صحيفة المثقف

عشر سنوات على وفاة الربيع العربي

محمد سعد عبداللطيفعود ثقاب أشعله البائع المتجول في جسده فاشتعلت في جسد الأمة حتي كتابة هذه السطور بعد أن صب الوقود على نفسه في ولاية سيدي بوزيد؛ احتجاجًا على احتجاز السلطات  التونسية بضاعته قبل عشر سنوات من اليوم، اندلعت شرارة ثورات شعبية لم يتوقع أحد حدوثها في العالم العربي، أثارت أحلامًا، عيش حرية، عدالة اجتماعية، عندما أسقطت شعوب دول الربيع العربي الأنظمة الديكتاتورية التي كانت تحكمها بثورات كانت سلمية في معظمها، ساد الاعتقاد بأن الناس سينعمون بالسلام والرفاهية والحرية التي حرموا منها على مدى عقود، فخرج علينا من اطلق علي أنفسهم خبراء، يعيشون أحلام اليقظة بتوزيع الثروة علي الشعب، وأن ثورتنا المباركة سوف يحملها جيل بعد جيل، وسوف يتعلم منها الغرب، وارتفعت أصوات البعض: ارفع رأسك يا مصرى، ولم يعلم أن السكاكين سوف تقطع الرؤوس، وأن السقف له حدود، غير أن العنف استمر وتصاعد، وأسقط الآلاف من القتلي والجرحي والمتشردين من الضحايا في دول الربيع العربي، بينما لا تزال سوريا وليبيا واليمن تخوضان مخاضًا أمنيًا من حروب أهلية وتدخلات دولية وإقليمية!!

 في مثل هذا  اليوم 25 من يناير 2011م حدث تاريخي غير وجه المنطقة برمتها؛ خرجت الجماهير في شوارع وميادين المحروسة في عيد الشرطة، لتندلع شرارة الثورة، فجاءت صرخة المحامي اليساري التونسي في شوارع الياسمين الخضراء: “بن علي هرب”، سمعها المستضعفون فى الأرض، ليرددوا بصوت واحد بعد صلاة الجمعة في جمعة المصير رايحين العصر للقصر، من عاصمة المعز الشعب يريد إسقاط النظام، ارحل.. فيخرج شباب متحمس في جنوب سوريا في مدينة (درعا) يكتبون علي حوائط المبانى جاء الدور عليك يا دكتور بشار، فيتم اعتقالهم  فتدخل سوريا في حرب مفتوحة، ثم تقلع  طائرة من تونس إلى جدة تحمل أول ديكتاتور، ثم يعلن “عمر سليمان” في بيان متلفز عن تخلي “حسني مبارك” عن السلطة، فتقلع طائرة تحمل مبارك وعائلته  إلى شرم الشيخ !!

 لتندلع بذلك شرارة الثورة فى دول عربية أخرى  من الموجه الثانية في السودان والجزائر ولبنان، وتسقط أنظمة زين العابدين في تونس، ومبارك في مصر، وكذلك يسقط الإسلام السياسي، ويُقتل القذافي، وعبد الله صالح، والبشير فى السودان يتم الإطاحة به، وعدم ترشح الرئيس الجزائرى، وتزرع أحلامًا جديدة بالحرية… فهل تحققت هذه الأحلام بعد عشر سنوات من الربيع العربي؟!!!

 لقد نجحت الثورة المضادة، وأعلنت الحرب علي التاريخ، واحتشدوا جميعًا لإفشال الربيع العربي، وإجهاض مسيرته، إما تضامنًا مع حلفائهم، أو دفاعًا عن أنفسهم؛ خوفًا من وصول شرارة الثورة كما حدث في البحرين أو الاثنين معًا، ففتحوا خزائنهم وحشدوا منابرهم الإعلامية واستدعوا عناصر الدولة العميقة من مكامنهم، وأطلقوا حملات التشويه والتخوين والتعبئة التي سممت أجواء الربيع، وأعلنت فكانت الانتكاسات والهزائم التي سربت القنوط إلى نفوس كثيرين، الأمر الذي سوغ للبعض أن يعلن على الملأ وفاة الربيع العربى، كما ذكرها من قبل الكاتب الصحفى “فهمي هويدى” في حوار صحفي علي CCN العربية، وكان يجب  طي صفحته، ومن ثم صبوا عليه اللعنات، وأهالوا على وجهه الأوحال، وتم نعته بمختلف أوصاف الشماتة والهجاء، حتي في مجلس النواب وقف نائب ليعلن رغم اعتراف الدستور الجديد بها، عدم اعترافه بثورة 25 يناير التي كان أخفها أنه كان خريفًا وخرابًا عربيًا، وهذا نتيجة 30 عامًا من الفساد السياسى؛ إنه عصر مبارك البليد !!!

 إذا قرأنا تاريخ الدول المتقدمة، سنكتشف أنها مرت بنفس المراحل قبل أن تحقق الاستقرار، ولا بد من حدوث فوضى قبل تحقيق الاستقرار الثابت الذي يمكن البناء عليه، نعمٌ؛ يمكن تحقيق الاستقرار مع الديكتاتورية، ولكنه يبقى استقرارًا هشًا ينتهي عند انتهاء الديكتاتور!!

 ثورات الربيع العربي مثلها مثل كل الثورات، بمجرد أن تنتصر على المستبد وتسقطه، تدخل في معارك جديدة مع أذناب المستبد، والمستفيدين منه فيما يُسمى بالثورة المضادة للثورات، كما حدث في دول أوروبا الشرقية عام 1968م، فيما يُعرف بثورة  (براغ)، وفي رومانيا بالثورة المضادة، وفي اوكرانيا بالثورة البرتقالية !!

 فبقايا الأنظمة المستبدة بعد نجاح الثورات تدخل فى معارك مع قيم وثقافة الثورات، من أجل الدفاع عن مكتسباتها وامتيازاتها قبل الثورات، ولابد وأن تستعيد الثورات توازنها، وترسخ ثقافتها وأهدافها بمرور الوقت؛ هذا الزلزال السياسى والجغرافى الذى هزَّ المنطقة الذى أطلقت عليه صحيفة بريطانية اسم الربيع العربى، لتشابه أحداثه مع الربيع الغربي في بداية عام 1845، حتى الثورة الفرنسية أدى إلى نتائج متفاوتة؛ فالتظاهرات الشعبية الحاشدة في تونس وليبيا ومصر واليمن وسوريا تبعتها إصلاحات مخيبة للآمال في أحسن الأحوال، أو ردود أفعال قمعية من أنظمة ديكتاتورية، ولكن أيضًا نزاعات دامية !!

 ويُظهر التاريخ أن الثورات تحتاج إلى سنوات طويلة، غالبًا ما تكون صعبة، لبلوغ نتائجها؛ إلا أنه ليس من السهل العودة عن التغييرات التي تطرأ على أشخاص شاركوا في تلك الثورات، أو كانوا شهودًا عليها، وفى اعتقادى اطلاق مسمى (ثورات) على الربيع العربي نوعًا من الظلم؛ لأنها تمثل انتفاضة تاريخية حقيقية في حياة الشعوب العربية، فهى لم تكن نتيجة تخطيط مسبق وموجه من قبل قيادات اختارت ظروف ولحظة تفجير الفعل الثوري، لتغيير الواقع الاجتماعي والسياسى، وإحلال فكر وأيديولوجيا بديلة، مثل ثورات ربيع شعوب الغرب، تمثل رؤية ومصالح طبقة اجتماعية جديدة، فهي ليست مثل الثورة الفرنسية  لها توجه سياسي قامت على ثلاثية العقل والحرية والإرادة في مواجهة اللاهوت الديني والتراتبية الاجتماعية، كما أنها لم تكن كالثورة البلشفية عام 1917م، والتي قامت تجسيدًا للأيديولوجيات الماركسية، فسادت طبقة اجتماعية واحدة، وألغت بقية الطبقات؛ كما أنها لم تقم بها طبقة اجتماعية تحمل مشروعًا اقتصاديًا واجتماعيًا وثقافيًا، ولهذا فهى ليست ثورات اجتماعية وثقافية، بل هي انتفاضات تاريخية تحولت إلى ثورات سياسية؛ ولذلك هي إحدى الانتفاضات التاريخية الكبرى، رجوعًا لفكر  الفرنسي “آلان باديو” الذي يصنف الانتفاضات إلى ثلاثة أنواع، منها: انتفاضة جزئية ومحدودة كرد فعل على حدوث واقعة ظلم، والنوع الثاني من الانتفاضات هو تلك التي تكون تعبيرًا عن صمت مكبوت تفجر بسبب حدث عارض، أما النوع الثالث هو الإنتفاضة التاريخية التى يتواصل فيها زخم الفعل الثورى حتى يخلق وقائع تفتح آفاقًا تاريخية جديدة، فقد اختلط مفهوم الثورة والإنقلاب!!

 والإنتفاضة فى 15 من مايو  عام 1971م أطلق السادات اسم ثورة التصحيح، وفي  يومى 18و19عام 1977م خرجت الجماهير ضد ارتفاع الأسعار، فأطلق السادات عليها انتفاضة الحرامية؛ إن شواهد الفشل والانتكاسات التي حفلت بها مسيرة الربيع العربي، كما أن الإنتصارات التى حققتها الثورة المضادة ماثلة تحت أعيننا، ولا سبيل لتجاهلها، أو إنكارها بدورها، لكننى أزعم ان هذا كله، وذاك لا يعنى بالضرورة نهاية الربيع العربى، إذا احتكمنا إلى تحليل الواقع وخبرة التاريخ، وإذا اعتبرنا ما مررنا به درسًا نتعلم منه ما يبصرنا بأخطائنا، ومواطن الضعف فينا، وليس نعيًا لتطلعات شعوبنا وأحلامها !!

 

محمد سعد عبد اللطيف

كاتب مصري وباحث في الجغرافيا السياسية

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم