صحيفة المثقف

قراءة في رواية: الكواز و رحلة التيه

حيدر عبدالرضاللكاتب عبد الرضا صالح محمد.. السارد المركزي وتعدد مواقع الشخوص الرواة

توطئة:

أن مساحة التجليات السردية في محاور فضاءات الرواة الشخوص في رواية (الكواز ورحلة التيه) للقاص والروائي الصديق عبد الرضا صالح محمد، تتخذ لذاتها وظائف بنائية ـ ملفوظية، متباينة من حيث مسار الحكي وعلاقاته الموصولة في جملة تحصيلات مواقع خاصة مستقلة من حدود المسرود المتعدد في الرواية.

فالروائي ومن خلفه المؤلف الضمني، يشكلان مرحلتان خاصتان من (التضمين ـ الاستطراد التداخلي) وصولا منهما إلى موقعية وحدات الاسترجاع الداخلي ـ الخارجي، من خطاب السارد المركزي نفسه، والذي بدوره راح يؤسس لذاته وقفة تناوبية متحولة ومستقلة في تمفصلات أحاديث ومرويات مواقع تعدد الأصوات الساردة في شعاب منحى الرواية.

ـ الراوي المتعدد بين زمن الحكاية وصيغة العلاقات السردية .

ففي معرض حديثنا حول عاملية (الراوي المتعدد) في سياق السرد، يمكننا معاينة تأشيرات الروائي ذاته ومن خلفه المؤلف الضمني نحو بلوغ مستويات توظيفية من (المؤلف الضمني الراوي المتعدد/ السارد المعدول به إلى تبئيرات ـ خارجية ـ داخلية/ السارد المتماثل حكائيا) وعلى هذا النحو من معدلات ومقادير الساردون في الرواية، نلحظ منظور الشخوص قد حصلت على مقاربات ذاتية من ذاتها حيال مراجعة نقطة منظورها الداخلي تعديداً وحدود مواقعها التمفصلية في زمن حكاياتها، لذا نجد أن كل واحدة من الشخصيات الروائية، قد أخذت دوراً لها في تداول دورة زمن حكايتها إلى جانب معرفاتها الموقعية والعتباتية الدالة في مضمار كفاءة الفاعل الذاتي المركز في زمن الحكاية الروائية: (الراوي: دخل المدينة بقامته الطويلة وضخامة جثته ماشيا يجر قدميه عائدا من عمله، رافعا ثوبه من الأسفل ليتزر به في حزامه فبانت ساقاه المفتولتان، وعقد يديه خلف ظهره .. ولما رآه الأطفال وهم يلعبون في الشارع خافوا منه وفروا بعيدا. / ص9) .

1ـ الراوي في مواقع فاصلة ومتقاطعة من مواقع الشخوص:

إجمالاً نعاين وظيفة السارد ـ الفاعل المشارك، فتبدو لنا من وجهة نظر الروائي، هي من ينتج تأثيراً ممهداً في أشكال ومحاور الخارج والداخل من المبئر الروائي، ولكننا عندما ندقق في الشخصية ـ عبود ـ نجده شخصاً عاملاً في مسار النص المحوري، وليس سارداً فاعلاً كما يظن الروائي أو القارئ، وذلك نظراً لأنه في عتبة الراوي صار يحتل لذاته موقعاً مباشراً في مشاهد التمثيلات النصية كشخصية روائية، وليس من ضرورة ما من الروائي لوضع عتبة (الراوي) لأننا أدركنا ضمنا بأن السارد في نص الراوي ليس مشاركاً في النص، بل أنه الراوي المتوافق في سرد المشاهد والحوارات تعقيباً ظاهراً في سياق الخطاب: (أشار لها بأن هناك عملاً متراكماً قام بإنهائه، كانت زوجته ـ غانمة ـ مشغولة بترتيب غرفتها وكنسها بالعرجون سمعت صوت حماتها صفية، وهي تستقبل أبنها عبود وتتحدث معه. / ص9 الرواية ) وعندما نطالع عتبة ـ عبود ـ نلاحظ تحول المسرود من خلال السارد الفاعل العليم إلى جهة سردية عبود كسارداً مشاركاً وكعلاقة في خطاب النص، حيث يجرى التبئير الداخلي والخارجي كوظيفة متعددة وضمن موجه (تبئيرا داخليا ذاتيا) وهذا يعني أن الزمن الروائي في الرواية غدا مجبولا على مواقع خطية متعاقبة من تعدد المحاور الشخوصية الساردة أو الساردون، كما أنه يعرض أفق الاسترجاعات في نقطة وحيز من كلا الشخصيات المتعاملة وذاتية المبأر كوحدة فاعلة بذاتها حيال تفاصيل السرد بين حاضراً وماضياً، ولكن في أطار وتيرة متباطئة من حركتي السرد ومسرود الاسترجاعي، ويمكن توضيح حركة تنام السرد في إطار ثنائية حاضرية المسرود الاسترجاعي بالترسيمة الآتية: ( نقطة بداية السرد = حاضر = استرجاع/ الراوي ـ أجزاء سردية ـ تعدد الرواة = مواقع مستقلة للمسرود/ امتثالات السارد العليم ـ الاستباق الداخلي المتنمي للحكاية ـ الاستباق غير المنتمي إلى الحكاية) يحدث الاستباق الداخلي من طرف السارد المضمن في وظيفة الحكي، وفي بنية الحكي الداخلي الشخوصي، تتكرر المحاور الشخوصية كأستدعاءات محملة بخواص المشاهد المنتمية إلى حالة الشخصية المزمع محورها السارد في اللحظة الفاصلة عن الخارج السردي، كما يحدث الاستباق الداخلي لدى الشخصية كنقلة معدولة على لسان صفات وأفعال الشخصية ذاتها، كما ويبقى الاستباق الداخلي غير المنتمي إلى الحكاية الروائية، كحال استشراف السرد المستقبلي الذي هو غير داخل في مضمون النص، وبالمقابل منه يقودنا الاسترجاع الداخلي الذي هو خارج الحكاية إلى خروج النص عن الأحداث الماضوية التي تسبق زمن حكاية النص كحال هذه الوحدات قاب قوسين: (سألته عن سبب همه أجابني بأن الشيخ طلب يد غانمة لأبنه عواد! أنتقل همه إلي، فقد كانت غانمة صغيرة وعواد شخصاً سيئاً. / ص86 ) .

2148 عبد الرضا صالح

ـ راوي الرواة والأصوات الروائية

أن الاشارات الوظائفية في محكي رواية (الكواز رحلة التيه) تضعنا إزاء وظيفة (راوي متعدد/ راوي الرواة) اقتراناً له بذلك المؤلف الضمني والذي هو ليس بالمؤلف الحقيقي، بل أنه المؤلف المعادل للمؤلف الحقيقي في أشد اللحظات الداخلية من زمن مراقبة السارد المتماثل حكائيا، وقد تتسع مقاربة المؤلف الضمني إلى حالة مرويات السارد، كخاصية مفترضة أيضا في الملفوظ الروائي لا أكثر، وقد تواجهنا وظيفة راوي الرواة في الرواية، كعلاقة واصلة بين الشخصية الساردة وتمظهرات الأصوات الروائية الساردة في الرواية أيضا، وأي كحال من الأحوال التي تخص الأصوات الشخوصية التي تحكي مسرودها داخل سياق من سياقات السارد المشارك: (عبود: دبة الحياة في المدينة، وخرج من تبقى من رجالها للعمل وللبحث عن لقمة العيش، أعدت أهلي إلى بيتنا وتوجهت للعمل في الكورة بعد أن اضناني التعب في دفن الموتى./ ص102) هذان الحضوران لصوت السارد المركز والمشارك في النص كشخصية، هما صوتان واقعان ما بين الخارج والداخل من زمن المتصل في المتن، وهذه العلاقة تشمل الأصوات غير المحورية في الرواية كحال الحاج محمود والحاج علي واللصين وأبو عبدالله والنوخذا والشيطانة الفاجرة والحاج خضر وأسماء أخرى كثيرة هي خارج فعلية المحاور المهيمنة في الرواية. وتبعاً لهذا نواجه وظيفة السارد المركزي وهي تتشكل بين المحاور المركزية والشخوص المتكلمة في السرد عن حكايتها، وصولا منها إلى جملة علاقات خاصة من مواقع الشخوص المحورية كعبود وصفية وغانمة وحمدة وسالم وصاحب وفالح وخديجة وجابر.

ـ الفاعل الذاتي ومنظورات التبئير

لقد أصبحت الشخوص في الرواية الحديثة أعلى صوتا إذا ما قورنت بصوت الراوي، وذلك نتيجة لظهور تقنية تعدد الأصوات في البناء الروائي./ سعيد يقطين ـ تحليل الخطاب الروائي ـ ص 284/. وعلى هذا المستوى تتعالق محفزات التبئير ضمن ثنائية (المنظور الموضوعي ـ المنظور الذاتي للفاعل المنفذ).

1ـ الحكي ذو التبئير الخارجي:

و يمتد السرد في هذا النوع من التبئير الخارجي من خلال تقديم الأحداث، اعتمادا على وعي أحدى الشخوص، وقد قسمه جيرار جينيت على أنه يتم عن اختيار الراوي لوعي شخصية معينة يقدم الأحداث من خلالها ـ جيرار جينيت ـ خطاب الحكاية، ص 220/. كما ويبقى المحكي ذو التبئير الخارجي في شخوص رواية ( الكواز ورحلة التيه ) يعرض مسرودة ضمن منطلقات تنبري وحدود إنتاج العلاقات والدلالات في رصد العلاقة ما بين السارد الشخصية وزمن الحكاية: (سالم: أوكلوا مهمة نفينا إلى سجن بومباي لثلاثة حراس هنود وهم آرجون وأميتاب وديليب الذي يتكلم العربية بطلاقة، في حافلة بهيكل خشبي، صعدنا مقمعين بالسلاسل أنا والسجينان الآخران عبود وصاحب ومعنا الحراس./ ص127) وعلى هذا النحو نستدل على أن المبئر يتم من خلال الناظم الخارجي، إذ يقدم المنظور برانياً وعمقه خارجياً.

2ـ المحكي ذو التبئير الداخلي:

في الحقيقة أننا لم تعاين ذلك التوغل في الأعماق الشخوصية في أحداث رواية عبد الرضا صالح محمد، إلا من حدود جوانب أن يكون المبئر برانيا، ويقدم المبأر من الداخل، وبذلك يكون المنظور برانياً وعمقه داخليا كما أسلفنا، حيث تتداعى صور وحالات الذاكرة في علاقة مسرودة من الحكي المنقول: (فتلعثم في كلامه وخرجت كلماته بصعوبة، لم تفهم الصبية إجابته فنادت على أمها. / ص233)

ـ تعليق القراءة:

في ختام علاقتنا بدراسة مقالنا للرواية نقول أن دلالات رواية (الكواز ورحلة التيه) للروائي المثابر عبد الرضا صالح محمد، أخذت تطرح دلالات مرجعية خاصة من حكايات لها جذورها الواقعية في أرض الذاكرة وعمق الذاكرة، لذا بدت شخوصها كيانات محسوسة ومشخصة من مدار زمن وقائع لها من التأثير على ذائقة المعاينة القرائية المتحاورة وأقطاب محكيات الرواة الشخوص في مواقع فضاءات الأزمنة والعلامات السردية المتباينة في مساحة جمالية المبنى الروائي الدال والدليل في الاستجابة الروائية الجانحة في شعاب المخيلة المؤثرة.

 

دراسة الناقد حيدر عبد الرضا

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم