صحيفة المثقف

بين رهبتين.. لذاذة النثر وترف المعنى

محمد خالد النباليقراءة انطباعية لنص الأديبة والشاعرة خيرة مباركي

نص شعري كعبه عالي بهذه اللغة المنسابة كالغدير بكل سلاسة المفردة، تحمل بطياتها دلالية وعمق. وتناغمية أضافتها الشاعرة لهذه النثرية. فنشعر بأنه نص مموسق دون إسقاط النثر. ومع هذا الانسياب السلس يشعر المتلقي براحة في النفس. فاللغة رغم الوجع ورغم العتاب والغياب وحالة التشظي، إلا أنها لغة رغم قساوة الموقف وصعوبته تنساب سلسة وهذا يعطينا انطباعا عن نفسية الشاعرة وحالتها الشعورية أثناء الكتابة، تكتب بأعصاب هادئة مسترخية بلغتها الأنيقة، فنشعر بأنها شهرزاد تجلس كأميرة وهي تخاطب الآخر كأنها تتحايل عليه وتوجه رسالتها حتى تجعله ينحني خجلاً لرقتها، وهنا بهذا النص المبهر نجد تصويرا إبداعيا، وقد أثرت النص بالرمز والانزياح الجميل دون الابتعاد في تقاعير اللغة. فكانت صور شعرية من البلور الخالص , وأكاد أحس بحركة متجسدة في النص متوالية الايقاع في الروح وهذا الحب الجارف، وإن دلت هذه النثيرة على شيء فهي تدل على خوف وقلق من القادم والروح المتعبة وكأن الشاعرة خيرة مباركي ترتحل بين جدران الغياب طوعاً .

وقد بدأت الشاعرة بمفردات لطيفة ترضي الذائقة، لطيفة رغم وجود العنوان بين رهبتين فتقول مثلاً (الشغاف، المزامل، ترنيمة، موال) وتنطلق بسرعة للرهبة ومفردات أخرى بلغة أنيقة رغم العتاب، (فارتجفت كخطيئتي.. بآهاتي وقصائدي والغرق بهدير الصمت والمنفى) وبدأت بالتضرع للغياب الذي يجتاحها أن ينجلي تبحث عن وهج حتى يعصف بدمها. هنا صورة شعرية فكيف للوهج أن يعصف هذا تركيب مبهر وتتساءل كيف تواري الحسرات المتتالية حسرتها المحرمة وكأنها تقول أن ألمي مذموم بنظر الآخر إن بُحتُ به فلن تشتكي أو تظهر شكواها، وتبدأ بالتحذير بألا يباغتها حتى لا تضر به قسراً فليست بحاجة لأنفاس معلبة بمعنى نفس العبارات لا جديد حفظتها عن ظهر غيب فكلها مواعيد جاهزة معلبة فهذه خطيئة نادرة وفيها لذة ورعشة. وتتابع " هذا غرسك يتلألأ قمرا في مساماتي " ورغم ذلك تقول له لكن "اليوم أقايض ربيعكَ فهل تبايعني أن تكون "؟ " وأحاول أن أشفيك من هذا المرض "! "وتكون قديساً "، إنه بمثابة تساؤل، وهل سيتغير همسكَ ويبتكر المواعيد ويتخلص من العبارات والمواعيد المعلبة والتي تفتقد لطعمها ونكهتها المتجددة فقد مللت من التكرار تعال واعلن الجنون في جلالة اللقاء، وفي النهاية هي لا تصدق بأن هناك شيء ما سوف يتغير فتباغته بقولها لكن بنفسجة خائفة ترتجف وكأنها تقول لا أثق وهنا أخفت الشاعرة مشاعر أو سلوك احتفظت به لنفسها. فالسؤال يلح عليها ويرتجّ بهوس وبين المعنى والمعنى تبدأ الطواف بين ضفافه فالروح عطشى وزمزمها إشارة لماء الطهر. وتصر بأنها ستقتل عتابه وهنا أظنها تعني لن تسمع ولن تصدق بل سوف ترمي عتابه بالجمرات وكأنها ترمي الشيطان بسبع جمرات .

قرأتكِ كثيراً في النص وقد تجاوز الكثير من الألم والوجع والحرف الصارخ بصمت . كان وجعا ناعما ولذيذا. فكانت الشاعرة خيرة عميقة .

أخيراً لغة النص كبيرة تصويرية . فكم من البلاغة والمفردات الدلالية المبهرة , سامقة المعاني تخطف الأنفاس لعذوبتها. فقرأت وانتشيت لهذا العزف على وتر القلوب .

أقول للشاعرة خيرة : الله على هذا الألق والروعة المنسكبين .

هي كلمات بريشتك الساحرة ومدادك الزمرّدي من أعماق قلبك النازف عسلا وماءاً رقراقا , وبوحك يدبّ النشوة والسحر في النفوس الكامنة المنتظرة بشغف هذا الجمال وقلب ما زال عامرا بالحب لكنها بنفس الوقت ما زالت تقف على شواطئ ساحرة بالنوارس الصديقة  ... وقلم مدجج بالسحر، وقلب ما زال يغيب خلف الشمس فمن ينتشله من الغرق .

 كم تسرقنا الحروف من القلق ومن الفرح وكل الهواجس وحالات الغياب ولكن الأمل موجود ولا نعدمه، دمت وهذا الإبداع والإحساس المرهف بجمال المفردات والتعبير

 

بقلم محمد خالد النبالي

 الأردن 16/1/2021

...........................

بين رهبتين

خيرة مباركي

لي أن..

أجذّرك في الشغاف

أيها القمر المزامل نبضي..

أن أزمّنك بدقائق هاجسي

همستك بيقين الصباح

ترنيمة شاردة في موال شتويّ

فارتجفتُ..كخطيئتي في انتظارك ..

بلى:

همستك بآهاتي وقصائدي ..

فغرقتُ بهدير الصمت بين محرابك

ومنفاي

وأنا أتضرع للغياب أن ينجلي

ويعود وهج العنابر يعصف

في دمي!!

كيف أواري حسرتي المحرّمة

في ثغر ابتسامتي الجديدة؟!

أو أحلّلُك حراما بشغف الرغبة الجامحة!

هل تبايعني نسمةً جنوبيةً الهوى؟

وهل يرقد صهيل المواسم في نهمي؟!

إياك أن تباغتني بهمس دمك الهانئ

وتغزو مساماتي الغافية

ربما سأرضيك وأقطع حبل الشكّ..

فلا تخدش أنفاسك المعلبةَ بالمواعيدِ اليوميةِ ..

كُنْتُكَ نعيمَ الشرفات المفردسةِ

بخصب الحنينِ

وأفشيتُكَ في خطيئةٍ نادرةٍ بين لذّةِ الخوْخِ

ورعْشةِ الترابِ..

هذا غرسُكَ يتلألأ في فؤاد النور.. قمرا يضيء مساماتي!!!!

واليوم أقايضُ ربيعَكَ بالعِتابِ..

فهلْ تُبايعُنِي كيْ أتماثلكَ شفاءً قدسيّا

وهمسُكَ يبتكرُ المواعيدَ في جلالةِ اللِّقاءِ؟؟؟!!!!

لكنّني كبنفسجةٍ طموحٍ:

أرتجفُ

...........

...........

أحلّقُ في زواياكَ

وأرتجفُ

...........

...........

بين ارتجاجِ السُّؤالِ وهَوَسِ المعْنَى

وبين المعنّى والمعنى..

أطوف بين صفائِكَ وعطشِي

بين دواتِكَ وزمزمي..

ولسوف أنحر عتابكَ

وأرميه بجمرات سبع.

***

خيرة مباركي / تونس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم