صحيفة المثقف

مصطفى كمال والريادة الفكرية في علم الكيمياء

محمود محمد عليمن الأمور العسيرة أن يحاول المرء أن يكتب عن إنجازات إنسان قريب إلي عقله وقلبه، فالموضوعية والحياد قد لا يتوافران بالقدر الكافي، لكني سأحاول قدر الإمكان أن أكون موضوعيا في حديثنا عن عالمنا الكبير . ينتمي الدكتور مصطفي كمال رئيس جامعة أسيوط، روحاً ومكانة، إلي الجيل الموسوعي من العلماء الذين يصعب أن تحدد ميداناً بعينه لإسهاماتهم، فعلي الرغم من أن التخصص الدقيق للدكتور هو الكيمياء، إلا أن بحوثه العلمية تعدت هذه المجالات إلي ميادين وموضوعات أكثر رحابة وتنوعاً .

والأستاذ الدكتور ” مصطفى محمد كمال محمد علي” (أستاذ الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط بجمهورية مصر العربية)؛ يعد من كبار علماء الكيمياء في مصر وفي العالم العربي، الذين استطاعوا بحوثهم ومؤلفاتهم أن ينقلوا البحث في الكيمياء من مجرد التعريف العام بها، أو الحديث الخطابي عنها – إلي مستوي دراستها دراسة موضوعية، تحليلية – مقارنة . وقد كان في هذا صارمة إلي أبعد حد: فالنص العلمي لديه هو مادة التحليل الأولي، ومضمونه هو أساس التقييم، والهدف منه هو الذي يحدد اتجاه صاحبه.

كان الدكتور مصطفي كمال قمة في التواضع، فهو الإنسان بكل ما تحمله كلمة الإنسان من معاني ودلالات، فلقد وهب حياته كلها للجامعة : تعليماً وبحثاً، وظل اهتماماته الرئيسية هي اهتمامات أستاذ جامعي يسعي إلي أن يرتفع بعمله إلي أعلي مستوي ممكن، ومن هنا فإنه يمثل القدوة والريادة وستظل كتاباته تمثل المنارة التي يهتدي بها الإنسان في الظلام تمثل الشعلة الخالدة، شعلة الفكر، وما أعظمها من شعلة .

ولد مصطفى كمال (مع حفظ الألقاب) في السابع من شهر يناير عام 1953م بمدينة بني مزار بمحافظة المنيا، حيث حصل على درجة البكالوريوس فى العلوم - كيمياء – بتقدير جيد جداً دور يونيو 1974م؛ ثم حصل على درجة الماجستير فى العلوم – كيمياء – اعتبارا من 25/10/1977م، ثم حصل بعد ذلك علي درجة دكتوراه الفلسفة فى العلوم – كيمياء اعتبارا من 20/10/1981م، وخلال تلك الفترة تدرج في المناصب الإدارية بدءا من معيد ومدرس مساعد بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط فى الفترة من (1977 /1974)، مـدرس قسـم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 13/12/1981م، وأستاذ مساعد بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 14/12/1986، وأستاذ بقسم الكيمياء بكلية العلوم – جامعة أسيوط اعتبارا من 12/1/1992م. وخلال تلك الفترة بزيارة كثير من دول العالم من خلال المهمات والزيارات العلمية، كما حضر كثيرا من المؤتمرات العلمية وورش العمل الدولية والمحلية، كما أشرف علي كثيرا من بحوث رسائل الماجستير والدكتوراه، كما قام بتحكيم العديد من الأبحاث العلمية فى مجال الكيمياء التحليلية للعديد من المجالات المحلية والإقليمية.

كما أشرف على الشعبة الكيميائية بمعهد دراسات وبحوث تكنولوجيا صناعة السكر بالجامعة اعتبارا من 1-2-2003، أستاذ زائر بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة الإمارات العربية المتحدة في الأعوام الأكاديمية من 1991-1993، وأستاذ بقسم الكيمياء كلية العلوم جامعة الإمارات العربية المتحدة فى الفترة من سبتمبر 1994 وحتى سبتمبر 2000م، ووكيل كلية العلوم لشئون التعليم والطالب ـ جامعة أسيوط من 2003-2004، وعميد كلية العلوم ـ جامعة أسيوط اعتبارا من 2004-2006، ورئيس جامعة سوهاج من 2006-2008، ورئيس جامعة أسيوط بالتعيين من 2008-2011، ورئيس جامعة أسيوط بالانتخاب من 2011-2013، وهو الآن يشغل منصب رئيسا لجامعة بدر منذ 2014 وحتي الآن.

ولم يكن مصطفي كمال ممن يحرصون علي غزارة الإنتاج، بل كان في عمله العلمي يغلب عليه الكيف علي الكم، وكان في ذلك متسقاً مع نفسه تمام الاتساق، فقد كان يبحث دائماً عن النوعية من الحياة، ويعرف كيف يتذوقها، ويُرضي بها حسه المرهف. ولكن لعل السبب الأهم في عزوفه عن الإنتاج الغزير، برغم قدرته عليه، هو أنه كان من ذلك النوع النادر من الأساتذة، الذين يلمعون ويمارسون أعظم تأثير لهم من خلال اللقاء المباشر بينهم وبين تلاميذهم، لا من خلال اللقاء غير المباشر عبر الكتب والبحوث.

ولم يكتف مصطفي كمال بالإلمام بمقتضيات البحث العلمي في مجال الدراسات الكيميائية أو ترسيخها في قلوب وعقول تلامذته وكل من يستمعون إليه، بل كان له السبق في استبطان عقول من يشرف علي رسائلهم ؛ بمعني أنه كان مقتنعاً تماماً بأن لكل باحث شخصيته وميوله، فمنهم من يميل إلي المنهج التاريخي المقارن، ومنهم من يميل إلي التحليل والتعمق، في حفر الأفكار، فلم يحرم هؤلاء أو هؤلاء من ميولهم، ولكنه أضاف إليها، فحافظ علي شخصية تلامذته والقواعد العلمية في آنا واحد، مما يندر أن يتوفر عند أساتذة كثيرين.

كما جمع مصطفي كمال بين الأفق الفلسفي الواسع، والرؤية العلمية المحددة، وهنا يتضح عدم تعصبه لتوجه أيديولوجي، فلم يكن وضعياً ولا برجماتياً ولا وجودياً، ولا متمذهبا بأي حال من الأحوال فموضوعتيه غلبت عليه في كل أحكامه، وأراءه وعندما يوجه سهام نقده لأى من هذه المذاهب فهو لا ينكرها أو يريد هدمها أو نقضها، إنما يطالب بإعادة النظر إليها لاشتمالها علي نقائض وعيوب، كما يهتم بصياغة المصطلح صياغة فلسفية، وعلمية دقيقة ويظهر التفرقة الواضحة بين الصياغتين.

وفي النهاية فإن الكلمات لا تستطيع أن توفي هذا الأستاذ الاكاديمي حقه، صحيح أن هذه الكلمات جاءت متأخرة فكثير ممن يطلقون علي أنفسهم لقب أساتذة لا يعرفون قدر هذا الأستاذ العالم.

تحية طيبة لمصطفي كمال الذي كان وما زال يمثل لنا نموذجاً فذاً للعالم الموسوعي الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً أخري لرجلٍ لم تستهوه السلطة، ولم يجذبه النفوذ ولكنه آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفردا.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم