صحيفة المثقف

2021.. العام الصيني

عبد السلام فاروقفى 2020 رأينا الصين تطل علينا فى مشاهد تبدو درامية.. أولها فى مطلع العام المنصرم والناس فى ووهان الصينية تتساقط وتهلك فى الطرقات والشوارع، والناس تراقب المشاهد فى قلق وهلع. لا يدرون أن الدور قادم على الجميع، وأن البلاء نقلته الصين ثم ظلت هى تراقب العالَم منذ مارس، حيث تناقصَت الأعداد أو انعدمت ببلد المنشأ، وتفاقمَت فى باقى أرجاء الكون وبخاصة فى البلد التى باتت تناصب الصين العداء السافر..أمريكا.

واتضح أن الصين بها لقاح تجريبى، وأن لقاحها وصل لمرتبة متقدمة من الفاعلية!

ثم ومع نهايات العام أطلَّت الصين ممثلةً فى رئيسها موجِّهاً خطاباً إلى العالَم. مستغلاً ،ربما، انشغال ترامب بانتخابات خسرها ورفض الاعتراف بالخسارة.

كان المنظِّرون والمفكرون وجهابذة السياسة يتنبأون منذ مطلع الألفية الثالثة بقرن أمريكي يتصدره العم سام باقتدار وثقة. ثم إذا بالحسابات كلها تنقلب رأساً على عقب. فالأسهم الأمريكية السياسية والاقتصادية فى تراجع حاد. والأسهم الصينية فى تعاظم وتضخم مخيف. فهل نحن مقبلون على العام الذى يصعد فيه نجم الصين؟

الصين ولغز اللقاحات

إن صراع اللقاحات كشف الكثير من الأمور المدهشة والصادمة.. منها أن التحالفات والمنظمات لم تُجدِ نفعاً، وأن النجاحات جاءت فردية. إما دولة بمفردها كروسيا مثلاً ولقاحها "سبوتنيك5"، أو مؤسسة أبحاث بمفردها كمؤسسة "بيو إن تِك" التى طورت مصل شركة فايزر. فلماذا فشلت منظمة الصحة العالمية التى بدأت منذ مايو الماضى فى جمع مبلغ 8 مليارات لتطوير لقاح، وكذلك تحالف"ابتكارات التأهب الوبائى" الذى دعمته دول الاتحاد الأوروبى؟

بل حتى مؤسسة جيتس، والتحالف العالمى للقاحات والتحصين. ثم الاتحاد الدولى للأمراض التنفسية الوخيمة. كلها لم تصل لشئ فى حين استطاعت مراكز أبحاث منفردة تحقيق النجاح. فهل يعانى العالَم اليوم من أزمة تعاون؟

بعض المنظمات لم يكن لها من هَمّ سوى جمع التبرعات، ومنظمات أخرى تريد إثبات الوجود لا أكثر. لكن حتى تلك المنظمات الجادة فى تحالفاتها الحادة فى حماستها، واجَهت لؤماً من الأحلاف. فالأمر لا يخلو من مكر ودهاء وإخفاء معلومات وسطو على بيانات وحرب معلوماتية لا تعبأ بمعاناة آلاف المرضَى.

وعلى الناحية الأخرى هناك دول استطاعَت بسرعة غريبة أن تصل لمراحل متقدمة من تطوير اللقاح. ومع نهاية العام بات الصراع على أشده لتسويق لقاحات ينظر لها الجميع بعين الشك. رغم ادعاء الجميع بقوة وفاعلية لقاحه! فقد خرجت فايزر تعلن فاعلية مصلها بنسبة 90%، لتسارع شركة مودرنا بعدها بأيام بإنتاج مصل فعال بنسبة 95% ولا يعانى مشاكل تخزينية كلقاح فايزر! ثم إذا بأوكسفورد ببريطانيا تعلن أن لقاحها المنسوب لشركة أسترا زينيكا يوازيهم فى قوته وفاعليته ومصداقيته رغم أن فاعليته لا تتجاوز نسبة 70%. فمن نصدق؟

دعونا أولاً نحاول ترتيب المعلومات ووضعها جنباً إلى جنب: أولاً: نحن أمامنا لقاحات قديمة وأخرى جديدة. إذ أن اللقاحَين الروسي والصينى قديمان، أحدهما منذ أغسطس والآخَر قبله بشهور! ولا تسَل كيف ولا متى تم تطويرهما. فبعض السؤال مجهول الإجابات. بينما اللقاحان الأمريكي والبريطانى حديثان ويتمتعان بدعم عالَمى أكبر وثقة نابعة ربما من توازنات السياسة العالَمية! فماذا عن العِلم؟

تقول التقارير أن الصين بدأت منذ مارس 2020 فى تطوير وتجريب عدة لقاحات.. أحدها لقاح كانسينو بيولوجكس ببكين بمعامل الأكاديمية الطبية العسكرية، واللقاح عبارة عن ناقل فيروسي مستخلص من نمط متطور للفيروس. وتمت تجربة اللقاح بووهان بالصين وبباكستان، ووصل اللقاح للمرحلة الثالثة المجراة على نحو 40 ألف شخص. بعد أن أثبتت المرحلة الثانية نسبة فاعلية وأمان كبيرة مع آثار جانبية متوسطة.

اللقاح الصيني الثانى هو لقاح سينوفارم المطوَّر بمعهد ووهان للمنتجات البيولوجية. وهو عبارة عن فيروس سارس/ كوف2 مُعطَّل. وتم تجريبه فى مرحلته الثالثة بكل من أبوظبي والبحرين والأردن على 45 ألف شخص. ووافقت الإمارات بموجب تلك النتائج على الاستخدام الطارئ للقاح لحماية العاملين بالصحة لديها فى خطوط المواجهة المباشرة.

ثم هناك لقاح سبوتنيك المسمَّى تيمناً بالقمر الصناعى الروسي الأول عام 1957. والذى أعلن الرئيس بوتين أنه فخر الصناعة الروسية، وأنه خطوة هامة لتعزيز النفوذ الجيوسياسي لروسيا! وأن هناك طلبات لتصنيع مليار جرعة من نحو 20 دولة فى مقدمتها فنزويلا والفلبين وبيلاروسيا والهند. واللقاح تم تطويره عن طريق مركز غاماليا الوطنى بموسكو، والمصل عبارة عن ناقل فيروسي لا تنسخى، وطبقاً للتقارير أن المرحلة الثالثة له ناجحة.

أما اللقاحان الأمريكيان: فايزر ومودرنا، فهما لا يحتويان على الفيروس ذاته وإنما على شريط(رنا المرسال-mRNA)، أو على جسيمات دهنية نانوية.

الثابت أن التجارب على الأرض حتى الآن تقول أن الصين ليس بها إلا إصابات قليلة، وروسيا تتراجع فيها الإصابات بينما تتزايد فى أمريكا. فمن نصدق؟

أمريكا تشعر بقلق..

ترامب أعلن فى أول تويتة له بعد حادثة الهجوم السيبرانى اتهامه للصين.. وكان بومبيو قبلها قد أعلن بملءِ فيه أن الخطر الأعظم الذى تواجهه أمريكا هو الصين!

فلماذا انتقلت الصين من خانة الحليف والصديق للعم سام. إلى خانة العدو؟

هل كان الوباء هو السبب؟ أم أن القلق الأمريكى يمتد لبدايات الحقبة الترامبية التى بدأها بإعلان حرب تجارية كبري ضد الصين أثبتت الأيام أن الخاسر فيها كان أمريكا لا الصين! أم أن مجرد النجاح الذى تحققه الصين فى مختلف الأصعدة هو المصدر الحقيقي للقلق. وأن البساط يكاد ينسحب ببطء أو بعنف من تحت أقدام القوة الأولى.

الصين اليوم تتمدد فى كل المساحات التى غادرتها أمريكا، فهل كان هذا ذكاءً صينياً أم غباءً من ترامب؟

ترامب أضعفَ تحالفه مع الناتو،فجاءت الصين فى أزمة كورونا بالمدد للاتحاد الأوروبي. والصين دعّمت منظمة الصحة العالمية عندما عاقبها ترامب بسحب معونته عنها. والصين تمددت فى إفريقيا فى غفلة عن أمريكا وأوروبا. وفى حين اتجه ترامب لتقليل تحالفاته، سعت الصين لتوسيع تحالفاتها فى الجهات الأربعة، وترامب كان مَن أعاد هيكلة قواته وتمركزها، فسحب قواته من أفغانستان وألمانيا والعراق، وأقام أسواراً تفصله عن جيرانه المكسيكيين، وجلب لنفسه كراهية دولية بفضل العقوبات التى يوزعها على الجميع حتى الصين. بينما الصين غداً ستصل بطريق الحرير إلى كل بقعة فى أوروبا والعالَم.

أمريكا محقة فى شعورها بالقلق. فهل باستطاعتها فعل شئ أمام حركة التاريخ؟

2021 والجيل السادس..

فى صراعه ضد هواوى، وحربه ضد تيك توك، هل كسب ترامب الحرب التكنولوجية أمام الصين؟ وإذا كانت الهجمات السيبرانية الأخيرة للمؤسسات الأمريكية التى اتُهمت فيها المخابرات الروسية قد أثبتت تفوقاً للتقنيات الروسية وثغرات فى النظام الأمريكى فماذا بعد أن تنتقل اللعبة للمرحلة التالية، وتنتقل الصين من الجيل الإليكترونى الخامس للجيل السادس؟

سوف يتزامَن هذا مع واقع أمريكي جديد.. كما سيتواكَب مع مرحلة ما بعد كورونا. تلك التى ستحتاج لخطوط إمداد سريعة، فتأتى النجدة ممثلةً فى مصانع صينية ذات طاقة إنتاجية مليارية، ووسائل نقل خاطفة السرعة، وشبكات توزيع عنكبوتية واسعة الامتداد، وتحالفات اقتصادية تضمن تعاقدات بلا حصر.

النجم هذا العام متألق فى سماء الصين التى أدارت ظهرها للصراعات وبحثت عن التحالفات، وهو يخبو فى سماوات أخرى يظللها الصراع وينهكها البحث عن المتاعب!

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم