صحيفة المثقف

التنور أتلف تراثنا!!

صادق السامرائيالتنور: فرن طيني يُخبَز فيه الخبز في العراق ودول عربية أخرى، وهو قديم قِدَم الحضارات البشرية.

هذا موضوع ربما لم يتناوله أحد من قبل، إنتبهت إليه وأنا في خضم البحث عن لماذا أبيدت سر من رأى عن بكرة أبيها في غضون أشهر أو بضعة سنوات على أكثر تقدير.

ومَن يتجول في إسبانيا يحمد الله كثيرا لأن الإسبان حافظوا على الإرث العربي كما كان ولم يمسونه بسوء، وما أصابه بفعل الهزات الأرضية، ولو كان بأيدينا لما أبقينا عليه.

فقرطبة وغرناطة وغيرها من مدن الأندلس الجميلة، لا تزال معالمها متألقة، وما بقي في سامراء إلا الأطلال.

وأعود إلى التنور ودوره في إتلاف تراثنا ومعالم وجودنا، فهو الذي أكل كل شيئ قابل للإحتراق، وفي مدينةٍ  يعز فيها السجير، يكون أي شيئ يحترق طُعما للتنور.

وهناك الكثير من الحكايات التي كان يتداولها الأجداد، أن فلان الفلاني إقتلع باب السور وجعله زريبة للحيوانات ومن ثم أكله التنور، وغيرها التي صارت في بطن النسيان.

فلو سألتني عن أي معلم خشبي في المدينة وأين ذهب، فسيكون جوابي : أكله التنور!!

بل حتى الكتب، وربما المفروشات وغيرها من أثاث قصور بني العباس الثمينة، جميعها وبلا إستثناء إلتهمها التنور، الذي يقدم لنا رغيف خبز حار بثمن لا يعوض.

أين ذهبت أبواب الجامع الكبير وأعمدته وشبابيكه وزخرفاته الخشبية، وما كان في قصور بني العباس من منحوتات ومزينات خشبية، والجواب إلى التنور!!

فالتنور أحال معالم المدينة النفيسة الغالية إلى رماد!!

وقس على ذلك ما يمكن حرقه من آثار الحضارات القديمة في مدن وقرى بلاد الرافدين، فجميعها صار طُعما للتنور المتأجج يوميا في البيوت.

قد نتباكى على ما أحرقه هولاكو في بغداد وخصوصا مكتبة بيت الحكمة، لكن التنور بفعله اليومي التراكمي، ربما أحرق أكثر من ذلك عبر مسيرة الأجيال، فكل ما هو قديم كان يُلقى في التنور.

فاللعنة على التنور وعلى رغيف الخبز الذي يقدمه لنا بعد أن أتلف الكثير من معالم وجودنا!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم