صحيفة المثقف

"ألف شاعر" واجهوا القمع والسجن والنفي والمطاردة!

محمد عبد االشافي القوصيأول كتاب يُؤرِّخ لشعراء المعارضــة

كتاب (شعراء في مواجهة الطغيان) يُعدُّ موسوعة أدبية عن تاريخ الشِّعر السياسي في الوطن العربي، إذْ يَعرِض مآسي الشعراء العرب عبر العصور.. أولئك تعرضوا لأشد أصناف القمع والتعذيب والمطاردة والتصفية الجسدية!

"هذا الكتاب" بمثابة صندوق للشكاوى، ودفتر للمظالم، وساحة مصارعة، ومحكمة علانية منعقدة، تتبادل فيها الاتهامات بين الظالمين والمظلومين، بين المفترِين والمُفترَى عليهم، بين الطغاة المسلحين والمستضعفين العزل!

"هذا الكتاب" يحتوي على القصائد الممنوعة، والقصائد التي لم يُعرف أصحابها الأصليون، والقصائد التي بسببها تمَّ تصفية هؤلاء الشعراء، أوْ سجنهم، أو مطاردتهم، أوْ نفيهم؛ بدءاً من عمرو بن كلثوم، مروراً بالفرزدق، والكميْت، ودعبل، حتى نصل إلى البارودي، والكاظمي، ومحمود الزبيري، وأمل دنقل، ويحيى السماوي، ومُظفَّر النواب، ونزار قباني، وأحمد مطر، وغيرهم من الذين قضوا أعمارهم في المنافي والسجون!

إنَّ أزمة هؤلاء الشعراء تكمن في (أنظمة الحكم) الجائرة التي أنشبتْ أنيابها عبر حقب تاريخية مظلمة، وجاءت عن طريق انقلابات رعناء؛ تعمّدت تهميش الصالحين والمصلحين، وعزلهم عن مواقع الريادة والتأثير، بلْ ومطاردتهم وتصفيتهم؛ حتى يخلو الجو لحواشي السلطان من الأقزام والمتسلّقين الذين هم –بمثابة– اليد اليُمنَى من الطغيان!

***

ترى؛ لماذا يغضب الشعراء؟ وما هي الدوافع التي جعلت الشعراء يحملون راية العصيان؟ وأجبرتهم على كتابة القصائد المسمومة؟ التي يُعَدّ اقترافها من "الكبائر" أوْ من "المحظورات"! وما هي الأسباب التي أرغمتهم على كتابة هذا الشِّعر الحارق، وهذه القصائد المتفجِّرة التي جَرَّتْ عليهم كثيراً من الأزمات والمصائب؛ كالسِّجن والنفي والمطاردة والتشريد والتصفية الجسدية!

هؤلاء الشُّعراء لا يتصنَّعون "الشِّعر السياسي" ولا يتكلَّفونه كالأغراض الشعرية الأخرى، إنما يفرض نفسه عليهم فرضاً، ومُساقونَ إليه سوقاً، ومدفوعونَ إليه دفعاً .. ربما لسوء الأحوال الاجتماعية وتدهور الأوضاع السياسية، أوْ ربما بسبب طبيعتهم النفسية القلقة، أوْ بفعل شياطينهم المردَة، أوْ بسبب قسوة الحياة، ووحشية الحكومات، وضراوة الأنظمة الحاكمة!

فالشَّاعر العربي جُبِلَتْ نفسه على خَلْق هذا اللون الشِّعري "المُزعِج"! ورأى نفسه مشدوداً إليه شداً، ومدفوعاً إليه دائماً بدافع قهري. فعندما تلحّ عليه فكرة القصيدة أوْ موضوعها، لا يستطيع صدها أوْ منعها أوْ حتى تأخيرها ... إنها لحظة المخاض -كما وصفها الشعراء أنفسهم! فلابد لهذا الجنين أن يخرج إلى النور على الفور سواء كانت ولادته عادية مُيسّرة، أوْ قيصرية مُتعسِّرة! المهم أن يخرج هذا الكائن إلى الحياة ... أمَّا عن اسمه ورزقه وأجله؛ فهذه مسائل أخرى تتضح معالمها فيما بعد الولادة.. حيث يبدأ صراع هذا "الوليد" الشِّعري مع الوجود الخارجي المُلَبَّد بالسحب الداكنة، والعواصف الهوجاء، والحُفر الاجتماعية والمطبّات السياسية. ولطالما أمسى هذا الوجود الخارجي في حالة لا تسمح له بقبول هذا الوليد أوْ منحه مكاناً تحت النور!

***

"هذا الكتاب" جمع أشهر القصائد السياسية عبر التاريخ التي أودتْ بحياة أصحابها، وألقتْ بهم في غياهب الضياع ... حيثُ نتوقف مع الشّاعر الذي هجا "نوبار باشا"، والشّاعر الذي هجا "رياض باشا"، والشّاعر الذي هجا "الخديوِ سعيد"، وثورة شاعر البادية، وشـاعر البـؤس، وشـاعر في رَحِم السجن! والمُلاكِم الأدبي، وشـاعر الإسلام، وشاعر الثورة، وشاعر الدعوة، وشاعر وراء القضبان، وشاعر الانتفاضة، وشاعر الصحوة، والشَّاعر المجهـول، وأزهري في مواجهة الاحتلال، والأعمى الذي رأى كل شيء، وأمير شعراء الرفض!

وهناك قصائد مهمة جداً، احتواها الكتاب، مثل: قصيدة جـلاّد الكنانـة! ورسالة في ليلة التنفيذ! ورسالة في ليلة النصر! وفلسفة الثعبان المقدس، والخروج من السجن الكبير، واللَّعين الأول، وفرعون مصر، وفرعون وقومه، وقذائف الحياة الأولى، وصرخة من خلف الأسوار، والقدس عروس عروبتكم، والسيرة الذاتية لسيّاف عربي،  وأغاني الديكتاتـور، ومبارك العميـل، وكـِلاَب وأُسُـود، وصـلاة الكُهَّـان، والحاخام يخطب في بغداد، وارحــل يا جبان، وارحــل .. يا بلطجـي، وارحلـوا عنّا .. إلى غير ذلك من القصائد التي تقطر دماً.

نعم؛ إنها قصائد حارقة أطاحت بالأنظمة، وزلزلت عروش الطغاة!

وفي الوقت ذات؛ جنتْ هذه القصائد على شعرائها مصائب كبرى، فعوقبوا بالمطاردة، والملاحقة، والتصفية الجسدية!

العجيب؛ أنَّ أغلب هؤلاء الشعراء من (مصر واليمن والشام والعراق) وهذا أمر يجب التوقف عنده، والبحث في كُنْه هذه المجتمعات الاستبدادية؛ التي فرضت على أدبائها التمرُّد والعصيان!

ومن القصائد التي احتواها هذا الكتاب، قصيدة (ارحــل يا بلطجي) للشاعر السوري "محمود السيد الدغيم" التي هجا بها "بشّار الأسد"، قائلاً له:

ارْحَلْ وَخُذْ كُلَّ اللُّصُوْصِ

وَخُذْ رُعَاْعَكَ يَاْ هُبَلْ!

بَلْ خُذْ جَمِيْعَ الْمُخْبِرِيْنَ

وَكُلَّ جُمْهُوْرِ الْفشلْ

إِنَّاْ خَلَعْنَاْ خَوْفَنَاْ

فَارْحَلْ كَمَخْلُوْعٍ رَحَلْ!

بلْ استمع إلى الشاعر العراقي (يحيى السماوي) وهو يَروي مآسي وطنه:

فأرض "دجلة" عندي عن مصائبها

ما لا يُقالُ، فماذا يكتبُ القلمُ؟

مدائنٌ أصبحتْ للناس مقبرةً

وأنهُرٌ ماؤها مما يُراقُ دمُ!

وأيُّ حاكم لؤمٍ بات يحكمنا

وقدْ تساوى لديهِ الدِينُ والنغمُ!

وما أروع تشبيه الطغاة العرب بالكلاب الضالة، بل الكلاب أشدّ طهراً منهم –كما يقول الشاعر "إسماعيل شعشاعة":

كِلابٌ والكلابُ أشدُّ طُهْراً

كِلابٌ .. والكلابُ أجَلُّ قَدْرَا

إذا شبّهْتَهُمْ فيها اشمأزَّتْ

وتاهتْ فوقهمْ تختالُ كِبْرا

كلابُ الأرضِ أنصعُ .. بَلْ كَفَجْرٍ

وهم زادوا اسْوِداداً بَلْ وفُجْرَا

كِلابُ الأرضِ أرفعُ في مقامٍ

وأطهرُ منهمو فعلاً وسؤْرا

وهُمْ عارٌ على وطني وقومي

أحالوا الخصبَ كُثْباناً وقَفْرَا !

***

محمّــد عبد الشّــافي القُوصِـــي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم