صحيفة المثقف

لماذا شوارعنا متوتره

اياد الزهيريمن الواضح للعيان، أن الشارع العربي عامةً والعراقي خاصةً ً يسوده الكثير من التوتر والأضطراب في جانبه السياسي وحتى الأجتماعي، ولو دققنا في أسباب ذلك، لوجدنا هناك سببين رئيسين، هما القمع، وغياب العداله الأجتماعيه، ومن الملاحظ أن هذين السببين مصدرهما سلطوي حكومي، وأخر أجتماعي شعبي، أما مايتعلق  بالجانب السياسي، فنجد أن السلطه تلعب  دوراً جوهرياً في تكريس القمع أتجاه من يعارضها، وأنها تعتبر معارضة السلطه من قِبل المواطن  خط أحمر لا يمكن السماح به أطلاقاً، لذلك فهي تستخدم أشرس أنواع العقوبات، وأكثرها أيذاءاً لكل من تسول له نفسه التفكير بمعارضة السلطه الحاكمه، حتى يمكننا وصف ممارساتها بممارسات  ذات نمط  فرعوني، وذلك بسبب ماتظهره من تجبر وقسوه على أفراد المجتمع، حتى أصبح القمع في مجتمعاتنا سمه ظاهره وأساسيه، كما كنا نسمع مراراً وتكراراً من أهلنا أن الحائط له آذان، وذلك دليل على أن الدوله تنشر جواسيسها وشرطتها السريه في كل مكان . من المؤكد أن من مسببات القمع، هو بقاء الحاكم في بلداننا على كرسي الحكم مدى الحياة، ولا رأي غير رأيه مهما كان  رأي غيره حكيماً، لأن رأس النظام يُخيل له أنه رأس الحكمه، وأنه وحيد زمانه، وليس هناك هامه علميه تطال هامته. هذا النوع من الحكم يفقد الناس معه  الشعور بالكرامه، ويحسسهم بالهشاشه والأنكسار النفسي، هذا من جانب، ومن جانب أخر هناك  جانب لا يقل أهميه من الأول، الا وهو غياب العداله الأجتماعيه، والتي تعني غياب الحقوق، وهي من أقوى المشاعر التي تولد الحنق والكراهيه للسلطه، وتجعل النفوس تغلي من السخط عليها، وهذا السخط يزداد حده وضراوه كلما تراكم مع الوقت، وكلما كان الظلم شديد، ومؤلم، لأن الكرامه الأنسانيه لا تطيق الظلم مهما كانت درجته، ولو دققنا بأسباب الحروب وأكثرها لوجدناها بدافع الدفاع عن الحريه والكرامه المهدوره من قبل السلطات الوطنيه أو المحتله . أننا نرى لدى بعض الحكومات سلوكاً يتصف بالعنجهيه والطغيان، وهو أنها تستخدم العنف والقسوه المفرطه ظناً منها بأنها تساعد على منع حدوث الأنفجار الشعبي من جراء تراكم الشعور بالقهر والحرمان، وفقدان العداله الأجتماعيه، ولكن ذلك لم يمنع قيام الثورات والأحتجاجات من قِبل الجماهير ضد الحاكم وسلطته القمعيه. نحن العراقيون لنا تاريخ قمعي لا ينافسنا عليه أحد من الشعوب، ولو أرخنا للقمع منذ بني أميه، ومن خلال عاملهم الحجاج بن يوسف الثقفي، لرأينا أن القمع وغياب العداله الأجتماعيه لم تتوقف لحين سقوط النظام الصدامي، وأما ما بعد سقوط النظام، وأن أختفى القمع ولكن مازال هناك غياب للعداله الأجتماعيه، وهذا هو السبب الرئيسي بسخونة الشارع العراقي وظهور مظاهر العنف والتدمير فيه وخاصه في المظاهرات التي تسمى بالتشرينيه، كما لا ننسى تراكم القمع الطويل والمختزن في نفوس أبناءه  جراء سنوات القهر والحرمان من قِبل الأنظمه المتعاقبه والتي أرتكزت سلطتها على مرتكزات عنصريه وطائفيه . أن العنف بالعراق سيأخذ مده أطول لأنه تنفيس لما سبق من حرمان ورد فعل لمشاعر غياب العداله الأجتماعيه من قبل الدوله أزاء مواطنيها، خاصه وهناك مظاهر واضحه وكبيره تتجلى فيها مظاهر التميز بين أبناء الشعب الواحد. كما أننا لا نستطيع تجاهل القمع والظلم الأجتماعي المتأتي من العادات والتقاليد الأجتماعيه وخاصه العشائريه، والتي يظلم فيها القوي الضعيف، وتهضم فيها حقوق المرأه، ويستأثر فيها الرجل، وخاصه في حقوق الملكيه، كما نحن نعيش اليوم دوامة قمع، حيث أي فئه تأتي تقمع الأخرى بعملية أنتقام مقابل، وهذا ما يجعل شارعنا العراقي دائم الغليان، فهذه الأسباب مجتمعه جعلت من القمع حاله مترسخه في مجتمعنا، ومرض عضال نعاني منه على طول الزمن. كما يجدر بالأشاره الى  حاله من الضروري الأشاره أليها، والتي غفل عنها الكثير، وهي نقطه حساسه،  وسبب هام في تصاعد التوتر الأجتماعي، الا وهو تصاعد وتيرة  الأعتداء أو التجاوز على  الخصوصيه الفرديه، وهذا يحدث بمستويين، واحد أجتماعي، ومن قبيل الفضول والحشريه الزائده، والضغط بأتجاه فرض النمط الواحد، ومحاولة المجتمع بأذعان أفراده للسياق السائد، وأخر تمارسه الأنظمه القمعيه الشموليه، التي تفرض على الناس نمط الحزب الواحد، واللون السياسي الواحد، وفرض العقيده الحزبيه الواحده على الناس، وهذه الظاهره مارستها بقوه الحكومات ذات التوجه القومي الشمولي خاصه، وتجربة العراق فريده في هذا اللون من القمع، حيث كان المواطن وخاصه الطالب والموظف يجبر على الأنتماء لحزب البعث العربي الأشتراكي، ولا يسمح له بأختيار العقيده السياسيه التي يراها هو بنفسه، مما يسبب للمواطن ضغطاً نفسياً كبيراً بسبب الشعور بالقمع والضغط والأجبار على الأنتماء، في حين حرية الأنتماء والعقيده مبدأ أساسي من مباديء حقوق الأنسان . أن ما نشاهده من هشاشه وفتور بالهمه، وبرود وأنكسار، وشعور بالأحباط، سببه القمع المستمر، وعدم شعور المواطن بالقيمه والكرامه الأنسانيه، والذي يزيد من تضخم الشعور بالقهر لدى المواطن، هو معرفته أن دينه يمنع كل ممارسات القمع والظلم الأجتماعي، بل هو يحفظ على ظهر قلب المقوله الدينيه التي تقول (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً)، فالتناقض بين ما أدانوا به، وما تربوا عليه، وبين ممارسة أنظمة الحكم، وضغط العادات الأجتماعيه الظالمه هو مصدر أساسي من مصادر الأستياء والتور في الشارع الشعبي، وهو السبب في أحتقانه المستمر، وما ظاهرة العصبيه لدى المواطن العراقي وسرعة  الغضب، والهيجان، الا ردة فعل لحالة القمع الطويله والقاسيه التي تعرض لها عبر أجيال متواليه، وما عاناه من غياب للعداله الأجتماعيه، ولذلك قيل (العدل أساس الملك)، وهذا ما أكدته الآيه الكريمه (وأذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل).

 

أياد الزهيري

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم