صحيفة المثقف

قصة لا يعرفها شبابنا

يسري عبد الغنيالطريق إلى المعرفة.. علم الدين نموذجا

رجلنا علي مبارك عاش بين عامي 1824 م و1893م، حيث ولد في قرية برنبال التابعة لمحافظة الدقهلية بمصر، وتعلم العربية، وقرأ القرآن الكريم، ثم سافر إلى باريس لدراسة العلوم العسكرية، ولما رجع إلى مصر شغل عدة مناصب عسكرية، حتى عين ناظراً (وزيراً) للأوقاف، والمعارف (التربية والتعليم) ثم شغل منصب نظارة الأشغال، واستقال منها أثناء الثورة العرابية سنة 1881م، وكان آخر عمل حكومي قام به هو نظارة المعارف .

كان علي مبارك غزير التأليف، يدل على ذلك كتاباته العديدة، ومنها قصته التعليمية التي سماها (علم الدين)، والتي هي من وجهة نظرنا الخاصة خلاصة لتجربته الحياتية ومسيرته الفكرية، كما أنها تعلن بجلاء فلسفته الأخلاقية والتربوية .

وعندما نقرأ المقدمة التي كتبها لهذه القصة، نعرف أنه كتبها عندما رأى النفوس تميل إلى السير والقصص، فتجرد لعمل كتاب يضمنه كثيراً من الفوائد في أسلوب حكاية لطيفة، وسواء وفق في السرد أم لم يوفق، فقد خرج الكتاب على هيئة مسامرة الأشجار والزهور، وهي تتفاوت طولاً، وأسلوبها تغلب عليه البساطة والوضوح والاستواء .

وتعتمد القصة على السرد والحوار، عارضة لشئون الحياة والدين، مثيرة الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والتاريخية، أما أحداث القصة فتجري في مصر وأوربا، وبطلاها رجل أو شاب أزهري اسمه علم الدين، ورجل إنجليزي قدم إلى مصر، وحاول أن يتعلم اللغة العربية، وكلاهما كان يخوض في مشكلات الحياة، ويسافر، وينظر، ويسأل، ويحاول أن يصل إلى الحقيقة .

ذلك أن الحقيقة (كما يقول علي مبارك على لسان علم الدين) تختلف بحسب الظروف والأحوال، والوصول عليها يتطلب معرفة بأسرار الوجود، وإحاطة بالعلوم المختلفة وبالفنون وغرائب الموجودات وعجائب الكائنات .

وفي سبيل الحقيقة أو المعرفة نطرح خبايا التاريخ، ونناقش القضايا من وجهها الظاهر والخفي، ولا بأس من الاستقراء، واصطناع المنطق، واستخدام كل وسائل المعرفة .

إننا ندعو إلى دراسة قصة علم الدين، دراسة علمية تاريخية أدبية فكرية متأنية، ولا نتعامل معها كمجرد عمل أدبي في سياق تاريخي .

إن هذه القصة، دعوة إلى المعرفة، أو فلنقل إنها ترسم الطريق إلى المعرفة، سبق بها علي مبارك ذلك الرجل المثقف المستنير الذي لم يأخذ حقه حتى الآن من الدرس والبحث، سبق بها عصره، في نفس الوقت الذي كان له فضل السبق والريادة في كتابة القصة التعليمية .

بقي أن نشير إلى أن النسخة التي معنا من علم الدين، كتب عليها (علم الدين لحضرة العالم الفاضل صاحب السعادة / علي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية سابقاً، قدم له المؤلف)، ونذكر أيضاً أن الطبعة الأولى من هذه القصة، صدرت في الإسكندرية، عن مطبعة جريدة المحروسة، سنة 1299 هـ = 1882 م .

توفي على باشا مبارك في 14 نوفمبر عام 1893م في منزله بمنطقة الحلمية الجديدة، متأثراً بالمرض، بعد حياة حافلة قضى جزء كبير منها في التفاني من أجل نهضة بلده.

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم