صحيفة المثقف

طبيب يكتب للكحالين

يسري عبد الغنيعلي بن عيسى الكحال، طبيب عربي له إسهامات كبيرة في طب العيون، ومعنى كلمة الكحال أي طبيب العيون، عاش في النصف الأول من القرن الخامس الهجري، ويعد كتابه (تذكرة الكحالين)، من أشهر الكتب في طب العيون عبر تراثنا .

ومن الأمور الجديدة التي أحدثها علي بن عيسى الكحال استخدامه للتخدير أثناء إجراء العمليات الجراحية في العين، وقد اعترف المستشرقون بأنه أول طبيب في تاريخ الطب العالمي يستخدم التخدير في العمليات الجراحية على وجه العموم، وفي العمليات التي تجرى في العين على وجه الخصوص .

هذا الرجل الذي عاش في بغداد العراقية تشهد بشهرة كتابه (تذكرة الكحالين) ترجمتان مهمتان، إحداهما: باللاتينية، والأخرى: بالعبرية، وترجع الترجمة الأولى إلى سنة 1497 م، وسنة 1499 م، حيث نشرت في مدينة البندقية الإيطالية، أما الترجمة العبرية فيرجح أن تكون قد نشرت في حوالي سنة 1500 م .

هذا، وقد عني المؤلفون والباحثون من أهل الاستشراق في القرن العشرين بتحقيق التراجم الموجودة لكتاب علي بن عيسى، وقاموا بنقلها إلى اللغات الأوربية الحديثة، حيث استفاد منها الغرب استفادة كبيرة .

ويقع كتاب (تذكرة الكحالين)، في أجزاء ثلاثة، وهو أقدم مؤلف كتب باللغة العربية في (الرمد)، إذا استثنينا مؤلف حنين بن إسحاق، والذي عنوانه (المسائل في العين)، وقد جاء على طريقة السؤال والجواب، حيث أنه وضعه لولديه: داود وإسحق .

ونشير هنا إلى أن الدكتور / ماكس مايرهوف، والأب سباط، قاما بنشر كتاب حنين بن إسحاق سنة 1938 م، والمعروف لنا أن حنين ابن إسحاق توفي سنة 877 م، في شهر أكتوبر تحديداً .

ولا يمكن لنا إلا أن نقطع في هذا المجال بتأثر علي بن عيسى في كتابه (تذكرة الكحالين)، بما ورد في كتاب حنين، ونؤكد أنه بنى عليه من عندياته إضافات عديدة مفيدة، فكانت النتيجة أنه أحاطنا علماً بكل معلومات زمانه في مضمار طب العيون .

ونقول أيضاً: إن حنين نفسه اعتمد على ما جاء قبله في نفس المجال، وهذه هي سنة التراكم العلمي، فلا ضرر ولا ضرار، أن يأخذ اللاحقين من السابقين، فكلنا عيال على الكتب، وعليه فلا داعي أن نشوه ونسئ إلى الآخرين عندما يستفيدون بكتب من سبقوهم، المهم أن يشيروا إلى ذلك وفقاً لقواعد البحث العلمي والأمانة العلمية، وفي نفس الوقت يجب أن يكون لهم رؤيتهم الخاصة بهم، وإبداعهم الذي يفيد القارئ .

نعود فنذكر: أن أول جزء من كتاب الكحال عني بالتشريح والوظيفة، بينما عني الجزء الثاني بالأمراض ذات الأعراض الظاهرة من الخارج، وجاء الجزء الثالث ليهتم بالأمراض الخفية، وبالغذاء، وبالطب العام، مع اهتمام كبير بالرمد وكيفية علاجه .

وقد ورد في الكتاب وصفاً لحوالي (130) مرضاً من أمراض العيون، وورد أيضاً (143) عقاراً لعلاج هذه الأمراض .

وفيما يلي نشير إلى بعض الدراسات والأبحاث التي قام بها أهل الاستشراق لدراسة الكحال، ودوره المتميز في الاهتمام بعلاج وتشخيص وبحث أمراض العيون:

1 - البحث الذي كتبه (هوشبرج)، بعنوان (علي بن عيسى الكحال)، وقد استند فيه إلى العديد من المخطوطات العربية الطبية، التي شرح الكثير مما تضمه عن الكحال، وقام بنشر هذا البحث باللغة الألمانية في مدينة ليبزج سنة 1904 م، ويجدر بالذكر هنا أن هوشبيرج قام بترجمة كتاب الكحال إلى اللغة الألمانية أيضاً .

2 ـ كذلك عقد (هوشبيرج)، فصلاً مهماً عن الكحال ضمن كتابه (متن في طب العيون العام )، وذلك في الصفحات من 121 إلى 146 .

3 - كما قام (سي.أ.وود)، بترجمة كتاب الكحال، بترجمة كتاب الكحال إلى اللغة الإنجليزية، وذلك في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة الأمريكية، سنة 1936 م.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم