صحيفة المثقف

هادي الجيار.. فنان من الزمن الجميل

محمود محمد عليتلعب الفنون دائما ًدَوراً مُهِماً فِي المُجتمع الإنساني، حيث تجعَلُ الإنسان أكثر رقياً، ودائماً ترتبط بالإبداعِ والعبقريّة، لذلِكَ أهميّة الفنون تكمن في حياةِ الإنسان بـ: إشباعُ الرّغباتِ الرُوحِيّة؛ ولذا فإن الفنون، هي إفراز لثقافة المجتمع، ومن ثم فإن ثقافة المجتمع، هي صورة عكسية، أو مرآة ونتاج لهذه الفنون، وعندما تكون اللوحة معبرة عن الضمير الإنساني وعندما يعبر الفنان عن قضايا مجتمعه، تكون الرسالة التي يحملها الفن في أسمى معانيها، بعيدا عن الارتكان إلى أبراج عاجية يسكنها الفنانون، حالمين بنشر صور رومانسية بعيدة عن الواقع، وإن كنا بحاجة إليها أحيانا للخروج من الدوائر المغلقة والأنفاق المظلمة.

ليس هذا فقط بل هناك علاقة تبادلية بين الفنون، كقيمة ثقافية تطرح على العامة، وبين عموم المجتمع، كتجسيد حي متفاعل مع هذه القيم، يجب أن ترتقى دوما إلى أعلى ولا تنحرف أبدا ولو بقدر ضئيل إلى أسفل؛ ليس فقط على مستوى إعلاء قيمة الإحساس بالجمال، ولكن أيضا على المستويات الأخرى كإعلاء قيم الأخلاق والفضيلة والعمل الجاد وقيمة العلم وقيمة الدفاع عن الوطن إلى آخر هذه القيم التى تمثل عصب نجاح وتطور أي مجتمع متحضر معاصر.

لذلك فإن دور الفنان على كل مستويات يجب أن يرتقي وأن يكون دائما عنصراً إيجابياً مؤثرا يرتقى بهذه العلاقة التبادلية إلى أعلى ولا يهوي بها أبدا إلى أسفل…خصوصاً أن عموم الفنانين في كافة مجالات الإبداع يشكلون صفوة المجتمع ويحظون بإعجاب خاص من عموم الناس، وإفتتان العوام عن أهمية الفنون بهم شيء ملحوظ، مما يوقع على كاهلهم في الواقع مسؤولية أكبر وأعظم في قيادة المجتمعات إلى التزكي الثقافي والترقي الحضاري على وجه العموم

وفي اليومين الماضيين رحل عن عالمنا فنان من هذه النوعية؛ ألا وهو الفنان القدير "هادي الجيار" ، عن عمر ناهز 71 عاما ، بعد اصابته بفيروس كورونا منذ أيام قليلة، ولكن الفيروس تمكن منه وأصابه بالتهاب رئوي حاد نُقل على لإثره للعناية المركزة بمستشفى الهرم،  فارق الحياة تاركًا إرثًا فنيًا وإبداعيًا جديرًا بالاحترام والتقدير.

ولم يتوقع الكثيرون أن يُصاب الفنان هادي الجيار بفيروس كورونا ، فهو منذ بداية الجائحة كان حريصًا على نشر التحذيرات لجمهوره و متابعيه عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ، فكتب في إحدى تدويناته " "ليه الناس مش مصدقة إن إحنا في خطر.. خليك في البيت" ، الي أن جاء اليوم الذي كتب فيه الجيار على الفيسبوك "ضربنى فيروس كورونا اللعين، نسألكم الدعاء بالشفاء".

ونعى الدكتور أشرف زكي، نقيب الممثلين في مصر، الفنان القدير هادي الجيار، معلنا في تصريحات لصحف محلية أن الراحل كان يعاني من مشاكل صحية أخرى بالإضافة إلى فيروس "كورونا".

وُلد الفنان هادي الجيار في أكتوبر عام 1949، والتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية وتخرج فيه عام 1970، حصل الجيار على بكالوريوس من المعهد العالي للفنون المسرحية، وقد بدأ مشواره الفني من خلال مسرحية مدرسة المشاغبين بدور «لطفي»، وإلى جانب مسرحية "مدرسة المشاغبين" أبدع الجيار في المسرح، في أعمال مثل: "أحلام ياسمين"، "لما قالوا دا ولد". .

وكانت انطلاقته الفنية مع مسرحية " مدرسة المشاغبين " التي ذاع صيته من خلالها وتعرف عليه الجمهور والوسط الفني، وكان يتقاضي أجرًا يُقدر بـ 15 جنيها شهريا، ثم زاد أجره في العام الثانى إلي 20 جنيها، وكشف الراحل عن بعض كواليس مدرسة المشاغبين في لقاء سابق مع برنامج صاحبة السعادة على فضائية "دي أم سي"؛ حيث قال الجيار إنه لم يكن يستطيع في البداية أن يجاري نجوم المسرحية في "إفيهاتهم" قائلا: "كانت إفيهات جديدة لدرجة أنني كنت أضحك عليها مثل الجمهور" وهو ما دفعه للجوء إلى إخبار الفنان الراحل عبد المنعم مدبولي بأنه  لن يستطيع أن يكمل العمل".

وتابع الراحل: "قلت للأستاذ عبد المنعم مدبولي مش عارف أروح فين وأجي منين في وسطهم، قالي أقعد وأتعلم وجرب وحاول تعمل زيّهم، واتمشى على المسرح كأنك في فسحة بيتكم، وأقنعني أكمل".

وعقب نجاحه في مسرحية " مدرسة المشاغبين " ، اتجه هادي الجيار إلي التليفزيون؛ حيث كانت له مشاركات في أهم المسلسلات الدرامية المصرية مثل " المال و البنون ، العصيان ، ولد الغلابة ، الضوء الشارد، ملاعيب شيحة، بطة وأخواتها عام 2004م، من غير ميعاد، مسائل عائلية جدًا، سيف الدولة الحمداني، القاهرة ترحب بكم، نعمة، عمارة الشبوكشي، سوق الخضار، الجبل، امرأة من الصعيد الجواني، السماح، الملك فاروق، وحق ميت، وسلسال الدم".

وكان مسلسل " شديد الخطورة" بطولة الفنان أحمد العوضي آخر أعمال الفنان الراحل ، الذي لم يستكمل تصوير مشاهده في الجزء الثاني من مسلسل "الاختيار"، من بطولة النجمين الكبيرين كريم عبدالعزيز، وأحمد مكي، سيناريو وحوار هاني سرحان، وإخراج بيتر ميمي، والمقرر عرضه خلال موسم رمضان المقبل، وكذلك لم يكن قد انتهى من تصوير دوره في مسلسل " موسى" مع الفنان محمد رمضان من تأليف ناصر عبد الرحمن وإخراج محمد سلامة.

كذلك لم يتم استكمال مشاهده بمسلسل «موسى» مع الفنان محمد رمضان، من تأليف ناصر عبد الرحمن، إخراج محمد سلامة، وهو من بطولة محمد رمضان، سمية الخشاب، عبير صبرى، رياض الخولى، سيد رجب، صبرى فواز، منذر رياحنة، هبة مجدى، فريدة سيف النصر، عارفة عبد الرسول، أمير صلاح الدين، ضياء عبد الخالق وعدد آخر من الفنانين، وإنتاج شركة سينرجى وتدور أحداثه فى إطار صعيدى.

أما في السينما فقد شارك الجيار في العديد من الأعمال التي لم تحقق نفس نجاح نجاحاته في التليفزيون ، مثل "ثم تشرق الشمس" ، و"احترس عصابة النساء" ، و"رحلة المشاغبين" ، و"سوزي بائعة الحب" ، "ابن مين في المجتمع" ، "مقص عم قنديل" ، و"عزازيل" .

وفي نهاية حديثي أقول نسألك يا الله أن تغفر للفنان هادي الجيار وترحمه، وأن تتغمده بواسع رحمتك ورضوانك وأجعله يا ربي من عبادك الفائزين في أعلى الجنان، وأجرنا في مصيبتنا وألهمنا الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.. أيها الأخ إلى جنات الرحمن مع الشهداء والانبياء والصديقين.. حسبنا الله ونعم الوكيل إنا لله وإنا إليه راجعين .. اللهم لا نسألك رد القضاء وإنما نسألك اللطف بنا يا أرحم الراحمين.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم  الفلسفة بكلية الآداب وعضو مركز دراسات المستقبل بجامعة أسيوط

...............................

1-مي عبدالله: وداعا هادي الجيار.. الكورونا تنتصر على "رابع المشاغبين".. مقال..

2-ضحى محمد : مفيد عاشور ناعيا هادي الجيار: «وداعا يا أخي الأكبر كنت أصيلا»".. مقال..

3-خالد كامل - السعودى محمود: وداعًا هادي الجيار.. ابن البلد فنان كل فئات الشعب".. مقال..

4-د. منال عبد الكريم الرويشيد: الفن التشكيلي والقضايا الاجتماعية.. مقال..

5- حسان البشير : كيف يتمكن الفن من خلق مجتمع أرقى.. مقال..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم