صحيفة المثقف

بلقيس

عبد الفتاح المطلبيعشرةٌ وربيعانِ مرتْ

يومَ كنتُ أجوبُ البساتين

أبحثُ عن هُدْهُدٍ قد رأيتْ

كان في صفحةٍ

من كتابِ القراءَةِ

ولمّا مددتُ إليهِ يدي طارَ

خلّفَ ليْ ريشةً

فأودَعْتُها تربةَ القلبِ

أزرعُها فيهِ

لعلّي سأحصدُ بلقيسَ

أو عرشَها

(والحكايةُ من جدّتي)

أو أرى لجةً من قواريرَ...

ممردةٍ .. ، أرى ساقَها العاريةْ

،ضحكةً من سليمان

وهو يسمعُ رائدةَ  النملِ

أو أحتفي

بالذي يجلبُ العرشَ

قبل ارتداد البصرْ

و بعد كثيرٍ من الصبر

سمعتُ نعيباً

رأيتُ الغُدافَ يحومُ

ينعبُ: ماذا فعلتْ؟

أنا أبيضُ الريشِ كنتُ

لكنني لا أطيقُ الخيانةَ من عاشقٍ

ولا أستطيعُ السكوتْ

ألهذا تُسربلُني بالسواد

وقال الذي عندهُ العلم

: وما شأنُ نوح؟

ألستَ  الذي لمْ يَفِ

ولم يُخبرِ الناسَ يومَ السفينةِ بالغيضِ

فصبّ عليك الإلهُ سوادَ المُسوح

فكنتَ غُراباً غريباً

تطيرُ وتحجلُ

تتعبُ، تنعبُ، حتى يردّ الصدى

غرابْ... غرابْ

ونمتُ طويلاً

تزاورتِ الشمس عن مضجعي

نصفَ قرن

ولم يكُ من هدهدٍ

بلْ سَرابْ

حزمتُ حقائبَ صبري

ورحتُ أدجّنُ قلبي

تارةً بسياطِ الهوى

أجلدهُ ثم أبكي عليه

ويوماً أقدمُ ضِغثَ وَردٍ إليه

حتى استكان

ومن ثُمَّ تاب

أُعَلِّمُهُ كيفَ يكونُ البعيدُ قريباً

وكيف تغذُّ المسافاتُ أميالَها

ويطيبُ الإياب

أعلمهُ ما تيسّرَ

من بكاءِ الرَباب

وكيفَ يُغني الشجرْ

وكيف تجيد التنانيرُ

خبزَ العذابْ

ورحتُ أجوبُ البلاد

ومنْ ضَفَةِ النهر

نهر المُشَرّح*

أخبرني طائرُ (الغاق)

عن شفقٍ فوقَ بغداد

يرقصُ في قرمزٍ من حرير

وقال هنا ربّما

لعلَّ من الكَرخِ أو في الرصافةَ

في حُلمِ النومِ

سيأتي وفي عرفهِ

ثلّةٌ من نجومْ

تعومُ.. تعوم

على موجةٍ من مياهِ السماء

تسقي البحارَ الظميئةَ منذ الأزلْ

وتربّي القمَرْ

صغيراً يداعبُهُ همسُنا

فتنبتُ فيه أجنحةٌ ويطير

يطلُّ علينا  بوجهٍ منير

ونسمعُ همهمة الريح

وهي تُغلّقُ أبوابَها

وتَزِرُّ قميصَ السَحر

وحين تشظّى الصَباح

كقارورةٍ العطرإذْ تنكسرْ

أتى الجند  كلُّهمُ يحلُمون

حتى البنادقُ تحلمُ

زرعوا بعضها

في رماد المعاركِ

ثمّ استوتْ سوقُها

وبَرْعَمَ شاجورُها

وماتَ القمَرْ

فطارتْ جميع الهداهدْ

 

وأوصى سليمان بالعرشِ للريح

وثبّتَ منسأةَ كان يسعى عليها

شدَّ قبضتَهُ فوقَها ثم نام

وظلّتْ عفاريتهُ في القماقمِ

ونامتْ

إلى الآن وهي نيام

وما زال يحكمُها

طُلْسَمُ ، قمقمٌ ،

وظلّ الغرابُ يصيح

غداف ...غداف

أنا ...أنتَ

أين البشَرْ؟

يا أيها المُبتلَى بالضجرْ

***

عبد الفتاح المطلبي

......................

* إشارة إلى قصة مسخ الغراب عند أوفيد وفي الميثولوجيا العبرية

* المُشرّح: نهر في جنوب العراق قتلتهُ سدود تركيا

* الغاق: هو طائر النورس الذي يكثر فوق الماء

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم