صحيفة المثقف

حديث أبي

نبيل عرابيحَدّثَنا أبي.. قال:

"السّكوتُ زنزانة،

الصّمتُ خيانة.. "

لم نفهمْ ما قالهُ أبي،

لم نعرفْ ما عناهُ أبي..!

*

بعدَ ساعتينِ،

أيقَظنا أبي..

لصلاة الفجر،

ردّد على مسامعنا:

" الصّمتُ زنزانة،

السكوتُ خيانة.."

لم نعرفْ ما قصدَهُ أبي،

لم نفهمْ ما قالهُ أبي..!

*

بعدَ يومينِ،

قاطعَ أبي مجلسنا،

حدّثنا وقال:

" الموتُ خيانة،

القولُ أمانة.."

لم نفهم ما قاله أبي،

لم نعرفْ ما أراده أبي..!

*

بعد أسبوعينِ،

باغتنا أبي بقوله:

" القول خيانة،

الموت أمانة.."

فؤجئنا بما قاله أبي،

لكننا لم نفهم قصد أبي..!

*

بعد شهرينِ،

عاد أبي من سفرهِ مثقلاً،

جلس إلينا، حدّثنا وقال:

" النومُ إهانة،

الصوتُ إهانة،

القمرُ إهانة،

الشمسُ إهانة.."

مجدداً، لم نعرف ما رمى إليه أبي،

لم نفهم ما قاله أبي..!

 *

بعد سنتينِ،

إستقرّ بنا المقامُ في الحياة الأولى،

فقصدنا أبي.. ليحدّثنا.. قال:

" اليوم أترككم ملء جفنيّ،

اليوم أترككم، وقد حدّثتكم بما لديّ "

وغادرنا أبي،

ولم نفهم ما قاله أبي..!

*

بعد عقدينِ،

تجمّع أبناؤنا حولنا،

" حدّثونا " .. قالوا لنا،

قلنا: " الكلام مباح،

الصوت سلاح.."

أردفنا: " القمر فضيلة،

الشمس رذيلة.."

وختمنا: " الصمت حرية،

النوم هدية.."

لم يفهم الأبناءُ ما قلنا،

فأحضروا صورة جَدِّهِم،

طافوا حولها مراراً،

وهم يرددون:

" ليتكَ معنا لتحدِّثنا،

ليتكَ معنا، لنفهمَ ما يقولون.."..!

***

 نبيل عرابي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم