صحيفة المثقف

الرحلات البريطانية إلى يافع

قاسم المحبشينشرت مجلة جمعية الصداقة اليمنية البريطانية بحثا بعنوان الرحلة إلى يافع ١٨91 - 1967. قام بترجمته الاستاذ محمد محسن العمري نائب وزير العمل سابقا. في ١١٠ صفحات من القطع الكبير. جاء فيه " كان الكولونيل ليك هو أول أوربي يزور يافع العليا والسفلى في نوفمبر 1925. وبانتدابه من الجيش الهندي خلال الحرب العالمية الأولى قام ليك (1886-1943) بإنشاء وتدريب قوة قبلية لأغراض الحراسة المحلية، وللغرابة فقد سميت هذه القوة مشاة اليمن الأول (First Yemen Infantry) . وبعد أن تم حل هذه القوة في عام 1924 أوكلت إلى ليك المهمة الأكثر إثارة للارتياح بتأسيس وقيادة جيش محمية عدن (جيش الليوي (APL Aden Protectorate Levies) . وفي أعوام الثلاثينات من القرن العشرين تم تحويله إلى طاقم عدن السياسي، وخدم سكرتيراً للمحميات (ولاحقا قائم بأعمال المقيم والحاكم) حتى تقاعده في عام 1940"

"انطلقت القافلة من الحصن صعوداً بمرافقة حرس قبلي تحت قيادة السلطان علي بن عبدالله. أخذ ليك معه مبلغ 10000 ربية في صندوقين من الحديد الصلب من أجل توزيعها كمنح (بقشيش Douceur) لرؤساء القبائل ولتغطية نفقات الضيافة ودفع اجور الجمّالة. وبعد عشرة أيام من مغادرة ليك وفريقه من عدن وصلوا إلى القارة حيث استقبلوا بحفاوة بالغة وترحيب حار. وقد تضمن تقييم ليك لرحلته وصفاً مفعماً بالحيوية للطبوغرافيا المحلية: " تقع القارة على تل يرتفع منتصباً من الأودية المحيطة إلى ارتفاع حوالي 800 قدم فوقها، ويرتبط من الاسفل بطريق حجري متعرج... ومن قمتها يبدو منظراً بانوراميا بديعاً.... إلى الجنوب ينظر المرء عبر وادي إمهدارة إلى جبل موفجة، حيث يمكن من قمته أن يشاهد المرء جبل شمسان وميناء عدن عندما يكون الجو صحواً. وإلى الغرب على بعد شاسع يمكن رؤية سلسلة جبال ردفان، وما وراء ذلك أبعد قليلاً إلى الغرب تظهر بلاد الأميري مع جبل الضبيات. وغرب – شمال-غرب تبرز القمم الشامخة لمنطقة المفلحي بكل عريها الوعر، وإلى الشمال أكثر يقع جبل أهل يزيد، متوجاً على طوله بالدور الحجرية بأشكالها الظلية في مواجهة السماء. وما وراء جبل اليزيدي تقع سلسلة جبال يافع العليا.... إلى الشمال الشرقي قليلاً يمكن رؤية جبل العر، الذي لم يسمح لنا بزيارته ولم تطأه بعد قدم أوربي. وإلى الشرق من العر تقف النصبا كساد مثل سنام فوق جمل .... وإلى شرق شمال وأبعد بالمسافة ينتهي حائط الجبال بصورة حادة منحدراً إلى الأسفل حتى الكور وسهول دثينة... وإلى الشرق وجنوب شرق يصبح المنظر أكثر تقييداً، منقطعاً عبر انحدارات جبل الشعاب والتلال إلى الجنوب من وادي سرار.تتكون البلاد المتداخلة من سلسلة من القمم والوديان، في قمم وبطون الجبال وضعت المدرجات لزراعة الدخن (الذرة) والوديان الخضراء بمزارع البن والقمح والشعير. إنه منظر لا يمكن أن ينسى بسهولة، لابد انه بنوعه وعظمته الجامحة أحد أهم الروائع في الجزيرة العربية، وبصفه خاصة في الصباح الباكر وفي المساء مع التغيرات الرائعة بالضوء والظل

بعد تلك الرحلة الموفقة لل الكولونيل ليك توالت زيارات الانجليز اليها على مدى السنوات اللاحقة إذ كان الزائر البريطاني  الثاني "للقارة هو السير ستيوارت سيمس في عام 1929. سيمس الذي كان مقيم عدن بين 1928و1931 كتب في تقريره انه حظي بمعاملة في غاية الكرم وحسن الضيافة"

في عام 1938 زارها ستيورات بيرون، وهو ضابط سياسي ولم تعرف غرض زيارته، ولكن يبدو على الارجح بانه أرسل ليلوّح بالعلم الامبريالي البريطاني في وقت تزايدت فيه حده التوترات الدولية. وفي عام ١٩٥٠ زارها البريطاني مالكوم ميلن. قدم ميلن تقييما مفعماً بالحيوية عن رحلته إلى القارة في كتاب سيرته الذاتية الصادر عام 1999 (No telephone to Heaven) كتب عن لحظه وصوله:" شاهدنا قلعة القارة حول تل منخفض بارتفاع 1500 قدم فوقنا، والدور المنيعة البيضاء مواجهة إلى السماء خلفنا. كان الطريق الملتوي بطول ميل إلى القلعة أسود اللون وبه حشد من رجال القبائل. قدَر حسن محسن (من أعيان المنطقة السفلى)، إن ثلاثة آلاف رجل في انتظارنا. السلطان نفسه محاطاً بمجموعة من أتباعه يبترعون ويلوحون بالسيوف، جاء قادما ببطء لاستقبالنا. ورجال القبائل بصدورهم العارية واجسامهم المطلية بالنيلة وزيت السمسم ذي الرائحة الفواحة. عندما التقى الطرفان بدأت التحية: أطلق مدفع في الاعلى اثنتي عشر طلقة، وكل رجل قبيلة اصطف على الطريق أطلق النار من بندقيته عند اقترابه. في تلك الليلة انفتحت السماء وهطل المطر الغزير مصحوبا برعود قوية". أوحت زيارة ميلن بتلك التي قام بها حاكم عدن السير هيكنبوتم في عام 1952. في مذكراته (عدن 1958) سجل هيكنبوتم: " القارة هي البلدة الاكثر استثنائية التي شاهدتها في أي مكان في العالم. لقد بنيت على قمة دائرية من الحجر الجيري على تلة شديدة الانحدار والتي تبدو مثل شكل مخروطي مقطوع(الرأس). كان الوصول إلى البلدة يتم عبر طريقين وعرين وبصعوبة تتمكن الجمال والحمير من الصعود اليها.

في أغسطس 1953 كتب ديفيد ترفري في مذكرة سرية معلقاً على زيارتي ميلن وهيكنبوتم إلى يافع السفلى، وكان قد عين في أبين وقام بزيارة القارة قبل اسابيع قليلة:" أن موقف القبائل قد بقي في كل الاحوال معاديا بصورة اساسية... لقد أوليت اهتماماً لقوة المعارضة لزيارة صاحب المعالي (حاكم عدن) عبر حوارات مع أعضاء من فريقه المرافق، ومع نائب سلطان يافع السفلى (السلطان محمد) الذي كان مسئولا عن تأمين حمايته ومع الحرس القبلي الذين رافقوه... إن مشاعر عدم الود العامة كانت واضحة تماماً خلال زيارتي الحالية. لقد وجهت الاهانة لفريقنا من قبل من صادفناهم في الطريق وفي الحقول... وقد شوهد نحو 1000 من قبائل كلد المسلحين في وادي سرار، قاموا حسب اعترافهم بالتجمع للسيطرة على ممر مسكبة لمنع هجوم القوة العسكرية التي كانوا يتوقعونها. وقد تم قطع اشجار بن السلطان من قبل رجال قبيلة السعدي احتجاجاً على ميول السلطان تجاه الحكومة... إن معارضتهم تنطلق من عدائهم للحكومة ومن خوفهم من التغيير ومن استقلاليتهم الشديدة. كانت زيارة ترفي عام 1953 هي الاخيرة من قبل أي أوربي قبل الاستقلال في عام 1967.

إن الرحلة الوحيدة إلى يافع العليا من قبل أوربي منذ رحلة ليك في عام 1925 كانت واحدة غير متوقعة قام بها في منتصف 1952 نيجيل جروم الذي كان موقع عمله حينها في الضالع. ومستنداً بصورة اساسية على ذكريات عديدة مدفونة عن تلك الرحلة، قدم لنا نيجيل جروم بكرم التقرير التالي:

"في صباح أحد الايام جاء جندي من الحرس القبلي حاملاً رسالة من النائب في الشعيب تفيد بان طائرة قد سقطت في وادٍ في جزء معزول جداً من يافع العليا على مقربة من الحدود الشعيبية واليمنية. تلا ذلك بعد وقت قصير رسالة مماثلة من شيخ المفلحي وبعدها من أمير الضالع، وبعدها بيوم أو يومين من مصادر عدة معتبرة. كانت تقاريرهم كلها متسقة وقابلة للتصديق. أبرقت بذلك إلى عدن التي بدورها أكدت بعد التواصل مع تعز بعدم فقدان طائرة بريطانية أو يمنية"يصف الرحالة البريطاني نيجيل جروم رحلته إلى يافع العليا بالقول: " زوجتي لورنا التي كانت برفقتي حينها في الضالع، دونت (في يومياتها) بأنني غادرت بصحبة 15 جندي من حرس الحكومة وحوالي 60 جندي من جيش محمية عدن وبمرافقة مساعدين طبيين مع تموينات ونقالتين طبيتين. كل ذلك جاء من حامية الضالع... وفي صباح اليوم التالي بدأنا رحلة العودة إلى الضالع. أمضينا حوالي أسبوع في عملية البحث الساذجة هذه. ولكنها كانت بالنسبة لي مغامرة ممتعة، وأستطيع أن أدعي انني الضابط البريطاني الوحيد الذي دخل أراضي نقباء الموسطة منذ رحلة ليك إلى يافع العليا عام 1925”

 

ا. د. قسم المحبشي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم