صحيفة المثقف

اساطير الاولين.. الاسطورة والمعجزة

"وقالوا اساطير الاولين أكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلا"

الاساطير في اللغة جمع اسطورة ويراد بها كلام ملفق لااصل له  ومعنى اساطير الاولين في القران الكريم ماسطره وكتبه الاولين من اباطيل  فهي حكاية تروي احداث خارقة للعادة وتتحدث عن الالهة والابطال وتعبر عن معتقدات الشعوب في العصور الاولى وقد تتحدث عن أناس حقيقين واحداث وقعت فعلا مع الكثير من المبالغة والخيال لتاخذ مكانتها بين الناس،ثم تسلقها الالسن ولذلك  وصف المشركين دعوة الرسول ومعجزة القران بالاساطاير لانها –الاساطير- كانت موجودة في الازمان الغابرة وتناقلها الناس كجزء من حياتهم وتراثهم، واتخذوا موقفا معاديا للقران ودعوة الرسول محمد(ص) لان الدعوة لاتخدم مصالحهم باي شكل من الاشكال، واعتبروا ان كل ما جاء به الرسول  من الاساطير"وقالوا اساطير الاولين "لكي يضعفوا القيمة الحقيقية والاعجازية التي جاء بها القران،وان النبي لم يأت بشئ جديد وانما كرر ماسمعه من اساطير واخبارالامم السابقة، لانهم كانوا يستمعون الى القران ويرون من اياته ودلائله وحججه مايثبت صدق النبي لكنهم يصدون عنه لان الله جعل على اذانهم وقرا والله لايهدي القوم الظالمين . وقد تحدث القران عن الاساطير في مواضع عدة ليبين زيف المشركين وموقفهم من الدعوة "وجعلنا على قلوبهم أكنة ان يفقهوه وفي آذانهم وقرا،وأن يروا كل آية لايؤمنوا بها،حتى إذا جاؤك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا اساطير الاولين".

والاسطورة في اللغة هي من سطر وتعني الكلام المسطور "المصفوف" ولايشترط فيها التدوين،لكن بالضرورة ان تكون سطر وراء سطر فتظهر كالقصيدة ليسهل حفظها وتداولها اي انها تتناقل شفويا بسطورها،وتعد جزءا من التراث القديم الذي يعبر عن نتاجات الاولين،فهي اذن قصة شعرية مصفوفة تحتوي على موضوع ديني يتعلق بالقوى العلوية والخفية"الغيبية"  وتعبر عن معارف الانسان الاول والتي تتعلق بالالهة او انصاف الالهة،والاسطورة تتمتع بقوى خارقة منها مايخص الحياة والموت والخلود، وتشترك مع الفلسفة في موضوعاتها غير ان الفلسفة تحاكي العقل بينما الاسطورة تستند الى الخيال ومنها مايتعلق بالقوى الخارقة للطبيعة،والحقيقة انها تتخذ من الاباطيل والخرافات والميثولوجيا موضوعا لها فهي الوعاء الذي سكب فيه الانسان الاول معرفته التي صاغها عن طريق الايحاء والتخيل.

وبما ان الانسان الاول قد عرف الاسطورة ووضع اسسها وحدد موضوعاتها التي اتخذت من الامور الخارقة نهجا لها لكي يستطيع ان يقنع العامة بمضمونها،لذا فعندما اهتدى  الى عبادة الله الواحد وباتت المعجزات هي السمة التي تلازم الانبياء كل حسب عصره وطريقة فهم الناس لروح العصر ومايسوده من ظواهر مادية او طبيعية تسيطر عليه فقد اوكل الله تعالى لكل نبي معجزة لاقناع الناس بالايمان بالله تعالى وكما نعرف ان من اصعب الامور على الاطلاق تغيير العادات والمعتقدات، والمعجزة عبارة عن امر خارق للعادة وهي دليل واثبات حسي او معنوي ولايستطيع احد من البشر الاتيان بمثلها لانها من عند الله جل وعلا تختص بانبياءه لتكون دليلا على صحة نبوتهم ،وقد اختلفت المعجزات باختلاف المجتمعات وتعددت وقد اغدق الله على انبياءه ورسله بقدرات خصهم بها كسبيل لهداية الناس مثل النار الباردة التي لم تحرق ابراهيم(ع) ومعجزات موسى(ع) الكثيرة ولعل اكثرها اعجازا اختراق البحرليجعل الناس يؤمنون به في وقت ساد فيه السحر وكان لابد ان ياتي بامر خارق" وأوحينا الى موسى ان ألق عصاك  فاذا هي تلقف مايأفكون"

والقدرات التي وهبها الله لعيسى "وأبرئ الاكمه والابرص وأحيي الموتى بإذن الله"في وقت سادت فيه الامراض النفسية والجسدية،فلابد ان تكون قدراته الاعجازية ملائمة لظروف عصره، وغيرها من المعجزات التي اوكلت لانبياء الله،واذا تاملنا نزول القران  لوجدنا انه نزل على قوم متفوقين لغويا  وبلاغيا وان اللغة هي الفيصل الذي يتميزون به لذا فمعجزة الرسول محمد (ص) التي وضعها الله كدستور للحياة كانت ولاتزال كتابا لغويا بلاغيا اعجازيا بامتياز،لم يستطع احد ان ياتي بمثله"قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لايأتون بمثله"" والقران صالح في كل عصر واوان وقد عارضه المشركين والمشككين واعتبروه من الاساطير،ليفندوا الدعوة الاسلامية،كما ان رحلة الاسراء والمعراج التي حدثت نتيجة اضطهاد المشركين للنبي ومقاطعته وفقدان زوجته وعمه ،جاءت كمكافأة داعمة ومؤيدة لدعوة الرسول محمد(ص).

ان المعجزة تزيد الرسل تاييدا وايمانا من قبل الناس الذين يطلبون دليلا ملموسا لاقناعهم،وهي حجة الله على خلقه فلو لم تاتهم البينات والادلة لكان حجتهم يوم القيامة الكفر لانهم يبررون ذلك بانهم لم يتلقوا بلاغا من الله"قال الم ياتكم نذير"،لذا فمن عدل الله ورحمته ارسال الرسل بأدلة وبراهين ومعجزات ثم يترك لهم الخيار اما الايمان او الكفر وعلى الله تعالى الحساب.

لقد خلط الناس بين المعجزة والاسطورة  في وقت سادت فيه الاساطير وتلتها المعجزات فاعتبرها الانسان البسيط او المحدود الذكاء او الذي يلجأ الى نكرانها لغاية ما، بانها واحدة نظرا لقدرتها على اختراق الطبيعة،وهذا مانراه جليا بالتشابه الكبير بين الطوفان في ملحمة كلكامش وطوفان نوح والكثير من الامور التي جاءت بها الملحمة والتي ذكرت بالكتب السماوية كالهة الحياة السومرية التي تم خلقها من ضلع "انكي "لتشفيه بعد اكله للزهور الممنوعة وهي مشابهة لقصة ادم وحواء في سفر التكوين، واذاتاملنا قليلا وكثيرا سنجد ان الملحمة حدثت في عصر كان التوحيد فيه موجوداوالدليل  على ذلك ان التاريخ الانساني بدأ بأدم وادم كما نعرف كان نبيا وقد علمه الله علوم السموات والارض ليوكل اليه ادارة الارض "وعلم ادم الاسماء كلها"ولابد ان تنتقل الصفات الوراثية  او المكتسبةالى ابناءه وكل الامور بما في ذلك قصة الخلق و يرجع المؤرخون التناسل البشري ل" شيت"وهو ثالث اولاد ادم جد نوح (ع) والجديربالذكر ان ابن حفيد نوح وهو"النمرود" بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح كما ذكره ابن كثيروهو من بنى برج بابل  ثم بلغ به الطغيان حدا ليدعي الربوبية! "الم ترالى الذي حاج ابراهيم في ربه "وقد كان له النبي ابراهيم(ع) بالمرصاد ووقف بوجهه وانجاه الله من بطشه  ثم سلط عليه بعوضة اماتته موتا بطيئا،وعليه يكون من المنطقي ان طوفان اوتنابشتم في ملحمة كلكامش هو تقليد ونسخ لطوفان نوح، اذا اخذنا بالحسبان ان دين التوحيد كان موجودا اصلا  وجود الكثير من الانبياء  وقت الملحمة".

ولذا فمن الارجح ان تكون الاسطورة الصورة المقلدة للمعجزة مضافا لها بعض الامور الخارقة المنسوجة من الخيال.

هذا الخلط بين الاسطورة والمعجزة جعل الانسان  غير العارف  او الذي يتجرأ على كتاب الله لمعاداته بان يصفه "اساطير الاولين"نظرا لكثرة الاساطير التي سلقتها الالسن ، لذا فمن الطبيعي على من استحب الكفر على الايمان ان يلجأ الى اي اسلوب يثنيه عن الايمان بالله وتصديق الرسول ،ثم ان الكثير من المعجزات حدثت امام مراى الناس كحادثة ابراهيم وحادثة الطوفان التي اختلطت ماهيتها على الناس بين الاسطورة والمعجزة..

وعليه فان اوجه التشابه والاختلاف بين الاسطورة والمعجزة يتجسد بالاتي:

-ان المعجزة من الله جل وعلا بينما الاسطورة من صنع الانسان.

-تحتاج المعجزةالى قدرات خارقة للقيام بها،فيما تحتاج الاسطورة الى خيال خارق.

-ان المعجزة آية  تحدث بسبب يرتأيه الله سبحانه وتعالى فتكون كرد فعل لعمل ما،كأن تاتي على قوم كفار فتكون المعجزة عقابا او ان تكون ثوابا كحادثة ابراهيم اي انها تحدد بزمان ومكان،فيما لاتتطلب الاسطورة ذلك.

- المعجزة امر خارق للطبيعة يقوم بها الله دعما لانبياءه لتكون دليلا على صدقهم ومدعاة لتصديقهم،فيما تكون الاسطورة عمل انساني بطولي لقصة خرافية مسّطرة.

-المعجزة تترك اثرا واضحا على مرأى ومسمع الناس باعتبارها آية تستند الى واقع حقيقي ملموس،فيما تعتمد الاسطورة على الخيال الغيبي او السحر الزائل!

وهكذا فأن المعجزة اختص بها الله في عباده ومخلوقاته وظهر الاعجاز واضحا في كل مرافق الحياة ،بينما اقتصرت الاسطورة على عمل نعتبره الان وبعد مرور السنين عملا ادبيا روى احداث خيالية عن ابطال خياليين.

 

مريم لطفي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم