صحيفة المثقف

دراسة في أقاصيص (في درجة 45 مئوي) للكاتب محمد خضير

حيدر عبدالرضاوقفة مبحثية مع قصة (منزل النساء)

أسطرة الشواهد المكانية في ملحمة تواريخ الشخوص المعتمة

توطئة:

أن عملية قراءة قصة (منزل النساء) تبدو للقارىء عبارة عن تماثلات انشطارية بالسرد الزمني والمكاني، بما يحقق لها تلك الملامح المنقسمة على نفسها من ناحية الترتيب النصفي في مناطق الأقسام الدلالية والأداتية من مستوى متوازيات مساحة الرؤية والموضوعة الحكائية والسياق المسرود . وعند قراءتنا للقسم العلوي من النص، توافينا مكونات الشخصية ذات البعد الثنائي، وهي تقتحم صورية ملحمة المكان، وصولا إلى وعي حالات أسلبة الأشياء ضمن مدارية خطية أخذت تعتمد بذاتها تصعيدا في فضاء الدوال الوحداتية (صفوف الآجر المتآكل تنقطع بدعامات النوافذ الكبيرة القريبة من الأرض . / ص91) يبدو أن تتابع وصف المكان في مستهل الجزء العلوي، ماثلا بصورة التشيؤ المحوري في دلالات النص، بل أن القابلية الوصفية في النص أتخذت لها في الحيز الأعلى من النص، ذلك التواصل من أنسنة المكانية بلسان حال السارد العليم، بما راح يحقق للنص حسية تماثلية دلالية وملامح الرجل الداخل إلى مملكة المنزل: (هنا ينتشر الضوء من مخرمات خلف نوافذ الأرضية المغلقة .. ومن نوافذ وشرفات الطوابق العلوية، كما تلتمع أسلاك الكهرباء بهذا الضوء الداخلي وبأضواء المصابيح الخالية من المظلات المثبتة بدعائم شرفات الخشب وأضلاعها السفلى أو لفسحات الجدران الخالية من النوافذ . / ص91) أن أهمية هذه المؤثثات من تعاملات القاص مع الأبعاد المكانية، أخذت توفر لنا ذلك الوعي المؤدي إلى التعرف على خلفية مرجعية النص ومدى حقيقة طابعية وهوية هذا النوع المكاني من واقعية التوظيف الحكائي المرصود في أفق مكانية الشرط المتخيل في هوية الشخصية السائرة في أرجائه . فنحن إذن إزاء ملحمة مكانية مؤسطرة بتلك المخصوصيات التصويرية السرانية المكينة . وتبعا لهذا الأمر سوف نتعامل مع النص في قسمه العلوي كمرسلة في تماثلات المكانية، فيما نتعامل مع القسم السفلي على أنه ذلك الوعي الشخوصي المتماس بمرجعية العلاقة النصية الشخوصية في حاضرها وماضيها، صحيح أن كل القسمين تابعين لذات الموضوعة، ولكن هناك مساحة اختلافية كبيرة بين حجم التوظيف في القسم العلوي، إذ يظهر علاقة الشخصية بمعرفات المكان واقعا حاضرا دون مقدمات ما سوى الوصف المكاني، فيما يعكس النصف الآخر من النص أستراتيجية الشخصية القصصية على مدار مرجعية زمن الحكاية وتحققاتها المحلقة في بنيات تفاصيل ذات مسميات استعارية ـ مجازية، وكأنها مقطوعة من فصول ملحمة شعرية ن وحتى المشاهد فيها تبدو أشد تمسرحا من وقائع القسم العلوي .

ـ تمظهرات موازاة الموضوعة ودوال اللقطات الصورية

قلنا فيما سبق في محاور دراسات أخرى أن تقانة (عين الكاميرا) في قصص محمد خضير وخاصة قصة (منزل النساء) تلعب دورا هاما للشخصية الداخلة للمنزل، حيث تشتد مشهديا وكرونولوجيا في سمات معمارية فضاء المكان، اكتمالا مواز إلى حقيقة بزوغ الشخصية ذاتها في النص السفلي: (أسمي ـ علي ـ من مواليد 1945، أعزب، تسلمت قبل يومين عملا في مصلحة نقل الركاب بصفة محصل تذاكر . تسرحت من الخدمة العسكرية قبل أسبوعين . / ص91 الجزء السفلي) وهو ما يعد منطلقا للأحداث المصاحبة لأسباب تنقلات الشخصية في الجزء العلوي داخل رقع زوايا ودرجات سلالم المؤدية إلى غرف المنزل: (وأنتبه الرجل لكلاب نحيفة طويلة الأجساد والأرجل تخوض في مياه محجوزة وسط الرحبة حيث بالإمكان تمييز صفائح القمامة .. بقعة الضوء الوحيدة كانت معلقة عبر نافذة علوية ترتفع بمستوى نصف طابق عن نوافذ الطابق الأعلى . / ص94 الجزء العلوي) أن المعادل النصي في وحدات الملفوظ العلوي والسفلي من النص، يكتملان ضمن بؤرة موحدة من الموضوعة ذاتها، ولكن الاختلاف يكمن في مستوى الاستبدال والتبديل في اللقطات السردية، فكلا الفضائين ظهورا بذات الدال والدليل، غير أن المختلف ما بين المستويين، هو ذلك الاستطراد في حجم نوعية التفاصيل وطبيعة الزمن المحجوب وهندسة المكان وحالات الحدوث اللقطاتي: (إني ذاهب الآن، تحت غطاء هذا الليل الشامخ، إلى بيت أهملت زيارته طيلة الأسبوعين الماضيين، ولكني غير قادر على تجاهل جدرانه وصمته وساكنيه أكثر من ذلك . أول الليل، ولكن الليل يهرم بسرعة، يظلم سريعا .. وها إني أخطو في زقاق . / ص91 الجزء السفلي) .

1ـ آليات الزمن المكاني بين حلمية المخيلة وتعليق الواقع:

يتميز الدليل المركب بين الجزء العلوي والسفلي من النص، بكونه بانوراما ـ صورية واقعية متمثلة بمعالجة تخييلية من نوع ذات علاقة خاصة ما بين الصورتين من على شاشة الاقتطاع الحلمي والمشهدي، اللذين راحا يهمان بتحقيق الخطاب القصصي ضمن بلورته الحلمية في الجزء السفلي وأحيانا في العلوي، كما ويبقى الأساس المشترك ما بين الحيزين من الفضاء النصي، هو ذلك التواصل في تعليق صورة الواقع المتخيل داخل وظيفة موحدة من الأدلة المسرودة في موضوعة النص . الشخصية واحدة في كلا الحيزين تنتهج سبل مغايرة في تعاملاتها مع عوانس ومطلقات ورآمل المنزل، ومدار الحدث يبقى هو الغاية في العلاقة الكيفية المشتركة في إجراءات أحداث الحيزين من النص ـ رغم عدم ظهور مستوى الاختلاف لحد الآن، ولكن مدونة نزل النساء تظل محايثة لتجليات مختلفة من طوابق وغرف ونوعيات النساء النزيلات في المبنى الحلمي: (في الركن، خلف الباب، كانت الحنفية تصب خيطا رفيعا في صفيحة طافحة بالماء، فأوقف الرجل تدفق الماء، ومشى في الدهليز المستطيل على أرض ذات عثرات يخلقها وهم الظلام . / ص95 الجزء العلوي / ليل متسع ومتصل يحل دون أن ينتبه إليه أحد، فاجر وغير علني، تؤدي إليه الزخارف والأقواس أسفل القباب والشرفات، تسيب كلابه في الشوارع والساحات والخرائب . حل هذا الليل في رأسي وطرد الليل الآخر المليء بالوساوس الذي رافق نشأتي الأولى في الضواحي . / ص93 الجزء السفلي) فالدليل النصي هنا مناوبة نوعية تتجاوز وحدة توحد الحدث، ولكنها تتجاوز في منحى الإطار ذاته من دليل الموضوعة (جهات الموضوعة / الفاعل المنفذ = الشخصية / جهات التحيين ـ فاعل منفذ بين = الترابطات الممكنة / مرحلة الأداء ـ فواعل الحالات = دوال:  من بين الأسنان المتقابلة تظهر أنها سماء، الجزء العلوي / الفجوات، الجدران، الأرآئك، الصناديق، أشق طريقي بين أنفاس الساكنين الأسلاف، أستمع لحكاية أحد الملوك من امرأة ما لعلها أمي، كفنته بحرير أصفر، ونثرت جسده بالأزهار، في قاع نهر أخضر ساكن، وأنهت المرأة حكايتها حين بدأ الطل يسقط آخر الليل، ونهض الآخرون يتثاءبون لأفرشتهم فوق أسرة من جريد النخيل . / ص92 ص93 ص94، الجزء السفلي) أن التأمل في وحدات الفضاءين من النص، قد تساورنا مرجعية زمنية خاصة بطفولة الشخصية المتمثلة في النص، أي أنها حوامل علاقة نواتية أولى في ما يخص زمن الشخصية في الجزء العلوي، وبديهي أن نعلم أن أشكال مؤثثات المكان في زمن الشخصية العلوية، هي مرحلة متقدمة في صورية المحايثة الموضوعية في زمن الشخصية . أما ما مر بنا من أحداث الجزء السفلي من ذات الوظيفة الإجرائية، فهي مرحلة علاقة توضح لنا سيرورة جهات النص القادمة من علاقة أحوال أخرى من التبئير الصفري .

ـ الحركات السردية وحجب مساحة الزمن

تكشف لنا الحوافز السردية من على مدار القصة في جهاتها العلوية والسفلية، عن ممكنات حجب الزمن المتراتبة في وعي المكان حصرا، وعلى مستوى علاقات وقائع الأحداث المكانية التي تشغلها بصورة واضحة شواهدا من ملامح اندثار الزمن، عبر حالات الشخوص النسائية وظهورات تواصيف المكان انشغالا بذلك الزمن المندثر في تحركات أصداء الموجودات في تخوم الأمكنة: (أكتشف الرجل كلابا دقيقة وطويلة تتجول في حوش المنزل المستطيل المكشوف بنفس البطء الذي يجرب أبوازها على تحسس الآجر المربع المرصوف من دون صوت ينقض السكون الذي حل ـ خشب أخرس ـ وبعضها كان يتنقل في شحوب الأروقة المفتوحة على الحوش . / ص96 الجزء العلوي) من ناحية خاصة تبدو وحدات السرد والمسرود في النص جملا لا تحمل أية مؤشرات زمنية . فالسارد العليم يحكي عن أشياء مكانية بحة وبلا بواعث زمنية دالة أحيانا، فلا توجد من جهة أخرى أية علاقة واضحة مع الزمن الخارجي أو العالم الخارجي لزمن هذا المكان الموصوف بنزل النساء، سوى ملامح باعثة عن حيوات تواريخ سحيقة من أزمنة مغيبة، الأمر المصاحب أيضا في الجزء السفلي من النص تزامنا: (كان لا بد للحبال العديدة التي تربطني بأمي أن ترتخي وتنقطع، بعد أن جفت فيها دماء الشباب، ولم يكن باستطاعتي منع غطسها المستمر في حوض الشيخوخة. / ص96 الجزء السفلي) مما لا شك فيه أن فعل مرجعية الشخصية في المحور الاستعادي، تتلفظ وساءلها الحضورية في سياق من العلاقة الرابطة ما بين المستويين العلوي / السفلي، من المبنى القصصي: (هجرة الحياة إلى مكان آخر في المنزل ـ المعنى الأخير للأمومة = المحكي = حالات الإثارة = دليل واصل لجهة فاعل الأداء) يأخذ المحكي المسرود بعين الاعتبار تلك الظهورات المرمزة في مواطن الإشارات والأفعال التأشيرية في سياق المسرود، وصولا منها إلى بناء علامة موحدة وموحية من معين المدلول المركزي في كلا المستويين من الفضاء النصي . ففي ملامح الشخصية من الجزء العلوي ثمة بداية ووسط ونهاية، وما كان حاضرا فيها تمظهر خلفية للشخصية في علاقته مع أمه، إلا من جهة سؤال المرأة الدميمة ـ عوفة ـ عنها: (ثم أردف: ـ أمي عوفة .. كيف حالك ؟ هل تراني عيناك بوضوح ؟ أنا أبن عواشة . / ص103 . الجزء العلوي) في ما نعاين في الجزء السفلي من النص تعالق حميمية علاقة الشخصية بأمه وإلى حد يذكرنا بعقدة أوديب دالا في علامة مختزلة: (ما أرهق أن يكون الأنسان أبنا لأم طيبة لا يستطيع أن يستبدل شفقتها بحب امرأة أخرى . / ص97 . الجزء السفلي) إذ توافينا من جهة أخرى موجهات حياة الشخصية في المستوى النصفي من النص، حول دلالات طفولة الشخصية في منزل النساء ذلك، حيث كما يتضح من الحكي في الجانب الآخر من حياة الشخصية بأن الأم عواشة كانت من نزيلات هذا النزل الأيقوني في مرحلة زمنية محجوبة عن محددات الزمن الحكائي، أو هي مرحلة استدعائية مفترضة في مخيلة خارج القص، لذا وجدنا محددات مدلول العلاقة القائمة ما بين حاضر الشخصية الدميمة ـ عوفة ـ ووالدة الشخصية الرجل ـ عواشة ـ ثمة علاقة ماضوية مندثرة وغير محددة في مسلمات زمن سياق الحكي والحكاية، إلا من جانب استذكارات الشخصية ـ الرجل ـ وعوفة في زاوية نسبية من الجزء العلوي من النص: (و قالت عوفة لهن: ـ هذا أبن عواشة .. رفيقتي عواشة من زمان راح ؟ قالت امرأة: لقد أحسست بدخول أحد .. كما قلت لكم . قال الرجل: الكلاب في الأسفل .. باب الحوش مفتوح . قالت عوفة: دعها . دعها . فقط لا تصعد فوق . قالت امرأة: أبواب غرفنا مشرعة . / ص105 . الجزء العلوي) فبواسطة هذا الأواصر نستنتج بأن ملفوظات نزل النساء عبارة عن حالات مرمزة، أخذت تعكسها مجالات حقيقية ومحتملة من واقع بناء علاقات عوالم مأزومة وملتبسة في تدابير محتملاتها الماضوية والواقعة في رحم المتخفى في مبنى الحكي . ولم يكن دخول الرجل لهذا المنزل بعد مدة زمنية قصيرة، بل أنها ممتدة إلى فترات زمنية طويلة، بدليل أن ما قالته الشخصية عوفة: (ـ أين كنت؟ ـ في الجيش . جندي . ـ آه وفررت . عدت فارا . ـ دعك من أوهامك السوداء . تسرحت / ص104) في حين أن هناك حالة ملتبسة في الحكي أو أنها غير محددة زمنيا كما ينبغي، وذلك عندما ذكر الشخصية في بداية الجزء السفلي، وهو ذات الشخصية في محور النص بأنه: (تسرحت من الخدمة العسكرية قبل أسبوعين / بيت أهملت زيارته طيلة الأسبوعين الماضيين . / ص91 الجزء السفلي) الغريب في الأمر هو سؤال المرأة عوفة عن سبب غياب طويل للشخصية الرجل ولا ينم قطعا عن تأخر دام فترة أسبوعين، خصوصا في زمن الحرب ليست هناك فرصة إلى تسريح الجنود، والحرب قائمة في النص بدليل سماع الشخوص لصافرات الإنذار للطوارىء: (تناهت إليهم موجة من الصفير، خافتة ثم واضحة، قالت امرأة: ـ أنها صفارة الإنذار . / ص108 الجزء العلوي) ومن الفارقة أيضا نجد أن الشخصية الرجل يقول في مكان آخر من النص بأنه: (قال الرجل: ـ مضت سنتان لم أدخل فيهما هذا المنزل . / ص106 الجزء العلوي) لعل الكاتب محمد خضير كان يتعامل مع الزمن الحكائي في النص من خلال ذاكرة شفوية ـ انطباعية، بعيدة عن احصائية الأشياء والتقاويم الزمنية الدقيقة في قصته، ولربما أيضا أن القاص كان يتوانى في محددات الزمن ولا يكن لنصه سوى الحوادث المسترجعة من خلال مخيلة تهتم وتتفنن برسم دقائق الصور الساحرة من الوصف الاستقصائي.

ـ الروابط العلائقية والمعنوية في مؤشرات القص

أن المحاور السابقة من النص تشكل روابط مثمرة من وظيفة العلائق العضوية في دلالات بنيات وأدلة القص، فيما تبقى مجاورات الأنساق المعنوية في حالات الذوات الشخوصية، كوحدة موضوعية دينامية بدلائل الإمكانات الأحوالية في محور الحكي القصصي .

1ـ أنسنة دليل المحاور ومحاور علاقة الدليل الرابط:

تشخص آليات وأجراءات القص الاستقصائي في عوالم أقاصيص (في درجة 45 مئوي) نحو ذلك الكشف عن مستويات خفية من وظائف الإجراء الموضوعي الدقيق في أداة النص القصصي . ونحن حيال قصة (منزل النساء) عاينا تداول استقصائية المحاور الدوالية في مواطن هي من الضمنية والمسكوت عنه من الأداة التي لم تهتم بها مجمل تجربة كتاب القصة العراقية . فالقاص الخلاق محمد خضير يضعنا في قصته حيال مكونات علائقية  دقيقة من النادر الألتفات إليها في مقروء القصة العراقية في مجال اشتغالاتها النمطية العابرة لفن القصة القصيرة، وهذا الأمر ما جعلنا نعاين بالدرس والتمحيص إلى ثريا كيانية مجموعة أقاصيص (في درجة 45 مئوي) لأنها تعبر عن علاقات دلالية كبيرة في حصيلة القص السردي الاستقصائي، وليس هذا بالأمر الغريب عن عوالم العملاق (محمد خضير) فهو وعبر أعماله القصصية الخالدة كـ (المملكة السوداء / بصرياثا / رؤيا خريف / تحنيط) وقصص أخرى أكثر حداثة من هذه الأعمال المذكورة، قد أثبت بجدارة المجدد الكبير عن مدى فاعلية أشتغاله الاستقصائي في الفن القصصي . من هنا نعود إلى دراستنا لنموذج قصة (منزل النساء) لنواجه مستوى من العلاقات العضوية والمعنوية في أحداث هذا النص الثمين . نقول أن الأدلة المؤولة منا بخصوص سياقات الجزء العلوي من النص التي أخذنا منها نعاين ثمة دلالات مكانية خاصة في محاور متشيئة من التواصل الدلالي، وما يجب التنبه إليه هو نوعية العلاقة الحاصلة ما بين الشخصية ومؤثثات المكان، وصولا إلى سرانية العلاقة المنتجة بين ذات الشخصية وحالاتها ونوازع حالات ذوات منزل غرف النساء . أما الحال في زمن الجزء السفلي من النص، فقد جعل منه القاص كمحققات مرجعية أكثر تفصيلا في نوعية العلاقة المعنوية الدينامية في حكي الموضوعة القصصية: (عوفة أول امرأة عرفته في المدينة، وبقيت في المسكن الذي تملكه حتى أستدعائي للخدمة العسكرية .. أول مرة قالت:  ألست أبن عواشة؟ ولم أكن أعرف من هي عواشة . قلت: نعم، وبعدئذ صرت أعرف بين سكان المنزل الكبير بأبن عواشة .. كانت تثرثر عن امرأة بهذا الأسم، وظلت تتكلم بأستمرار .. حتى ظننت أن عوفة هي الامرأة الوحيدة التي سأستمع إليها .. لايبدو أنها تهرم .. وأنا أراها الآن كما رأيتها أول مرة، بعين صبي مندهش: امرأة عتيقة من مئات السنين، قطرة سوداء مشبعة بروائح حادة . / ص103 الجزء السفلي) لقد أوصلتنا قابلية العلائق العضوية الحكائية في المبنى النصي إلى أواصر شبه مموهة ما بين الموضوعة المعنوية في دليل النص، وبين غاية قصوى من الفرضية المغايرة في منتج الدلالة . لقد رأينا مرجعية الشخوص في النص في الجزء الأعلى والأسفل، كوظيفة نوعية أخذت تطرح مؤولاتها كإمكانية خاصة في محددات المؤشر في الممكن والكائن في النص: (في ما يتأصل الظلام، كان الصوت يبتعد في غور لا يرى ويفقد نبرته الانسانية .. كل شيء يتلاشى في العتمة .... ظلام .... / ص114 الجزء العلوي) .

ـ تعليق القراءة:

أننا حين نتأمل في دلالات موضوعة قصة (منزل النساء) لعلنا نعثر على الكثير من الدلالات الاستقصائية الخاصة في ملحمة مماليك غرف النساء، حيث هناك مرجعيات علائقية خفية في مصادرها تتسم بروائح الأحاسيس المجيرة لتفاصيل غاية في الدقة الدلالية والوصفية . أنها مخطوطة مملكة المرأة الضالة والمنسية والكادحة والنازحة من المدن البعيدة، إذ أنها تحكي حضوراتها المسترجعة عبر المكان والعاطفة والروح المندغمة في مكرسات ملامح حكايا تلك النزيلات في غرف ذلك المنزل المتخيل، وكأنه قرية كونية غاطسة في تقاويم الوجوه المكانية والزمانية والاغترابية المندمجة في مرايا الشواهد الشخوصية المعتمة في ظلمات تواريخ غرف النساء الحلمية الرطبة .

 

حيدر عبد الرضا

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم