صحيفة المثقف

صلاح عبد الصبور ومحاولة التناول المتكاملة

يسري عبد الغنيمن منطلق أن الدراسة الأكاديمية تصدر أولاً عن محاولة تناول متكاملة، ولا يمكنها أن تصدر أحكاماً جزئية تتغير مع الوقت أو مع ظهور الأعمال المختلفة، وإن كان هذا لا يمنع من التعليق على عمل معين أو تناوله تناولاً فردياً، ولكن في ضوء ما تكون من رؤية المبدع .

ومثال على ذلك لو حاولنا تتبع مصادر تأثرات صلاح عبد الصبور الشرقية أو الغربية، سوف يجعلنا ذلك نقف عند ما كان أكثر جذباً له في الثقافات المختلفة بدءاً من ثقافات الدول الكبرى والعالم الثالث، وعليه فإنه من الواجب التعريف بمن يعرف، وبمن صاحب من شعراء وروائيين ومسرحيين، وبما تأثر من أعمالهم كملاحظات أولية تعين أو تساعد على اكتشاف عالمه من منظور الدراسات النقدية المقارنة .

وهي محاولة من أجل وضع الخطوط الرئيسية الخارجية لملامحه، أو تحدد الإطار العام لهذه الملامح معترفة بأن الجهد لا بد أن يكون متبوعاً بمحاولات تضع التفاصيل الداخلية، وتلقي الظلال والأضواء حتى تكتمل الصورة، من منظورها على أقل تقدير .

ودراسة مثل تلك يمكن أن تعتمد على دليل (الشاعر والكلمة)، الذي أصدرته مجلة فصول، بعد رحيل عبد الصبور أول رئيس تحرير لها، والذي يحتوي على رصد ببيلوجرافي لما كتب من مقالات أو أشعار أو مسرحيات أو كتب أو مترجمات، وما كتب عنه وما أجري معه من لقاءات وأحاديث، وما ترجم من أعماله إلى اللغات الأخرى .

وبلا ريب فإن عمل مثل هذا يكاد يكون جامعاً مانعاً، ولكن في الواقع فإننا عثرنا على مواد كثيرة لم يشر إليها الدليل أضف على ذلك ما نشر بعد وفاته مباشرة .

لقد ارتبط صلاح عبد الصبور ارتباطاً وثيقاً بحركة الشعر العالمي المعاصر، وارتبط أكثر بشعراء من العالم الثالث، في فترة من أكثر فترات التاريخ المعاصر اضطراما بالحركات التحررية والثورة .

عرف لوركا، وبابلو نيرودا، وإيفتو شينكو، كما عرف إليوت ووايتمان، ونشأت بينه وبينهم روابط فكرية وثقافية بلورتها طبيعة المتغيرات التاريخية العالمية من ناحية، وطبيعة المتغيرات العربية من ناحية أخرى، مع مراعاة أن صلاح عبد الصبور ولد سنة 1933 م، وقد تكون وجدانياً وفكرياً وثقافياً خلال فترة المد الثوري في مصر والعالم العربي والعالم الثالث في أفريقيا وأسيا وأمريكا الجنوبية، ومن هنا أطالب كل من يكتب عنه بضرورة الالتزام بهذه الحقيقة المهمة .

ولعل صلاح عبد الصبور كان أكثر شعراء مصر حساسية تجاه المتغير الثقافي العلمي، ومن هنا جاءت قيمته التي تفرد بها بين شعراء عصرنا، يدلنا على هذا وجهته الثقافية في الآداب الغربية، وطبيعة اختياراته لما يقرأ، وطبيعة ملاحظاته الفكرية في رحلاته وسياحاته المختلفة شرقاً وغرباً من الهند حتى الولايات المتحدة، كما يقول الدكتور / حلمي بدير، عندما يتحدث عن المؤثرات الوافدة في شعر عبد الصبور، وذلك في كتابه [المؤثرات الأجنبية في الأدب العربي الحديث، دار المعارف، مصر، 1983 م].

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم