صحيفة المثقف

عبد العزيز طنطاوي والريادة الفكرية في علم الجيولوجيا

محمود محمد عليكان الإنسان القديم لديه شبه معرفة بالمعادن، وإن كانت معرفة بدائيَّة، أمَّا علماء اليونان فإن أرسطوطاليس (383-322 ق. م) قسَّم العالم إلى قسمين رئيسين: الأرض؛ وتتكوَّن من العناصر الأربعة: (الماء، والنار، والهواء، والتراب). والسماء؛ وتتكوَّن من الأثير، وبقيت آراء أرسطوطاليس متداولَة إلى أن جاء الإسلام الذي قضى على الخرافات والشعوذة والأساطير؛ حيث اتجه علماء المسلمين إلى التأمُّل والاستنتاج والبحث عن الحقيقة بالطريقة العلميَّة الصحيحة، فنجحوا نجاحًا باهرًا في تفسير الظواهر الطبيعيَّة، ودراسة الصخور والجبال والمعادن، واستطاعوا أن يُعَلِّلوا كثيرًا من الظواهر الجيولوجيَّة مثل الزلازل والبراكين، والمدِّ والجزر، وتكوُّن الجبال والوديان، والسيول والأنهار والجداول، ولعل أول أثر مسجَّل لعلوم الأرض لدى المسلمين هو ما تحتويه المعاجم وكتب اللغة التي تزخر بمفردات هذا العلم.

كما قدَّم العلماء المسلمون دراسات قيِّمة عن الجيولوجيا الطبيعيَّة والتاريخيَّة فكان لهم الكثير من الإنجازات، وقد برهنت هذه الدراسات على أن أكمل صورة من صور الماء في الطبيعة هي تلك التي وصفها العلماء المسلمون في مصنَّفاتهم.

قصدت أن أقدم هذه المقدمة لاتحدث عن الريادة الفكرية لعلم من أعلام الجيولوجيا  في مصرنا الحبيبة ألا وهو الأستاذ الدكتور" عبد العزيز عبد الرازق طنطاوى"، حيث يعد هذا العالم الفذ واحداً من أهم وأشهر أساتذة كليات العلوم- قسم الجيولوجيا بمصر الذين قدموا لنا إسهامات جيدة حول الدراسات الأفريقية وحوض النيل، حيث أبرزت لنا أبحاثه ودراساته كيف يشهد العالم اليوم أحداثاً متسارعة وتحولات كبيرة وخطيرة تهدد مستقبل البشرية والإنسانية، في ظل نظام عالمي غير متوازن وغير عادل وعولمة قاسية ركزت علي الجانب المادي الذي نتج عنه الكثير من الأزمات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، مثل الحروب وظاهرة الإرهاب ومشاكل التنمية والأمن في البلدان الأفريقية الفقيرة والهجرة غير الشرعية التي تمثل مشكلاً وتحدياً قائماً بالنسبة للعالم الغربي والدول الأفريقية علي حد سواء، مما ضاعف من إرباك المشهد العالمي وتزعزع الثقة بين الدول واتساع المسافة بين الشعوب والثقافات والحضارات .

ومن هنا كانت هذه الأوراق البحثية والمقاربات المنهجية التي قدمها عبد العزيز طنطاوي في أبحاثة المتعددة الاختصاصات في معالجة هذه المشاكل بمثابة نقاط ضوء مهمة تنير طريق الباحثين لاكتشاف حقائق وأسباب هذه الظواهر واستشراف النتائج والتحدير منها مستقبلا، وهذا كله من أجل تأسيس رؤية جديدة وعالم أفضل لمصرنا الحبيبة، لأن كل فكر هو في جوهره فكر استشرافي ننتظر منه أن يرينا صورة الغد انطلاقا من الحاضر والماضي بغية إعطاء صورة معقولة عن المآلات الممكنة والمستحيلة .

وقد ولد الدكتور عبد العزيز طنطاوي في 2 يناير 1967، بمحافظة الوادي الجديد – الداخلة – بلاط، حيث تخرج من كلية علوم أسيوط 1989م، وحصل علي الأستاذية: 2009م، وعُين رئيسا قسم الجيولوجيا، ووكيلا لكلية العلوم، وعميد لكلية العلوم، ثم عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية ودول حوض النيل، ومدير وحدة الدراسات البيئية والتنمية بالجامعة خلال الفترة من 2006 حتي تاريخه وأنشأ معمل الدراسات البيئية الحاصل علي شهادة الاعتماد (ISOIEC 2006-2005) وسافر في بعثة إشراف مشترك إلي سويسرا لدراسة الدكتوراه (1996 -1998م). وسافر إلي جامعة برنستون بالولايات المتحدة الأمريكية في مهمات علمية أعوام 2000 و2001 و2003و 2004م لفترات تتراوح بين الشهرين والستة أشهر، وسافر إلي نيجيريا ضمن الوفد الرسمي لجامعة أسوان لحضور المعرض التعليمي بالمركز الثقافي الذي تقيمه مؤسسة أخبار اليوم في أبريل 2018، وله عدد 32 بحث منشور في مجلات ومؤتمرات دولية، و6 أبحاث منشورة في مجلات ومؤتمرات محلية وعضو فريق بحثي دولي مكون من 33 فرد في مجال الجيولوجيا، وباحث رئيسي في خمسة مشروعات البحثية الدولية وعضو فريق بحثي في سبعة مشروعات البحثية المحلية وخدمة المجتمع وتنمية البيئة.

حصل الدكتور عبد العزيز طنطاوي علي عشرة جوائز بحثية دولية ومحلية، أهمها جائزة الدولة التشجيعية في العلوم الجيولوجية لعام 2010، وجائزة جامعة أسوان للتفوق العلمي لعام 2016 وعضو عشر جمعيات ولجان علمية دولية ومصرية والإشراف على عدد كبير من الرسائل العلمية (ماجستير ودكتوراه)، ومحكم دائم أبحاث علمية لعدد سبعة مجلات محلية ودولية وتحكيم، والمشاركة في عدد 21 مؤتمر وورشة عمل دولية وعدد 17 مؤتمر وورشة عمل محلية، ويقوم بالتدريس الجامعي لمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا لطلاب كليات العلوم والتربية والهندسة والآثار والآداب وبمعهد البحوث والدراسات الأفريقية ودول حوض النيل، ومدرب ومراقب اختبارات على نظم وتكنولوجيا المعلومات للطلاب والعاملين وأعضاء هيئة التدريس، والتحق أيضا بالعديد من ورش العمل (22 دورة) الخاصة بتوكيد الجودة في أسوان وأسيوط وقنا والقاهرة، والقيام بأعمال التطوير الشاملة (إحلال وتجديد) للبنية التحتية لمبنى كلية العلوم بجامعة أسوان، كما شارك في استقدام 110 طلاب دراسات عليا الطلاب الوافدين من العرب والأفارقة بمعهد البحوث والدراسات الأفريقية ودول حوض النيل.

وقد تولي الدكتور عبد العزيز رئاسة جامعة الوادي الجديد في الثالث والعشرين من مايو 2019م، حيث أصدر الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بتعليمات من الرئيس عبدالفتاح السيسي، اليوم الخميس، قراراً بتعيين الدكتور عبدالعزيز طنطاوي، ‏عميد معهد البحوث والدراسات الأفريقية ودول حوض النيل بجامعة أسوان‏ سابقًا، رئيسًا لجامعة الوادي الجديد؛ تلك الجامعة المستقلة بعد فصلها عن جامعة أسيوط، حيث تضم الجامعة 6 كليات وهم البيطري والتربية الرياضية والتربية والعلوم والزراعة والآداب.

وبتولي الدكتور عبد العزيز طنطاوي منصب رئيس جامعة الوادي الجدي يكون قد تحمل عبئا ثقيلا بهذا المنصب وهو أهلا له، وهذا العبئ فيما أعنيه أن جامعة الوادي الجديد هي جامعة وليدة وتحتاج منه ومن العاملين معه المساهمة في تنمية الوادي الجديد بالتوسع في إقامة كليات جديدة من شأنها أن تخدم البيئة والمجتمع.

وأنا واثق من إمكانيات الدكتور عبد العزيز علي تحمل المسؤولية، فهو صاحب مشروع تطوري ورؤية استشرافية في تنمية وتطوير جامعة الوادي الجديد الوليدة، وكما أنا سعيد كل السعادة بالتحركات الجادة التي يقوم بها الدكتور عبد العزيز عقب توليه منصب رئيس الجامعة من خلال تنفيذ خطته في تطوير الجامعة مثل : تطوير قرى الشركة من خلال الكليات المختلفة، تنظيم قافلة من قسم تربية الطفل بكلية التربية لمدة يومين، بهدف تنفيذ عدة ورش لتنمية مهارات المرأة الريفية، وكذلك تنمية التذوق الجمالي لدى أطفال القرية من خلال تدريبهم على فن الأرجواني كطي الورق واستخدام المناديل وورق الجرائد وأكياس البلاستيك من خلال عمل فازات الورد وأوراق الشجر وصناعة بعض الزهريات والبراويز، وتدوير بعض المخلفات لعمل بعض الأدوات المدرسية من خلال الاستغلال الأمثل للموارد البيئية المتاحة.

وأيضاً جهوده في  تمكين المرأة وتنمية مهاراتها وكذلك تنمية الحس الجمالي لدى أطفال القرية من أولويات خطة التطوير، وأنه سيتم إقامة معرض لعرض بعض الأعمال الجيدة وسيتم تقييمها وتكريم أصحاب الأعمال الجيدة…الخ

وفي النهاية لا أملك إلا أن أقول تحية طيبة وعطرة للدكتور عبد العزيز طنطاوي، ذلك الرجل الذي يمثل بالفعل قيمة وطنية وشخصية علمية، وذلك الرجل أيضا الذي يعرف كيف يتعامل مع العالم المحيط به ويسايره في تطوره نموه، وهذا النموذج هو ما نفتقده بشدة في هذه الأيام التي يحاول الكثيرون فيها أن يثبتوا إخلاصهم لوطنهم بالانغلاق والتزمت وكراهية الحياة، وإغماض العين عن كل ما في العالم من تنوع وتعدد وثراء.

وتحيةً مني أخري لرجل آثر أن يكون صدى أميناً لضمير وطني يقظ وشعور إنساني رفيع وسوف يبقى نموذجاً لمن يريد أن يدخل التاريخ من بوابة واسعة متفرداً . بارك الله لنا في عبد العزيز طنطاوي قيمة جميلة وسامية في زمن سيطر عليه السفهاء، وأمد الله لنا في عمره مصلحاً ومعمراً  لجامعة الوادي الجديد الوليدة والذي تنتظر منه المزيد والمزيد، وأبقاه الله لنا إنساناً نلقي عليه ما لا تحمله قلوبنا وصدورنا، ونستفهم منه عن ما عجزت عقولنا عن فهمه.

 

د. محمود محمد علي

رئيس قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم