صحيفة المثقف

الشاعركزار حنتوش.. مقالياً

ثامر الحاج امينيعد "كزار حنتوش" صوتا شعرياً مميزاً ونمطا متفردا في الساحة الشعرية العراقية ، لما تمتعت قصيدته بمزايا لم يتمكن العديد من الشعراء مجاراتها ومحاولة تقليد لغتها وبساطتها وعمقها ، وبقيت بصمة خاصة به ، ورغم الكثير الذي كتب في تجربته الشعرية لكن الضوء لم يسلط بشكل كاف على  امكانياته العالية في كتابة المقالة الساخرة حيث كشفت مقالاته الصحفية التي نشرها في جريدة الديوانية بعد عام 2003 والتي قمت باعدادها واصدارها عام 2009 في كتاب (حنتوشيات) كشفت عن قدرة الشاعر على تطويع المفردة في مجال الكتابة الصحفية بذات المستوى الذي عليه في نصوصه الشعرية، فـ (حنتوشيات) رصدت جملة من المتغيرات في عموم الحياة العراقية بعد عام 2003 وظهر فيها كزار ناقدا بارعا ولاذعا لبعض افرازات الوضع الجديد، كما أظهرت قدرته على صياغة حوادث شخصية عابرة في مقالات وجد فيها القاريء المتعة ورصانة الاسلوب دون السقوط في فخ الاسفاف والهبوط .

في ذكراه الرابعة عشر التي مرّت في التاسع والعشرين من شهر كانون اول الماضي ننشر واحدة من مقالاته المذكورة التي تمثل جانبا من عطائه الابداعي وقيمة أدبية لا تقل أهمية عن منجزه الشعري .

حرامي لكطه

كزار حنتوش

أصابني الأرق تلك الليلة.. كما كان يصيبني في الأيام السالفة.. التي اقضيها بالتفكير في كتابة قصيدة جديدة تجعلني ارتاح على بساط الفقر من مخزوف ومريح ، او استريح على بلاطة واحدة في سجن لايأوي الا أجلافاً وهموما.. او انقّب في ذاكرتي عبثا عن طريق اسلكه غداً.. عن طريق لايصادفني فيه دائن مشاكس.. وما اكثر الدائنين والحمد الله الذي لايحمد على مكروه سواه.. او.. لكن الأرق الذي لازمني هذه الليلة انصّب على الطريقة التي سأتخلص بموجبها من تلفزيوني القديم، الذي اذاقني من العذاب ماجعلني أزهد في عذاب جهنم ، فهو أما عاطل.. او باث أغنية لمطرب لابد انه يعمل سمساراً لصالح شركات الأدوية التي تصنع عقار (الباراستول) او عارض لي صورة شاعر يتعوذ منه حتى الشيطان نفسه، وهو يعلن انه سيكون على راس النفيضة في جيش القدس الذي سيحرر فلسطين من البحر الى النهر وبالعكس .. لكنني لم اجد طريقة مرضية في التخلص من تلفزيوني القديم الا بتهشيمه على رأس اقرب مصلح للتلفزيون او على رأس الفنان (علي الطرفي) الذي استدان مني مائة الف دينار في العام الفائت.. ولم استمتع بطلعته البهية لحد الآن ،                                                                            وبينما كنت اسرح غير سعيد في قطيع الهموم تلك.. سمعت صوت الباب يفتح بطريقة لايجيدها الا لصوصنا الأماجد، الذين يضعون لصوص (المافيا) تحت اباطهم ، والعياذ بالله

انتحيت ركنا مظلماً، بعدما تسلحت بـ ( توثية) تصرع الثور كنت قد ادخرتها لمثل هذه المناسيات السعيدة. وكنت انتظر وقلبي يدق كطبول الحرب، تسلل الحرامي بخفة الى داخل الحجرة.. واخذ يجيل فيها النظر.. لقد تصبب من جبهتي العرق البارد خجلا من هذا الضيف الكريم.. لأن الغرفة لاتحوي الا ارائك مخلعة الاوصال، لو جلس عليها الاستاذ (كاظم جلاب نشمي) على نحافته وقلة وزنه لانهارت في لحظات.. ولاتحوي الا على تلفزيوني اللعين .                                                                    .

ولشد ما أخذ قلبي يدق بفرح هذه المرة، عندما حمله الحرامي وخرج بخفة القط ودهاء النمر، محتضناً كنزه الثمين. وتسللت انا وراءه.. اخذ الحرامي يمشي الهوينا على أطراف أصابعه وهو يجيل النظر في كل الجهات.. ولما كان التعب قد أخذ منه مأخذا عظيما.. اذ ان تلفزيوني اللعين اضافة إلى كل حسناته كان ثقيلاً لايستطيع حمله الا حمالان من عمالقة حماميل (الشورجة).. اقول لقد تعب الحرامي الهمام.. وقرر يستريح في ركن مظلم شاعري.

تسللت حتى وصلت خلفه.. ونقرت على كتفه برفق.. فهب المسكين واقفا وقد شدّت الرهبة كل مفاصله.. قلت له برفق: اشكرك يا سيدي لأنني وجدت اخيرا من هو اسوأ مني حظا في هذه الارض ذات الطول والعرض. اخرجت له الخمسمئة دينار الاخيرة المتبقية من راتبي.. ونقدته اياها.. بعدما قبلته مابين عينيه.. وقلت له: حاول ان تعثر لك على تاكسي.. والا سلبك كنزك الثمين هذا جندي من قوات التحالف.. مع السلامة.

عدت إلى البيت وقد استخفني الطرب.. رميت نفسي على فراشي ورحت في سابع نومة.. ولاشك ان شخيري قد وصل الى اذن السيد محافظ الديوانية.. فأصابه الأخر.

***

ثامر الحاج امين

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم