صحيفة المثقف

موسكو تحتفل بمئوية الموسيقار باباجانيان

ضياء نافعسألوه مرة – اين تعيش؟ فأجاب – انا أسكن في موسكو ولكني أعيش في ارمينيا . انه الموسيقار الارمني السوفيتي ارتو  باباجانيان، الذي ولد في مدينة  يرفان عاصمة ارمينيا بتاريخ 22 / 1 / 1921، والذي احتفلت موسكو بالذكرى المئوية لميلاده  بشكل واسع جدا في وسائل الاعلام الروسية كافة من صحف وتلفزيون وراديو ...الخ، وقد بثّت قنوات التلفزيون الروسية المختلفة، بما فيها قناة كولتورا (الثقافة، والمتميّزة بين كل القنوات الاخرى) برامج متنوعة عن هذا الموسيقار الكبير، تضمنت لقاءآت عديدة ومتنوعة معه ومع اصدقائه ومعارفه وعائلته والمتابعين لابداعه والمعجبين به، وكذلك عرضت  افلاما كتب هو موسيقاها، وحفلات للموسيقى السمفونية التي ألّفها، والاغاني التي لحّنها (وما أكثرها)، ومعظم تلك الاغاني مشهورة ومعروفة جدا للمستمعين الروس، اذ كتب كلماتها كبار شعراء روسيا آنذاك مثل يفتوشينكو و فوزنيسينسكي و رشديستفينسكي وديمنتيف ..الخ، ومن اداء مغنين سوفيت معروفين جدا ، مثل المغني السوفيتي الاذربيجاني الشهير مسلم ماغومايف وغيرهم . وفي عروض الافلام التلفزيونية  الوثائقية  تلك (او التسجيلية كما يسميها البعض) كانت تظهر لقطات تعرض الزعيم السوفيتي الشهير نيكيتا خروتشوف وهو يقول جملته الشهيرة عن الحان باباجانيان لعدد من الاغاني وبشكل حاسم جدا – (موسيقى جاز؟ وفي موسكو؟ كلا)، حيث منعها خروتشوف رسميا (رغم ان باباجانيان كان عضوا في الحزب  الشيوعي السوفيتي،  بل و حائزا على جائزة ستالين للفنون)، ولكن بعد تنحيته (اي خروتشوف) من السلطة عام 1964، سمح السكرتير الاول للحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك  ليونيد  بريجنيف باعادة تلك الاغاني الى البث العلني في الاتحاد السوفيتي، لانه كان معجبا جدا بالمغني مسلم ماغومايف وبكل الاغاني التي يؤديها وبغض النظر عن نوعيتها، (كم يبدو الأمر مؤلما ومضحكا ايضا، عندما يقرر الحاكم الاول في البلد وحسب ذوقه الذاتي الخاص مثل هذه القضايا !!!)، وهكذا عادت هذه الاغاني الى الحياة السوفيتية  عندئذ، و التي كان المستمعون السوفيت قاطبة يستمعون اليها ويحبونها، وكانوا يرقصون على انغامها وهم يستمعون اليها، و يمكن القول – وبكل ثقة – انها لازالت حيوية ومحبوبة الى الوقت الحاضر في روسيا الاتحادية اليوم، و من المؤكد ان الطلبة الاجانب في الجامعات السوفيتية وبضمنهم الطلبة العرب  في تلك المرحلة (اي نهاية الستينيات من القرن العشرين) يتذكرونها، اذ  كانت كل الفرق الموسيقية تعزفها في كافة الحفلات  الطلابية والشبابية آنذاك .

ولد ارتو  باباجانوف في عائلة ارمنية  مثقفة، اذ كان والداه  مدرسين، ولاحظ جميع من كان حول هذا الطفل ميله للموسيقى وشغفه بها، واستطاعت عائلته ان تنظم لقاء هذا الولد المتميّز بالموسيقار الارمني المشهور عالميا ارام  خاتشاتوريان، وقد أشار الموسيقار الكبير الى ضرورة تسجيله في مدرسة الموسيقى التابعة  لكونسيرفاتوار العاصمة الارمنية يريفان، وهذا ما حدث فعلا، وقد ألّف الصبي باباجانيان مقطوعة موسيقية عندما كان  طفلا ليس الا، وفاز بجائزة للعزف عندما كان عمره 12 سنة فقط، وكان هذا الفوز  بداية طريقه الفني طبعا . انهى الدراسة الموسيقية في يرفان وانتقل للدراسة في موسكو، ورغم بداية الحرب العالمية الثانية وظروفها الرهيبة، استمر باباجيان بمسيرته الابداعية، وساهم لاحقا في كتابة السمفونيات وتلحين الاغاني وبقية النشاطات الموسيقية الاخرى، متعاونا مع ابرز المبدعين السوفيت، وقد توقفت وسائل الاعلام الروسية كثيرا عند الثلاثي الذي تبلور آنذاك من الشاعر  رشديستفينسكي والمغني  ماغومايف وهو، وقد علّق أحد  معارفي الروس قائلا، ان هذا الثلاثي الروسي – الارمني – الاذربيجاني هو صورة رائعة لواقع الفن آنذاك، وانه تذكّر قول دستويفسكي الخالد  – الجمال ينقذ العالم، وقال بحسرة، لو استمر هذا الثلاثي الاممي لما حدثت الحرب الاذربيجانية – الارمنية حول ناغورني قره باغ قبل فترة، لان هذا الثلاثي الجميل كان سيحل الموضوع بالشعر والموسيقى والغناء، وعندها كانت ستتحقق مقولة دستويفسكي فعلا ...

اختتم هذه الخواطر والتخطيطات السريعة حول احتفالات موسكو بمئوية باباجانيان (1921 – 1983) بمقطع  صغير من قصيدة الشاعر روبرت  روشديستفينسكي، والتي أعادت نشرها جريدة (ليتيراتورنايا غازيتا) بتاريخ 20/1/2021على صفحتها الاولى وتحت صورة كبيرة للموسيقار باباجانيان وهو يكتب النوتة الموسيقة . القصيدة بعنوان – (الاغنية الاخيرة لارو  باباجانيان) –

....حتى لو أسقط فجأة...

...فاني في الارض لن أذهب...

....في الاغنية...

...سأذهب...

***

أ.د. ضياء نافع

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم