صحيفة المثقف

منظرو الاقتصاد (17): آرثر پـيگو

مصدق الحبيب(1877 – 1959) Arthur Pigou

هو الاقتصادي الإنگليزي الذي تتلمذ على يد مارشل والذي ربما كان تلميذه المفضل لذكائه وتفوقه بحيث أن مارشل أعطاه الفرصة ان يحاضر في قسم الاقتصاد مباشرة بعد تخرجه وهو بسن الرابعة والعشرين. كما انه جعل منه خليفته في رئاسة القسم وهو في الثلاثين من عمره. عُرف بالتصاقه بمنهج مارشل واخلاصه لفلسفته في التدريس والبحث فكان يردد غالبا على طلابه "أي شئ تسألون عنه في الاقتصاد سترون جوابه عند مارشل". وكما كان وفاؤه لمارشل فقد اهتم بطلابه وتخرجت على يده نخبة بارزة من الاقتصاديين الذين قادوا مسيرة الاقتصاد في القرن العشرين. وقد ساهم حماسه وحماس طلابه في زرع البذرة الاولى لما سمي فيما بعد بمدرسة كمبردج في الاقتصاد.

ولد آرثر في رايد الواقعة في جزيرة وايت في الجنوب البريطاني. كان أبوه ضابطا في الجيش وأمه منحدرة من عائلة بارونات معروفة. دخل مدرسة هارو الاهلية العريقة في لندن فكان تلميذا مجتهدا مهذبا فاز بجوائز مدرسية عديدة اضافة الى نشاطه الاجتماعي. كانت دراسته الجامعية في الفلسفة والاخلاق، ثم تفرغ لدراسة الاقتصاد في كلية الملك بكمبردج وبدأ التدريس فيها عام 1901. ثم اصبح زميلا في الكلية بعد عام واحد فقط أي في 1902، وفي العام التالي فاز بجائزة آدم سمث لعام 1903. بعد ذلك حصل على درجة الاستاذية عام 1908 فاستلم مباشرة رئاسة قسم الاقتصاد، خلفا لمارشل الذي تقاعد من عمله الجامعي في ذلك العام.

كان آرثر رجلا مبدئيا مخلصا في عمله ومعروفا بقيمه الاخلاقية العليا التي غالبا ما كانت سببا لمتاعبه الشخصية التي تحملها نظرا لالتزامه بمسؤوليته. فحين اندلعت الحرب العالمية الأولى رفض الانخراط في القوات المسلحة البريطانية لانه كان رافضا للحروب ولفكرة القتال ضد ابناء جنسه  والتي لاتجلب الا الموت والخراب. لكن انصياعه للواجب الوطني جعله يقبل ان يصبح سائقا لسيارات الاسعاف مع الاحتفاظ بعمله كأستاذ جامعي. وفي هذا الصدد كان كارها لعمله في اللجان الوطنية العليا. فقد انتدب للعمل في لجنة كونليف الوطنية للتبادل التجاري لعامي 1918 و1919 واللجنة الملكية لضريبة الدخل لعامي 1919 و1920 ولجنة چيمبرلن للنقود والبنوك لعامي 1924 و1925. فلم ير لنفسه المكان المناسب في هذه اللجان عالية المستوى لما يسود فيها عادة التدخل السياسي والنفاق والتدليس. وحتى الاكاديمية البريطانية التي منحته عضويتها عام 1925 استقال منها. ومع تركه العمل في كل تلك اللجان فضل ان يبقى اكاديميا مستقلا منصرفا للتدريس والبحث.

2175 بيكوكان آرثر پيگو من الاكاديميين الاوائل الذين استهوتهم فكرة ان لعلم الاقتصاد رسالة انسانية هي خدمة المجتمع وتحسين احوال معيشة الناس،  فهو القائل بأن الاقتصاد عبارة عن نشاط يحمل ثماره الطيبة معه. ولذا فقد اشتغل على عدة محاور اقتصادية كالدورة الاقتصادية واقتصاد المالية العامة والتبادل التجاري والارقام القياسية وطرق تقدير الناتج القومي، لكن جهوده تركزت على مجالين اصبحا فيما بعد الموضوعان اللذان يشيران لمساهماته المتميزة، وهما اقتصاد الرفاه ونظرية العمالة. ولابد لي هنا ان اشير الى الترجمة العربية التي ورثها تلميذ الاقتصاد والقارئ العربي لهذين المصطلحين التي لا أراها ترجمة دقيقة. فاقتصاد الرفاه في هذا الصدد Economics of Welfare لايقصد به اقتصاد السعادة والترف، انما اقتصاد الصالح العام، حيث يقول التعريف الانكليزي بانه فرع الاقتصاد الذي يعالج ما يجنيه المجتمع من الفوائد والاضرار المترتبة على تبني القرارات والسياسات الاقتصادية من قبل الحكومات والمؤسسات، العامة والخاصة. أما ترجمة  Employment  بـ "العمالة"   فهي الأخرى ترجمة غير موفقة لانها تعطي الانطباع المباشرعن الاشتغال كعميل لجهات اجنبية ! فيهمل القارئ انها مشتقة من "عمل، يعمل، فهو عامل، وليس عميل". أعتقد ان الترجمة الأدق هي الاستخدام، والمقصود به استخدام عنصر العمل كواحد من عناصر الانتاج، وهي بهذا متوافقة مع الاستعمال الشائع لمفهوم استخدام الموارد الاقتصادية.

في عام 1912 نشر پيگو كتابه الموسوم "الثروة والرفاه" والذي أصدر نسخة منقحة وموسعة منه عام 1920 بعنوان "اقتصاديات الرفاه" الذي أصبح الكتاب -الهوية  له بما شمل  من طروحات جديدة اُعتبرت كمساهمات قيمة لأدب النظرية الاقتصادية. في هذا الكتاب أولى پيگو اهتماما خاصا باعادة صياغة وتوسيع وتطوير مفهوم مارشل الـ  Externalities والمقصود به الآثار الجانبية، الايجابية والسلبية، الناتجة عن تطبيق القرارات والسياسات الاقتصادية.  فبدلا من أن لايعير لها اهتماما متخذو القرارات وراسمو تلك السياسات ولا ينتبه اليها المجتمع،  أشار پيگو الى اهميتها واهتم بمعالجتها. وتماما كما تعالج الادوية في الغالب عرضا مرضيا رئيسيا ولا تأبه بالاعراض الجانبية، يحدث هذا على صعيد الاقتصاد نتيجة لاتخاذ أي قرار اقتصادي.   والتعريف الرسمي لهذه الآثار الاقتصادية الجانبية هو الكلفة المفروضة أو المنفعة المتحققة للاخرين والتي لم يُحسب لها حساب عند من سببها وهو يخدم غرضا معينا لمشروع ما.

لنفترض اننا نتحدث عن بناء مطار في مدينة ما. فلهذا المشروع، اضافة لمنفعته الاصلية بتوفير خدمات النقل الجوي، اضرار وكذلك فوائد جانبية غالبا ما لم تؤخذ بالحساب الاقتصادي. فمن الاضرار الرئيسية التأثير على نقاوة الجو في المنطقة المحيطة بالمطار بسبب الكم الهائل من الغازات المنبعثة من محركات الطائرات، وكذلك ما يترتب على الضوضاء الناتجة جراء اقلاع وهبوط الطائرات من ازعاج، اضافة الى ضغط المرور الاضافي على الطرق والجسور وماينتج عنه من ازدحام واختناقات. أما الفوائد فقد تكون في هيئة الانتعاش الاقتصادي للمنطقة المتمثل بالحاجة الى المزيد من الفنادق والمطاعم والمحلات التجارية وشركات النقل والسياحة والاتصالات وغيرها. ولابد ان تكون تلك الاضرار مكلفة، فمن يتحمل مسؤوليتها؟ كما ان  الفوائد ينبغي ان تـُشجع وتـُدعم لتخرج من نطاقها الفردي الى نطاق المجتمع الاوسع. وهنا يقترح پيگو بأن الكلفة ينبغي ان تدفع على شكل ضرائب اضافية تفرض على مشروع المطار وبذلك ستتجنب المدينة او الولاية تحملها. أما الفوائد فينبغي ان تدعم من قبل الحكومة شريطة ان تتوسع ليجني المجتمع الاوسع ثمارها. وهذه الضرائب والاعانات المقترحة هي التي عرفت فيما بعد بـ :

Pigouvian tax and Pigouvian Subsidy.

امثلة اخرى على هذه الآثار الاقصادية الجانبية ومعالجتها بالضرائب والاعانات تبعا لسلبيتها أوايجابيتها، منها مثال حول حريق في غابة يندلع بسبب الشرار المنبعث من ماكنة القطار المارعبر الغابة! فمن المسؤول ومن ذا الذي يدفع الكلفة؟ مثال آخر حول مصنع للورق يُنشأ على ضفة نهر ليطرح فضلات الانتاج في النهر علما ان النهر هو المصدر الوحيد لماء الشرب للقرية القائمة على ضفتي النهر وعلى مسافة ليست بعيدة من المصنع. هاذان المثالان يركزان على  الآثار السلبية التي تفوق بكثير اي آثار ايجابية،  لو وجدت.

كما يعطي پيگو مثالا عن الآثار الايجابية التي قد تنفرد بنفسها والتي تتمحور على التمييز بين المنفعة الفردية والمنفعة الاجتماعية. فيأخذ طالبا يمول ذاتيا تعليمه الاولي من اجل هدف واحد هو حصوله على عمل يعيله. يقول پيگو ان الطالب يتعلم لهدف فردي وربما لايدري ان المجتمع سيستفيد من ذلك ايضا، وبذلك يستطيع المجتمع ان يدعم ويشجع هذا الطالب وطلاب اكثر ان يزيدوا من مستوى تعليمهم او يتلقوا برامج تدريب اضافية من اجل ان تزداد الفائدة الجمعية. وينبغي ان يحدث ذلك عن طريق تقديم الزمالات والبعثات والمنح الدراسية التي تمول ذلك التعليم الاضافي من اجل المنفعة الفردية والاجتماعية معا.

يرى پيگو ان الآثار الاقتصادية الجانبية تقدم التبريرالمفحم لتدخل الحكومة والالتزام بمسؤوليتها تجاه المجتمع برسم السياسة وتنفيذها وتمويلها وادارتها ومراقبتها. وذلك عندما تبرز الحاجة في الحالتين: الآثار الاقتصادية الجانبية السلبية    Negative Externalities  التي تعالج بالضرائب، والآثار الاقتصاددية الجانبية الايجابية  Positive Externalities  التي تعالج بالاعانات. وهو هنا يخرج عن فلسفة الـ  Laissez Faire  واليد الخفية التي تنظم شؤون اقتصاد السوق الحر الذي ينبغي ان يترك لوحده دون اي تدخل حكومي. و پيگو كغيره من الاقتصاديين الذين خرجوا عن هذه الفلسفة يرى ان اقتصاد السوق الحر لابد ان يخفق هنا وهناك، وحين يخفق في أمر ما سيكون من واجب الحكومة التدخل لمعالجة الخلل. ةالغرض الاول من ذلك هو ارجاع التوازن الذي قد يتطلب عدالة التوزيع باستخدام الضرائب والاعانات كأدوات تسوية بيد الدولة من اجل اعادة التوزيع أو تحفيز الانتاج وزيادة الاستخدام.  وهذا الاعتقاد ناجم عن ايمان آرثر بمبدأ ان الدولة، وباستشارة الاقتصاد، تستطيع رفع الحيف عن المواطنين وتحسين حالتهم الاقتصادية واحلال العدالة الاجتماعية. وما على الاقتصاديين الا ان يرسموا الطريق الصحيح ويحددوا الخطوات والادوات لتحقيق ذلك.  پـيگو يعتبر هذا الهدف بالنسبة له أسمى من الانشغال بالتنظير لمجرد تسجيل المساهمات الابتكارية في النظرية الاقتصادية. ومن الجدير بالذكر هنا هو الاشارة الى اختلافه في هذا المجال مع صديقه القريب جان مينرد كينز حول دور الدولة في الاقتصاد! أو ربما بمعنى أدق دور الاقتصاد في الدولة.

ومما ينبغي ذكره هنا هو ان اقتصاديي الرفاه الذين برزوا بعد الكساد العالمي تجاوزوا طروحات پـيگو حول الآثار الاقتصادية الجانبية ومعالجتها بالتدخل الحكومي عن طريق استعمال الضرائب والاعانات كأدوات لتصحيح الانحرافات المتأصلة في اقتصاد السوق. المثال الابرز على ذلك هو مقالة الاقتصادي رونالد كوس الحائز على جائزة نوبل الموسومة "مشكلة الكلفة الاجتماعية" والمنشورة عام 1960 والتي تضمنت انتقادا صريحا لنظرية پـيگو في الآثار الاقتصادية الجانبية ومعالجته المقترحة لها. يعتقد كوس انه لا داعي ابدا الى التدخل الحكومي لمعالجة تلك الآثار! اذ ان من المثمر ان تدخل الاطراف المعنية في المفاوضات وتصل الى التسوية دون جر الحكومة الى هذا الامر. ويأخذ مثال پـيگو حول مصنع الورق فيقول لو يعطي نظام اقتصاد السوق الاهمية لتوزيع الملكية وتنظيمها لاصبحت حلول هذه المشاكل بسيطة. فمثلا لو ان كل ضفاف النهر معلومة الملكية والحقوق مسجلة لاصحابها لاصبح موضوع انشاء مصنع الورق على ضفاف النهر قضية قانونية يترافع فيها الطرفان بموجب القانون فتكون ادارة المصنع امام حقوق استخدام ماء النهر العائدة للسكان. هذا اذا لم يصل الطرفان الى تسوية خاصة بالتفاوض بينهما.  فاذا شعرت ادارة المصنع ان طلبات السكان باهضة ولايمكن تحملها سيعزفون عن تنفيذ خطة بناء المصنع في ذلك الموقع. وواضح ان كوس ومن يؤمن بطروحاته هم اولئك الذين يقفون ضد التدخل الحكومي وسن القوانين والقواعد والاجراءات العامة المعروفة بـ Regulatory policies. الاتجاه الذي اتسع خلال الستينات من القرن المنصرم وبعدها، والذي أدى الى ظهور مدرسة الخيار العام  Public Choice School في الاقتصاد التي تعترض على رمي كل الامور بيد الدولة، خاصة وإن اصحابها يعتقدون ان نصيب فشل الحكومات في حل المشاكل الاقتصادية لا يختلف كثيرا عن نصيب القطاع الخاص، بل ربما كانت دوائر الحكومة أقل كفاءة.

الموضوع المهم الثاني الذي تميز به پـيگو هو نظرية الاستخدام والبطالة. في عام 1913 نشر پـيگو بحثه عن البطالة، والذي نقحه وطوره ووسعه خلال العشرين سنة اللاحقة فنشره عام 1933 بعنوان "نظرية البطالة"، والذي تضمن آراءه الاساسية في هذا الموضوع.  ورد في موسوعة العالم الجديد ان نظرية پـيگو هنا تستند على أساسين هما:

- ان الاجور ينبغي ان تساوي الناتج الحدي للعمل

- وان منفعة او قيمة الاجور للعامل عند قبوله العمل تساوي المنفعة او القيمة الحدية فيما لو لم يقبل العمل. وبتعبير اوضح ان قيمة الاجر بالنسبة للعامل يجب ان لاتنخفض دون الحد الادنى المقبول لديه في ذلك الظرف. اذ انها لو انخفضت عن ذلك فلا يكون للعامل الحافز لقبول ذلك العمل.

وقد تحدث پـيگو عن مرونة العمل، وبالاخص مرونة الطلب على العمل من قبل اصحاب العمل والشركات والمصانع.  والمرونة هي المفهوم الذي يصف مدى استجابة كمية العمل المطلوبة تبعا للتغيير في معدلات الاجور. تكنيكيا يمكن حساب هذه الاستجابة بقسمة نسبة التغيير المئوية في كمية العمل المطلوبة على نسبة التغيير المئوية في الاجور، زيادة ونقصانا. وبموجب النتائج الرقمية فقد جرى تصنيف المرونة تبعا لقيمتها. فاذا كانت قيمتها اكثر من واحد، فهي توصف حالة الاستخدام او التشغيل بانها "مرنة". وهذا يعني ان الطلب على تشغيل العمال يستجيب بشكل ايجابي واكبر من معدل انخفاض الاجور، كما يستجيب بشكل سلبي واكبر من معدل ارتفاع الاجور.أما اذا كانت قيمة المرونة اقل من واحد  فان الطلب على التشغيل سيوصف بانه "غيرمرن".  لنأخذ مثالا رقميا نفترض فيه ان العمال في مكان ما سيقبلون اجورا اقل من ذي قبل بنسبة 10%، فماذا ستكون استجابة اصحاب العمل بالنسبة لتشغيل العمال؟  فاذا اقبلت ادارة العمل على زيادة التشغيل بنسب اكثر من 10% فان مرونة الطلب على العمل تكون "مرنة"، والعكس صحيح، اي اذا كانت استجابة الادرة هي زيادة التشغيل بأقل من 10% ستكون مرونة الطلب على العمل "غير مرنة".

وقد قام پـيگو فعلا بتقدير مرونة الطلب على العمل في بريطانيا فوجدها بين 3 و4 %. كما كان من دواعي الصدف ان يحصل الاقتصادي الامريكي پول دگلاس على تقديرات مشابهة عن مرونة الطلب على العمل في أمريكا. ان ماتعنيه هذه المرونة هو انه لو اُ تخذ قرار برفع اجور العمال بنسبة 1% فان رد فعل اصحاب العمل سيكون تخفيض عدد العمال او ساعات العمل بنسبة 3-4 %، وبذلك سيُحبط قرار زيادة الاجور بالمعنى الاجمالي وسوف لن يتحقق هدف رفع الحيف عن العمال والكادحين ورفع مستوى معيشتهم. والعكس سيحدث ايضا فلو فرضنا ان العمال وافقوا على تخفيض اجورهم بنسبة 1% فسيندفع اصحاب العمل لزيادة التشغيل بنسبة 3-4% من اجل انتهاز فرصة تخفيض كلفة الانتاج وتحقيق ارباح اكثر.

كان پـيگو صديقا حميما لكينز. ورغم اختلافه الفكري معه فقد حافظ على روح الاحترام والتعاون حتى انه ساعد كينز بمبالغ كبيرة اثناء بحثه ونشره لنظرية الاحتمال. لكن كتاب كينز " النظرية العامة للعمالة والفائدة والنقود" المنشورعام 1936 والذي احدث تغييرا كبيرا في السياسة الاقتصادية، ليس فقط في بريطانيا بل على المستوى الدولي، انتقد فيه كينز بشكل واسع طروحات پـيگو حتى انه ذكر پـيگو 17 مرة في معرض نسف افكاره في الاستخدام والبطالة والنقود والتدخل الحكومي. وقد رد پـيگو على ذلك عدة مرات وفي مناسبات مختلفة.  ومن موقفه المخالف لكينز عرفنا ما سمي ب "تأثير پـيگو" Pigou Effect  المقصود به تحفيز الناتج الوطني ورفع مستوى الاستخدام والاستهلاك في اوقات الانكماش وانخفاض الاسعارDeflation والذي اوضح من خلاله پـيگو علاقة الاسعار بالانتاج والتشغيل والاستهلاك حيث يعتقد پـيگو بأنه في وقت الانكماش وانخفاض الاسعار،  سيعود الاقتصاد الى حالته الطبيعية وسيكون متوازنا اكثر مما يتوقع كينز. اذ ان مستويات الاسعار المنخفضة ستعني زيادة عرض النقود وارتفاع الميل الحدي للادخار والاستثمار الذي سيؤول الى زيادة التشغيل وبالتالي زيادة الانتاج وتوزيع اكثرللدخول التي سيذهب اغلبها الى الاستهلاك ! وبخلافه، فعندما ترتفع الاسعار للمستوى التضخمي، ينخفض الميل الحدي للادخار ويهبط الاستثمار والانتاج وتنخفض معدلات التشغيل اكثر وكذلك الاجور والدخل الاجمالي فيصبح المجتمع غير قادر على شراء السلع المتوفرة في السوق.

من الموضوعات التي اهتم بها پـيگو هو موضوع التفريق بين مفهومي صافي الناتج الخاص الحاصل نتيجة للقرارات الاقتصادية التي يتخذها الافراد وصافي الانتاج الاجتماعي الحاصل نتيجة للقرارات الاقتصادية التي يتخذها المجتمع. وكذلك بين الناتج الحدي الخاص والناتج الحدي العام. واوضح ان في اقتصاد السوق والمنافسة الحرةغالبا ما تتخذ القرارات الاقتصادية العامة من اجل تعظيم المنفعة الفردية المختلفة عن المنفعة العامة. وهذا ماينبغي معالجته من قبل الدولة. فمثلا احدى وسائل تحقيق الصالح العام هو تحويل جزء من دخول الاغنياء الى الفقراء عن طريق الضرائب والذي له اثر مضاعف حيث ان القيمة الحدية للدولار عند الفقير تكون اعلى من قيمتها الحدية عند الغني مما يسفر عن الاستخدام العقلاني للدخل وتحسين الحالة المعاشية للكادحين والمعدمين الذي سينسحب على تحسين الانتاج عموما وزيادة الانتاجية والمنفعة العامة للجميع. كان پـيگو متأثرا تأثيرا كثيرا بلبرالية جيمس مِلْ، حيث آمن بالفرد الذي تقيمه عقلانيته وموضوعيته وسعيه واحترامه للقانون. وكلما تهذب الفرد تهذب المجتمع وكلما كان المجتمع مهذبا كانت حكومته كذلك لترتقي الى مسؤوليتها العليا في حماية المجتمع والعمل الجاد من اجل الرفاه العام.

كان لپـيگو اصدقاء كثيرون تربطهم علاقات المودة والانسجام والتعاون المشترك لكنه لم يتزوج ! وكانت هوايته المفضلة تسلق الجبال مع مجموعة من الاصدقاء، وهي الهواية التي لم يعد قادرا على ممارستها بعد ان اصيب بمرض القلب واصبح ملازما لبيته. استقال من رئاسة قسم الاقتصاد في كمبردج عام 1943 لكنه بقي يحاضر هناك كلما استطاع ولحين وفاته عام 1959.

 

ا. د. مصدق الحبيب

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم