صحيفة المثقف

صفوت الشريف.. له ما له وعليه ما عليه!

محمود محمد عليفي الأيام الماضية تصدر مواقع التواصل الاجتماعي إعلان وفاة "محمد صفوت الشريف"، وزير الإعلام، ورئيس مجلس الشورى الأسبق، والأمين العام للحزب الوطني المنحل في عهد الرئيس الراحل محمد حسني مبارك .. وشيعت جنازة صفوت الشريف، يوم الخميس الماضي، من مسجد آل رشدان أو المشير طنطاوي بجمهورية مصر العربية، ودفن الجثمان في مقابر العائلة بمنطقة مصر الجديدة، وهي قريبة من مدافن عائلة الرئيس الراحل مبارك.

كان صفوت الشريف من رجال الرئيس حسني مبارك المقربين، ومن أهم أعمدة نظامه الذي حكم البلاد لسنوات طويلة، وهو ما جعل رواد مواقع التواصل الاجتماعي ينعونه بـ«له ما له وعليه ما عليه»، وهو نفس النعي الشهير الخاص بمبارك، والمأخوذ من خطابه الشهير.

بيد أن الحقيقة كما يقول طارق الشناوي ، هي ما نراه نحن بزاوية إطلالتنا المحدودة، فهو نسبى، بينما الحق مطلق لأنه قراءة بمختلف الأبعاد تتجاوز حتى حاجز الزمن، لا يمكن لأحد مثلا أن يكتب عن وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف موقنا من كل التفاصيل، خاصة أن بعضها يستحق توصيف سرى للغاية.. صفوت فى حياته كان لا يسمح بأن يدفعه أحد للبوح بشىء هو فقط الذى يحدد السؤال وليس فقط الإجابة، تلك هى تركيبة رجل المخابرات، التى ظلت ملازمة له، كما أنه لا ينسى أدق التفاصيل.

يذكر أن صفوت الشريف ولد بمحافظة الغربية فى 19 ديسمبر 1933، وحصل على بكالوريوس العلوم العسكرية، وفي 1957، التحق بالاستخبارات العامة بعد سنوات قليلة من تأسيس هذا الجهاز الأمني المصري المتنفذ، وتولى فيه عددا من الوظائف. بيد أن أهم عمل تولاه والتصق به بعد ذلك رئاسة ما عرف بقسم "الأعمال القذرة" المتخصص في توريط فنانات وطلاب مصريين، وساسة عرب في أنشطة لا أخلاقية وابتزازهم بها كي يقبلوا العمل كعملاء. وأسهبت وثائق قضية ما عرف بانحراف جهاز الاستخبارات التي قدمت للقضاء المصري بعد نكسة يونيو 1967 في الحديث عن هذا النشاط المشبوه لصفوت الشريف الذي كان يحمل في ذاك الوقت اسما مستعارا هو "موافي". وفي 1968، أصدرت المحكمة التي نظرت قضية انحراف الاستخبارات أحكامها على المتهمين في القضية ومن بينهم الشريف الذي قضت بطرده من العمل بجهاز الاستخبارات.

وظل الشريف بعد ذلك بعيدا عن مجال العمل بمصر إلى أن سلطت عليه الأضواء مجددا في 1975 بعد توليه منصب رئيس القسم الداخلي في الهيئة العامة للاستعلامات التي تعد واجهة التعامل مع الإعلام الأجنبي، والمؤسسة الثالثة في المنظومة الإعلامية المصرية بعد وزارة الإعلام واتحاد الإذاعة والتلفزيون. وتولى بعد ذلك منصب وكيل الهيئة العامة للاستعلامات قبل أن ينجح لاحقا حسب صحيفة مصرية في إزاحة رئيسها مرسي سعد الدين، وتولي المنصب بدلا منه.

وعند تشكيل السادات الحزب الوطني في 1977، انضم الشريف إلى لائحة المؤسسين، ثم ما لبث أن أصبح في 1980 رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون المصري ، ثم تولى منصب وزير الاعلام، ويعد أبرز من تولى الوزارة وأكثرهم بقاء في المنصب، حيث تولى الوزارة في 1 فبراير 1982 واستمر بها حتى 13 يوليو 2004، حينما تم انتخابه رئيساً لمجلس الشورى، وهو المنصب الذى بقى فيه حتى عام 2011، كما شغل صفوت الشريف منصب الأمين العام للحزب الوطني، خلال الفترة من 2002 وحتى 2011.. وبعد ثورة يناير 2011 مثُل الشريف، بين عدد من رموز حقبة نظام مبارك، للمحاكمة في عدد من التُهم، وحكم عليه بالسجن لثلاث سنوات لإدانته في قضية تتعلق بالكسب غير المشروع.. توفي صفوت الشريف في 13 يناير 2021 عن عمر يناهز 87 عاماً بعد صراع طويل مع المرض. كانت وكالات الأنباء قد تناولت إصابته بفيروس كورونا، وهو الأمر الذي تم نفيه، والتأكيد على أنه كان مصاباً بسرطان الدم منذ 6 سنوات، وتوفي نتيجة هذا المرض.

واختلفت وجهات النظر في صفوت الشريف بين مادح وقادح ، فنجد من المادحين له الكاتب والنائب مصطفي بكري الذي قال عنه في عدد من التغريدات له عبر حسابه على تويتر: "كان صفوت الشريف صديقا للجميع بغض النظر عن مواقفهم السياسية، وكان دوماً حمامة سلام بين الجميع، رحم الله السيد صفوت الشريف والهم اسرته ومحبيه الصبر والسلوان".. وتابع: «رحم الله السيد صفوت الشريف، كان رجل دوله من طراز خاص، لا أحد يستطيع أن ينكر دوره في الاعلام والحوار مع المعارضين، لقد اتخذ قرارا جريئا بإنشاء مدينة الإنتاج الإعلامي وتحمل مسئوليته، وكان قراره صائباً".. وأضاف بكري خلال تقديمه برنامج حقائق وأسرار عبر فضائية صدى البلد أنه كان للراحل بصمة كبيرة في الإعلام المصري لسنوات طويلة أهمها إنشاء مدينه الإنتاج الإعلامي وإطلاق القمر الصناعي النايل سات.. وتابع مقدم برنامج حقائق وأسرار أنه خلال فترة توليه وزيرا للإعلام أطلق التليفزيون المصري العديد من الروائع وكان رجل دولة بمعنى الكلمة.. وأشار إلى أنه كان جسرا للتواصل بين رجال النظام والمعارضين وسعى كثيرا لاحتواء العديد من الأزمات.

ولذلك عندما شرع الكبير مجدى مهنا فى تقديم برنامجه (فى الممنوع) عبر قناة (دريم)، وهو عنوان بابه اليومي الذى انتقل به من جريدة (الوفد) إلى (المصري اليوم)، كان صفوت الشريف من أوائل الذين استضافهم مجدى، ولم يضع مجدى مهنا أبدًا محاذير تمنعه من الغوص فى أعماق الأعماق، وسأله مباشرة (هل تكتب مذكراتك)؟ أجابه صفوت: من المستحيل، شعرت من طريقة نفى صفوت القاطعة، حيث أضاف أيضًا حركة يديه التى أكدت كلمته، أنه يقدم رسالة للجميع ممن تقاطعت حياتهم فى عشرات من التفاصيل معه، منذ أن كان مكلفا من صلاح نصر بتجنيد عدد من الفنانين ليصبحوا عيونًا للدولة على ما يجرى فى الداخل والخارج، حتى تواجده وزيرًا للإعلام، من (1982 إلى 2004) فهو صاحب مقولة (أنا آخر وزير إعلام)، جاء بعده بالمناسبة خمسة وزراء، ولكن ظل هو صاحب البصمة الأهم.

بعد رحيل صفوت قرأنا بوست لشقيق عازف الجيتار الراحل عمر خورشيد، ألمح إلى أنه سيتقبل اليوم عزاء شقيقه بعد 40 عاما، وكأن صفوت تم استدعاؤه للخدمة فى آخر زمن أنور السادات لتخطيط عملية الاغتيال، حكايات متعددة أوجدت دافعا يصلح لفيلم سينمائى، ولكن من الصعب تصديقه.. خيال يتجاوز حدود الخيال، ليس فى الأمر أدنى دفاع عن صفوت الشريف، ولكن علينا فقط أن نُعمل المنطق .

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

...........

1- محمد أباظة : «له ما له وعليه ما عليه».. صفوت الشريف يرث نعي مبارك.. مقال منشور بجريدة الوطن المصرية..

2- مصطفى بكري عن صفوت الشريف: «كان دوماً حمامة سلام».. تقرير بجريدة المصري اليوم.

3- طارق الشناوى: صفوت الشريف (سرى للغاية).. مقال..

4- طارق الشناوى: صفوت من سعاد إلى خورشيد.. مقال..

5- صفوت الشريف.. ويكبيديا..

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم