صحيفة المثقف

الثّورات العربيَّة.. الزَّارِعُونَ والحَاصِدُونَ

علجية عيشلقد عَلّمَتْ (بتشديد اللام وفتحها) الثورات العربية دروسا ثمينة لم يكن من السهل اكتسابها بنفس السرعة وبنفس العمق، ثورات أعطت للأنظمة ومن يحركها  درسا لا يُنْسَى، ونجاح هذه الثورات يعود إلى تطور الممارسة  الثورية للجماهير التي رسمت آفاق الثورة العربية وحددت مضمونها وطريقها، لكن وجب هنا التساؤل لمعرفة من هو الرابح ومن هو الخاسر في هذه الثورات، أي معرفة من هم الزارعون ومن هم الحاصدون؟، يقول متتبعون للشأن العربي أن نظرية ستالين  في الأمّة والقومية لم تستطع أن تحتوي الواقع العربي الحرّ، ومأساة هؤلاء هي أنهم يحاولون إخراج التاريخ من رؤوسهم.

لم تعد شعوب دول العالم الثالث وحدها التي عاشت ثورات داخلية، بل العالم كله حتى الدول المتقدمة والتي كانت في يوم ما تتحكم في مصير الشعوب ولا تزال إلى يومنا هذا، وتتدخل في شؤونها الداخلية  بطريقة أو بأخرى، تارة باسم التسامح والتعايش، وأخرى باسم التعاون الإقتصادي  وربط الشراكة فيما بينها من أجل تقوية العلاقات، وتناست الدول المُسْتَعْمِرَة (فرنسا كنموذج) ما ارتكبته من جرائم في حق الشعوب، والتي كانت سببا في قيام الثورات العربية في كل دولة من الدول التي اصطدمت أنظمتها مع شعوبها وعاشت حربا أهلية  ما تزال آثارها إلى اليوم، والشارع العربي يحيي الذكرى العاشرة ( 2011) على ثورة الياسمين في تونس 2011، أو كما يمسيت بثورة الخبز، والثورة في سوريا التي بدأت في مارس من نفس السنة، رفع فيها الشعب السوري لافتات تطالب بإقالة الأسد، خلفت آلاف القتلى والنازحين.

والثورة في مصر  أو ما اصطلح عليها بميدان الثورة، أو ميدان التحرير، عاش المصريون أحداثها في نفس السنة،  ثورة قيل عنها أنها حركت الضمائر الميتة، بعدما أشعلت الشرارة في الأوساط الشعبية، أسقطت فيها الرؤوس الفاسدة، ثم انتفاضة الليبيين في 2011، عندما خرجت الجماعير العربية في مظاهرات مطالبة بإقالة الزعيم معمر القذافي، وحق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه، ووقعت صدامات دموية في مدن  ليبية أبرزها في بنغازي وطرابلس ودرنة  والبيضاء، سقط فيها الآلاف من القتلى، بعد حملات عسكرية قامت بها الولايات المتحدة ضد ليبيا بمساعدة الحلف الأطلسي، ولا يزال الليبيون اليوم رغم إقالة القذافي يدفعون ثمن التدخلات الخارجية، بل يواجهون مرحلة أشد قسوة في انتفاضتهم ضد نظام حفتر، وهم يواجهون الحرب من كل الجبهات، حرب القذاذفة وأولاد سليمان، وحرب التوارق  والتبو، و...و...الخ.

هذه الثورات التي يطلق عليها اليوم اسم "الربيع العربي"، يقول عنه البعض أنه مسَّ دولا دون دول أخرى، ما يجعلنا نعود إلى الوراء بعشر سنوات أو أكثر، عاشت بلدان أخرى ثورات شعبية حركت العالم كله، ولعله يجدر بنا الوقوف على أحداث سبقت الربيع العربي عاشتها دول من قبلها، وتمكن شعبها من الصمود في وجه جلّاديهم رغم الإعتقالات والإغتيالات، فقبل ميلاد الربيع العربي في 2011، انطلقت ثورات شعبية لم يتوقع أحد حدوثها في العالم كله، والتجربة الجزائرية خير  مثالٌ عمّا عاشته من أحداث بدءًا من الربيع الأمازيغي الذي عاشته في الثمامنيات من القرن الماضي، استيقظ فيها العالم على ثورة اندلعت شرارتها في بداية 1980 ثم 05 أكتوبر 1988،  لقد لقبت أحداث أكتوبر 88  بثورة عربية قبل الأوان، انقلب فيها الشعب على النظام، ثم العشرية السوداء التي دامت عشر سنوات كاملة، هي تجربة رائدة حققها الشعب الجزائري من أجل مواجهة استعمار داخلي عاث في الأرض فسادا،  استعمار داخلي جوّع الشعب وأغرقه في الفقر والبطالة، فكان عليه أن ينتفض ويواجه جلاده، وإجهاض كل مخططاته، ووضع حد للصراعات الداخلية،  بعدها بعشر سنوات عاشت الجزائر اضطرابات أخرى عنيفة إثر مقتل الفنان معطوب الوناس في 1998، ثم مقتل الطالب مايسنيسا في الجزائر عام 2001، فيما عرف بـ: "الربيع الأسود"، اشتعل فتيل المظاهرات بمنطقة القبائل والولايات المجاورة لها، ارتفعت فيها أصوات تنادي بحقوق الإنسان وحرية التعبير وتوفير الحقوق الطبيعية للإنسان والمساواة وتحقيق العدالة الإجتماعية والديمقراطية، شهدت فيها المنطقة كثير من التغيرات وحركات التمرد، أثرت سلبا على الأوضاع الإجتماعية والسياسية والثقافية.

كان هذا من باب وجه المقارنة بين هذه الأحداث وأحداث 2011، لم تكن هذه الثورات ثورة رجال، بل كانت معركة النساء ايضا، نساءٌ خرجن  لمحاربة الثقافة "الذكرية" ووضع حد لإيديولوجيا  متحيزة للرجل، كما عرفت هذه الثورات بثورة الطلاب، والعمال، والنقابيين والمحامين  والأطباء، وقفوا وقفة المتمرد الرافض  لكل سلوك دكتاتوري، من أجل إحداث نسق لقيم جديدة،  فلكل دولة ولكل شعب مشروعه الوطني، ولكل مجتمع خصوصياته، وثقافته، رغما ما حدث، هناك من يقول أن ثورات الربيع العربي مبالغ فيها، وتجاهل أن هذه الثورات قامت من أجل "الحرية والكرامة"، سُفِكَتْ من أجلها الدّماء، مات من مات تاركا أطفال يتامى، والذين كتبت لهم الحياة بعضهم أصيب بالإعاقة والشلل، وآخرون مازالوا صامدين إلى اليوم، حتى تسقط الأنظمة الدكتاتروية الفاسدة، ومن هذا المنطلق يتبادر إلى الأذهان سؤال يجب ان يطرح وبشكل عقلاني لمعرفة كيف نقيس عمر الثورات، هل بالأعوام أم بالأحداث؟، ومن كان وراء تحريك الشعوب لنفض عنها الغبار والنهوض مجددا لإسكات صوت الأنظمة وقطع لسانها؟.

لم تغير هذه الإنتفاضات أو الحروب الأهلية الوضع السياسي والإقتصادي والإجتماعي للمواطن العربي، بل ساهمت هذه الإنتفاضات والحروب الأهلية في انتشار  الجريمة المنظمة، بظهور عصابات تهريب الوقود والسلاح والمخدرات وصولا بالإتجار بالبشر، دون أن ننسى جرائم القتل والإختطاف والإغتصاب، كما ساهمت في تزايد المضاربين  في السلع ورفع الأسعار، فكان الرابح الوحيد فيها هو السلطة وأرباب المال والأعمال والإنتهازيين من رجال السياسة، الملقبون بـ: " الستاليين العرب"، والمواطن الفقير لا يزداد إلا فقرا كلما تأزمت الأوضاع، ولكن، فبالرغم من ذلك، ومن باب التفاؤل،  يمكن القول أن هذه الثورات تظل "رائدة"  لأنها  أوصلت صوتها إلى العالم كله، وإلى الرأي العام الدولي، وحركت بعض الضمائر، وعلّمت دروسا ثمينة، لم يكن من السهل اكتسابها بنفس السرعة وبنفس العمق، حيث أعطت للأنظمة ومن يحركها  درسا لن تنساه، ويمكن القول أن نجاح ثورة من الثورات يعود إلى تطور الممارسة  الثورية للجماهير اتي رسمت آفاق الثورة العربية وحددت مضمونها وطريقها، الجماهير المناضلة، المجاهدة،  النزيهة الصادقة في نضالها وجهادها، المخلصة لدينها ووطنها، وكما يقال فالتاريخ تكرار وليس تجاوزا.

 

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم