صحيفة المثقف

ينقشون!!

صادق السامرائيينقش: بالعامية تعني يستنسخ أو يسرق إبداع غيره وينسبه إليه.

زارني ذات يوم أحد الأخوة، ووجدته يحدق في أرجاء منزلي متحيرا، فلا يجد مكتبة، فسألني متعجبا: أين الكتب التي (تنقش) منها؟!!

قلت: ماذا تقصد؟

قال: من أينَ لك بهذه الكتابات، أ لست تأخذها من كتب الآخرين؟!!

إحترتُ وقلت: إن الكتابة ليست كذلك، فالذي لا يمتلك قدراتها عليه أن لا يكتب!!

لم يقنع الأخ بما ذكرتُ، ويرى أنني (أنقش)، مثلما هو يفعل وتنشر له الصحف، وكم كاد أن يقع في مشاكل كبيرة، لأنه  كان ينشر كتابات أناس أحياء ويوقعها بإسمه، فتعلم أن يذهب إلى كتب الأموات ويأخذ منها.

وذكّرني بموقف في أحد البلدان العربية في بداية التسعينات، عندما إشتهرت فتاة في الرابعة عشر من عمرها، بما تنشره في الجرائد، وأصبحت وكأنها نجمة، يتقرّب منها الصحفيون والناشرون ويحسبونها موهبة متميزة واعدة، فهي تنشر أكثر من مقال في الجريدة كل أسبوع.

وذات يوم عَلِمتْ والدتها (جارتي) بأني ذاهب إلى المكتبة العامة، فحمّلتني بعض الكتب التي تستعيرها إبنتها وعليها أن تعيدها قبل الغد.

وفي السيارة رحت أتصفحها، وإذا هي لكتّاب ماتوا في بداية القرن العشرين، وأن تلك الفتاة تنقل مقالاتهم منها وتوقعها بإسمها، فتوهم الجريدة والصحفيين بأنها من إبداعها!!

وتعجبتُ من سلوكها وكيف فَطِنَت إلى هذه اللعبة!!

واليوم تجدنا في زمن النشر السهل في المواقع والصحف، والعديد من الأسماء تعلمت لعبة (النقش)، وبلا إعتبارات أخلاقية، فتأخذ من غيرها وتنسبه لنفسها، وأصحاب المواقع والصحف ينشرون.

كنتُ أكتبُ بإسم مستعار لمدة طويلة، وكم عانيتُ من أخذ مقالاتي ونشرها بأسماء متعددة، وأقف واجما لا أعرف كيف أدافع عنها، ومرة أرسلتُ لرئيس تحرير أنبهه بأن المقالات التي ينشرها بإسم فلان الفلاني هي مقالاتي، فأجابني وكأنني لستُ صاحبها والذي ينشر له هو صاحبها، رغم إشارتي إلى مواقع نشرها بإسمي في الصحف والمواقع الأخرى.

ويوما سألتُ أحد الأخوة الذي كان ينشر مقالاتي بإسمه، فأجابني بأنها تعجبه، وكأنَّ عليَّ أن أشكره!!

ذات مرة أحد مقدمي البرامج في محطة تلفازية عالمية معروفة،  نشر مقالا ولم يُشِرْ فيه إلى مصدر عبارة قد أخذها من كاتب آخر، وكاد أن يفقد عمله ويتعرض لمساءلات قانونية، رغم إعتذاره وإعترافه بالخطأ الغير مقصود.

إن إحترام حقوق الكاتب وصيانة الإبداع من مميزات الشعوب المتحضرة، التي تحترم الكلمة وتبجّل دور المبدعين في مسيرتها الحضارية، أما أن تزدحم المواقع والصحف بالسرقات، فهذا أمر مشين ومخجل ومخزي، ومعادي لأبسط القيم والمعايير الأخلاقية.

فالعرب منذ أن إنطلقوا بالتدوين، إحترموا الكلمة، وحقوق المبدعين والمدونين، وكانوا حذرين من المنسوبين إلى الكتابة.

إن هذا السلوك المتكرر في مواقعنا وصحفنا يشير إلى تردي الثقافة، وموت الإبداع الأصيل!!

فهل من ردع لسرّاق الحقوق الإبداعية؟!!

وهل لرؤساء تحرير المواقع والصحف دور في الردع؟!!

 

د. صادق السامرائي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم