صحيفة المثقف

اتفاق العلا : تسوية ثنائية أم مصالحة خليجية؟

محمود محمد عليتزوج الأخطب بن عوف من "فتنة"، وهي فتاة من قبيلة "الأرمكي"، أوحي اسمها له بأنها من سلالة الحسن والجمال، لذلك أسموها "فتنة"، فعقد قرانه عليها قبل أن يراها، ولما جاء موعد ليلة الزفاف نظر إليها فلم تسره، وكانت بعكس ما تخيله عنها من جمال، فانشغل عنها حتي نامت، ثم حزك أمتعته، وهم بالمغادرة.. أمه في الدار شعرت بحركته المفاجئة، فأدركته قبل أن يغادر، وقال له: إلي أين تذهب يا ولدي في ليتك الأولي من الزواج؟.. فأجاب إلي أرض الكوفة يا أماه!.. وماذا عن فتنة؟.. فقال : الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها؟..

قصدت أن أبدأ مقالي هذا بهذا الاستشهاد لأقول بأن العالم العربي خلال الأسبوع استيقظ  على أخبار بوادر انتهاء الأزمة الخليجية، وما بين مشككٍ ومصدق، ظهر على شاشات التلفزة عناق، وصف بـ"التاريخي"، بين أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لدى استقباله في مطار العلا السعودي، قبيل عقد أعمال القمة الخليجية الـ 41. وقد وصف البعض هذا العناق بأنه "كسر لقواعد البروتوكول وبداية لصفحة جديدة.

وهنا خرج علينا كثير من الإعلاميين علي قناة الجزيرة ليعلنوا بأنه إذا كان رسول الله "محمد" صلوات الله عليه وسلامه، قد وضع إصلاح ذات البين في درجة أعلي من الصلاة، والصيام، والصدقة، فمن يتجرأ أن يسفه التصالح الذي طال انتظاره غير المارقين، وهم كُثر.. وحدة الشعب الخليجي في دويه المتعددة أكبر من كل الكتاب والمتحدثين.. بل أكبر من كل الحكام والنافذين.. كلنا سنزول وستبقي الشعوب إلي ما شاء الله .

هذه خلاصة أقوال الإعلام القطري، ولكن علينا ألا ننسي بأن فيما مضي السعودية، والإمارات، والبحرين، ومصر، قد أعلنوا في يونيو من عام 2017 قطع علاقاتها الدبلوماسية والتجارية مع قطر، وسط اتهامات لها بدعم الإرهاب والتدخل في شؤون دول المنطقة، وهي اتهامات تنفيها الدوحة.

بيد أنه من الخطأ الاعتقاد (كما يري البعض)، بأن قطر لم تتغير أو لم تستوعب الدروس، ولم يكن اتجاه خطابها إلى مستويات أعلى من العدائية خلال تلك السنوات إلا محاولة لدفع أطراف الأزمة لإعادة النظر في مواقفهم، أخذاً في الاعتبار أن قطر ظلت فعلياً محصورة مجتمعياً وسياسياً في الواقع الخليجي خلال تلك الفترة.

والسؤال الآن: الذي يطرح نفسه بعد قمة العلا يتركز حول اتجاه التحالفات الإقليمية بعد القمة؛ فعلى مدى الأشهر الأربعين منذ بدء الأزمة في 2017، تغير شكل التحالفات والمصالح في الإقليم، وطغى على المنطقة فاعلون جدد وقضايا جديدة، جميعها ستكون في حاجة إلى إعادة نظر في ضوء مستجدات المصالحة. ومن خلال ما كشفه الوزير القطري عن بنود الاتفاق والذي سيتم عبر لجان ثنائية بين قطر وكل دولة على حدة، هناك احتمال لإحراز تقدم بين قطر والرباعي على نحو متفاوت، بالشكل الذي قد ينتهي إلى تبدل في التحالفات، فهل ينتهي تحالف الرباعي كتحالف مؤقت دعت إليه الضرورة وتأسس في مواجهة قطر، أم يستمر كجسر تنمية واستقرار عابر بين الخليج وباقي العالم العربي؟

وللإجابة عن هذا نقول أنه بالنسبة لمصر فإن غياب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وقيام وزير الخارجية المصري سامح شكري بالنيابة عنه في أعمال القمة، قد يعطي مؤشرا لوجود تردد مصري حول المصالحة الخليجية.

وهذه الشكوك تدعمها تصريحات كثير من السياسيين والإعلاميين المصريين بأن: "مصر لن تتصالح مع النظام القطري..." وهذا ما جعني بأن أكتب مقالي بعنوان " رسالة للرئيس السيسي : لا تصالح ولو منحوك الذهب" خلال الأيام الماضية ونشر علي صحيفة المثقف الزاهرة.

ورغم أن القاهرة رحبت بالمصالحة بشكل عام، إلا أن غياب التفاصيل حتى هذه اللحظة يجعلها مترددة، حيث إن المفاوضات على محتوى المصالحة مستمرة، وسوف تتضح لاحقاً، وبناء على محتواها فإن الموقف المصري سوف يتضح بالتزامن.

كما أن مراقبة الإعلام القطري ورصد خطابه تجاه القاهرة، قد يكون مؤشراً حول ما إذا كانت الدوحة حريصة على علاقتها مع نظيرتها المصرية، ورغبتها بتضمينها في الاتفاق، وأن مشاركة وزير الخارجية المصري في القمة استثناء، لأن مصر ليست دولة خليجية، ومشاركتها جاءت على خلفية كونها طرفاً في المقاطعة، مشيراً إلى أن الخلاف القطري-المصري ربما سيستمر بشكل ثنائي، لأن الخلاف كان موجوداً قبل المقاطعة، وذلك بسبب دور دولة قطر في دعم الإخوان المسلمين المصريين.

هذا الموقف يعززه بيان وزارة الخارجية المصرية الثلاثاء الماضي - الموافق (الخامس من يناير/ كانون الثاني 2021)، عقب توقيع الوزير سامح شكري على "بيان العلا" الخاص بالمصالحة، والذي ذكرت فيه أن مصر "تدعم العلاقات بين الدول العربية الشقيقة انطلاقاً من علاقات قائمة على حسن النوايا، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية".

وهناك حسابات عدة دفعت إلى المصالحة الخليجية بقرار سياسي مسبق، وليس لتوفر شروطها أو استيفاء أسبابها، فهناك عوامل ضاغطة على صناع القرار بدول الخليج لأجل إنهاء الأزمة وتغليب المصالحة، أهمها التحديات السياسية والاقتصادية، والخسائر التي لحقت بدول المجلس من جراء الأزمة، بجانب التكاليف الاقتصادية الناتجة عن وباء "كوفيد-19"، وتراجع أسعار النفط، وهو ما انعكس في خفض الموازنات العامة، وعجز الميزانيات، وتسريح العمالة، وتحولات سوق العمل، الأمر الذي جعل خليج 2021 غير خليج 2017.

أضف إلى ذلك الاحتفال هذه السنة بمرور 40 عاماً على إنشاء مجلس التعاون الخليجي، واستقبال عقد جديد في تاريخ المجلس، تفرض الضرورات أن يكون مختلفاً عن أصعب عقد مر على دول المجلس (2010 – 2020) من ناحية الأزمات والخلافات البينية و"التفسخات" المجتمعية التي عكست نفسها بوضوح على أدوات التواصل الاجتماعي.. وننتظر ما تسفر عنه الأحداث.. وللحديث بقية.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل - جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم