صحيفة المثقف

التربية الوطنية الصارمة!!

صادق السامرائيبغض النظر عن طبيعة نظام الحكم القائم، نتعجب من إصطفاف الشعب الكوري الشمالي حول قيادته، وروعة الإنتظام في السلوك، والدقة المتناهية في تقديم العروض العسكرية المبهرة، والقدرة الإبتكارية والتصنيعية والتفوق في المجالات المتعددة، التي تضاهي قدرات الدول الأقوى في الدنيا.

والسبب الفاعل والكامن وراء هذا الإنجاز المتحدي الفائق الإقتدار، هو التربية الوطنية الصارمة التي تعوَّد عليها الشعب الكوري الشمالي عبر الأجيال.

نعم إنها التربية الوطنية، فهل عندنا قيادات وطنية تجيد مهارات التربية الوطنية؟!

لو تأملنا واقعنا وعلى مدى القرن العشرين وحتى اليوم، لتبين أن التربية الوطنية غائبة إلا في بعض الدول العربية وأخص منها بالذكر تونس، التي إجتهد مؤسسها الحبيب بورقيبه بالإهتمام بالتربية الوطنية، وصناعة الشعب المثقف الواعي المُدرك لحقوقه وواجباته.

فمجتمعاتنا لم تقز بقيادات وطنية بالمعنى الحقيقي للوطنية، وإنما أنظمة حكمها عبارة عن كراسي يجلس عليها المرعوبون من الشعب، وينشغلون بالدفاع عن وجودهم في الكرسي ومحاربة الشعب، والشك في نواياه وتطلعاته وأهدافه، ولهذا تجدهم عدوانيين ظالمين، ويعدمون ما يستطيعونه من المواطنين ويعذبونهم، ويغيبونهم ويودعونهم في معتقلات سرية مرعبة.

أي أن القيادات التي توالت على حكم معظم دولنا قد تجاهلت التربية الوطنية، وركزت على إحتكارها للحكم، وتلميع صورة قائد النظام الذي عليه أن يمثل كل شيئ، فيغيب الوطن وتنتفي قيمته، وتتسيد الصورة والبالون الذي يتم نفخه حتى يحين يوم إنفجاره المحتوم.

فلماذا نتعجب من كوريا الشمالية ونتناسى التربية الوطنية الصارمة الراسخة المتوارثة فيها؟

ولنتساءل أين مبادئ ومناهج التربية الوطنية في دولنا وما هي معانيها وممارساتها؟

الأنظمة الحاكمة والتي حكمت علمت الأجيال أن الوطنية حمل سلاح وسفك دماء وحسب، وما إستطاع نظام حكم تجاوز هذا المفهوم الجامد، ويبيّن للأجيال الممارسات الوطنية التي تزيدهم قوة وعزة وكرامة، كما تفعله القيادة الكورية الشمالية، ولهذا تصنع شعبا حديديا لا يخاف أقوى قوى مهما تمادت بتهديداتها له.

إن الوطنية خُلق وإيمان وممارسات إيجابية معتصمة بحبل الوطن المتين!!

فأين مبادئ التربية الوطنية في مجتمعاتنا المقهورة بالكراسي وأتباعها؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم