عن السياسات القطرية من خلال قيادات ووجوه إخوانية؛ ومنها قنوات الشرق والوطن ومكملين التي تراوحت أجور مقدمي البرامج فيها بين 1000 و 3000 دولار في الحلقة الواحدة.

لكن دعونا لا ننسي أن ذلك كان في البدايات، أما بالنسبة لفريق عزمي بشارة، فقد أقام أبواق إعلامية، وذلك تحت عنوان "فضاءات ميديا"، وبميزانية قاربت المليار ونصف المليار دولار، وقد شكل عزمي بشارة فريقا من المنصات الإعلامية منها : تليفزيون العربي، وجريدة وموقع العربي الجديد؛ بالإضافة إلي تليفزيون سوريا الذي يبث من تركيا، وفي تلك المنصات راح بشارة راح من خلالها ينظر على العرب أجمعين، ولكسب الجميع كان مع المقاومة في لبنان وغزة، ومع الربيع العربي، ومع حرية الرأي، وكل ذلك ضمن الخطة المرسومة مسبقا، لتكريس المفكر، مفكرا للشعوب، ومستشارا لأميري قطر.

لم يكتف عزمي بشارة بل وجدناه يجند بعض الكتاب ومشاهير اليوتيوب؛ (مثل يوسف جسين من خلال برنامجه "جو شو")، والأسماء المعروفة بالتوجه اليساري والأسلوب الساخر (مثل بلال فضل) الذي لمع في مقابل الفكر الإخواني المنسحق بخطاباته الرنانة .. وللحديث بقية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم  الفلسفة بكلية الآداب وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

................

1- حرب شرسة بين أذرع قطر الإعلامية بسبب المال والتخوين | منصات.. .. يوتيوب..

2- معركة الإعلام القطري كيف بدأ الصراع؟ (القصة الكاملة)  الجولة الأولى بين عزمي بشارة ووضاح خنفر.. يوتيوب..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم