صحيفة المثقف

الفنان ليوناردوا دافنشي.. عالماً طبيعياً!

محمود محمد عليكان العلم الأوروبي عند مطلع العصر الحديث، كما يري أستاذنا الدكتور فؤاد زكريا، علماً ميكانيكياً فى المحل الأول. فالميكانيكا نفسها كانت أهم العلوم وأدقها وبفضلها تحققت مجموعة كبيرة من كشوف القرنين السادس والسابع عشر. والأهم من ذلك أن نموذج المعرفة ذاته كان هو النموذج الآلي ؛ أعنى أنك تستطيع أن تفهم الظواهر على أفضل نحو إذا ما استطعت أن تنظمها فى نسيج تكون فيه كل منها مؤدية إلى الأخرى بطريقة آلية خالصة . بل إن الكون كله كان آلة ضخمة تسير فى عملها بانتظام الساعة الدقيقة . وعلاقة الله بالعالم أشبه بعلاقة الصانع بصنعته؛ بمعنى أن العالم قد صنع متقنناً منذ البداية، ويظل يسير بعد ذلك بنفس الدقة والانتظام اللذين صنعا بهما.

ولقد كان دافنشى خير من يمثل هذا الاتجاه فى عصر النهضة؛ حيث رأى فى الميكانيكا أساساً للعلوم الطبيعية التى تقوم على مفاهيمنا للمادة ولحركتها فسجل العبارة التالية: " الميكانيكا فردوس العلوم الرياضية، إذ أن فيها نصل إلى ثمار الرياضيات "

Mechanics is the paradise the mathematical science because by means of it comes to the fruits of mathematics.

وبلغ تقديره لأهمية العلوم الميكانيكية أقصاه؛ حيث يقول: " يطلق توصيف الميكانيكي على تلك المعرفة، التى تولد من التجربة، بينما المعارف التى تتولد من العلوم، وتنتهى فى العمليات اليدوية، فإنها تسمى عندئذ بالعلوم نصف أو العلوم شبه الميكانيكا " .

إن تقدير دافنشى لعلوم الميكانيكا كان له أثره فى أن يصبح واحداً من كبار المهندسين والمصممين للآلات فى عصره ؛ حيث كان مهتما بشكل خاص بمشاكل الاحتكاك والمقاومة وتوصيف عناصر مثل أسنان اللولب والتروس والرافعات الهيدروليكية وأجهزة التدوير وتروس الثقل، وما شابه ذلك بصورة فردية أو فى مجموعات متنوعة، وبمرور الزمن اختلط اهتمامه بالميكانيكا التطبيقية . كما أدرك دافنشى أن القوى الميكانيكية العاملة فى القوانين الأساسية للميكانيكا تعمل فى كل مكان سواء العالم العضوي أو غير العضوي . وهكذا فإن القوة أصبحت فى النهاية المفهوم الأساسي بالنسبة لدافنشى وكخاصية روحية فإنـها كانت تشكل وتحكم الكون .

وأينما فحص دافنشى ظواهر الطبيعة، كان يعترف بوجود قوى أولية تحكم شكل ووظيفة الكون . ففى دراساته عن طيران الطيور التى اتخذت فيها فكرته الشبابية عن إمكانية أو جدوى أداة الطيران شكلا قد أدت به إلى بحوث شاملة فى عنصر الهواء.

وفى دراساته للماء التى اهتم فيها بالخواص الطبيعية يقدر اهتمامه بقوانين الحركة والتيارات . وفى بحوثه عن قوانين نمو النباتات والأشجار. وكذلك التكوين أو التركيب الجيولوجي للأرض وتشكيل التلال .

وأخيراً فى ملاحظته لتيارات الهواء التى تستحضر لهب شمعة أو صورة خيط رفيع من سحاب ودخان . وفى رسوماته – خاصة فى دراساته عن الدوامات بناء التجارب العديدة التى قام بها، وضع دافنشى مرة أخرى شكلاً للتمثيل ينطبق على أسلوب معين كان من تصميمه هو نفسه، وكان هذا يتضمن تقسيم الظاهرة إلى أجزائها المكونة لها – خطوط الماء والتيارات الدائرية للدوامات . ولكنه فى الوقت نفسه يحتفظ بالصورة الكاملة والرؤية التحليلية والتجميعية . وهكذا فإنه بالنسبة لكل المجالات الفردية المنفصلة لمعرفة علم الطبيعة، قدم دافنشى صورة موحدة للعالم: نظرية لنشأة الضرورة وقانون الانسجام اللذين خلقهما الله" .

وانطلاقاً من هذا يرى بعض الباحثين أن دافنشى: " كان عبقرية تكنولوجية لا مثيل لها، ففي أعماله تتحول التقنية إلى تكنولوجيا، تحولا تعبر عنه أقواله حول الأهمية المطلقة للتجربة، التي يدعى هو أنه تلميذها بالنسبة إلى التأمل الفلسفى وإلى المعرفة الكتبية، والتي ليست على الأقل إلا قاعدة لبناء النظرية التى تحل محلها وتخالفها، تحول نادى به تصريحه الشهير القائل بأن الميكانيكا هى فردوس الرياضيات، حيث تعطى الرياضيات كل ثمارها، الميكانيكا تتحول من  فن تجريبى إلى علم تطبيقى، والتالي إلى علم مغلق أمام كل أولئك الذين ليسوا مهندسين، تحول حققته مشاريعه الآلية التى سبقت زمنه، والتى لا تقدم لنا صوراً كما تقدم المجموعات التقنية من القرن الخامس عشر والسادس عشر، بل مشاريعاً محسوبة ومنجزة بالمقاييس مثل الرسوم الجيومترية .

وتبين مذكرات دافنشى ذلك؛ حيث تحوى دراسات وبحوث تجريبية قيمة في مجال الهندسة الميكانيكية، ومن بين هذه الدراسات والأبحاث أنه وصف وبين بالرسم كثير من الاقتراحات للمخترعات الحربية التى تشمل الدبابات والمدافع والبنادق .

ومما يدل على ذلك تلك الرسالة التى أرسلها إلى الأمير" لود فيكو سفورزا " والتى بين مواهبه فى مجال الهندسة الحربية، حيث يقول فيها:  " سيدي الأجل الأفخم، لقد اطلعت الآن إطلاعاً كافياً على جميع البراهين التى يتقدم كل أولئك الذين يحسبون أنفسهم أساتذة فى أدوات الحرب، فتبين لي أن اختراع هذه الآلات السالفة الذكر، واستخدامها لا يختلفان فى شئ عن الآلات والطرق التى تستخدم الآن، وقد جرأني هذا على أن أتصل بعظمتكم دون أن أبغى فقط الإساءة إلى أحد غيري، لكي أكشف لكم عما عندي من الأسرار، ثم أعرض عليكم بعدئذ، إذا سركم هذا أن أشرح لكم شرحا وافيا فى الوقت الذى يوائمكم جميع الأمور التى أوجزها فى هذه الرسالة، وهى على النحو التالي:-

1- إنى أستطيع بناء جسور نقالة عظيمة الفائدة فى مطاردة العدو أثناء الحرب أو الفرار منه بنجاح. وهى جسور خفيفة وقوية فى آن واحد، كما يسهل فكها وتركيبها بسرعة فائقة.

2- فى حالات الحصار المضروب على قلعة للأعداء يمكنني بوسائلي الخاصة، تفريغ المياه التى تملأ الحفر والخنادق من حولها. وعندي لهذا الغرض آلات حديدية وسلالم تنفع فى تسلق الجدران العالية.

3- إذا كان هناك نهر يمنع الاشتباك بين جيشين، فأنا أستطيع تغيير مجرى النهر وتحويله ضد العدو . كما أحسن حفر الخنادق والأنفاق تحت الأرض بحيث يتمكن المهاجمون من بلوغ القلعة المحاصرة فى سرية تامة ومباغتة العدو من الداخل .

4- أستطيع بناء مركبات مصفحة بالحديد ومجهزة بالمدافع وقاذفات النيران . كما أن بمقدوري صناعة قنابل يدوية محرقة تلتهم جنود العدو عند الهجوم .

5- فى أيام السلم أستطيع أن أحوز رضاكم التام فيما يختص بتشييد العمارات والأبنية والجسور فوق الأنهار وإقامة السدود ومد الأقنية الصالحة للري. وبوسعكم أن تتأكدوا من ذلك .

وبناء على ذلك يذكر بعض الباحثين أن دافنشى قد رحل إلى مدينة " ميلانو" بعد أن رد عليه الحاكم مشجعاً . وبدأ عمله هناك كمستشار فني لأعمال استكمال " كاتدرائية ميلانو"، ثم قام بتصميم بعض الآلات التى كان قد وعد لود فيكو سفورزا بها .

ويذكر " ول ديورانت " في كتابه "قصة الحضارة"، أن دافنشى فكر فى وضع كتاب يبين كيف تصد الجيوش بقوة الفيضان الناشئ من إطلاق المياه، وكتاب يبين كيفية إغراق الجيوش بسد المياه التى تجرى فى الوديان، ووضع تصميماً لأدوات تقذف بطريقة آلية وابلاً من السهام من سطح دوار، ولرفع المدافع على عربات، وإسقاط سلم مزدحم بقوة محاصرة تسلق الجدران، وأغفل " بورجيا " معظم هذه الأدوات لأنه ظنها عملية، واكتفى منها بتجربتين أو ثلاث فى حصار " تشيري"  عام 1503 .

واعتمدت طريقة دافنشى على تحويل كل مشكلة تصادفه إلى فحص منطقي للمبادئ الأساسية الخاصة بها، سعياً وراء الحصول على الهيئة المثلي لطريقة الحل . ويتضح ذلك حين اشتدت رغبته فى استئناف طريقة عمل من المحامل والوصلات والتروس، وغير ذلك من آليات نقل الحركة الميكانيكية.

ولم تقتصر جهود دافنشى على ابتكار الآلات الحربية، بل كانت له إسهامات أخرى فى العلوم الميكانيكية، منها كما يذكر بعض الباحثين أنه عمل فى ميلانو مهـندساً للهيـدورليكا، حيـث قام بتعديل بوابات الأهوسة المقامة على القنوات ( عن طريق إنشائها بزوايا محدودة للصمود فى مواجهه الماء)، وخاصة أهوسة قناة " ماريتزانا "، وقد انبهر دائماً بالقدرات الهائلة للحياة الجارفة . كما صور فى لاسكتشاته عشرات الآلات التى أدخل عليها  تحسينات " .

وامتد نشاطه إلى تخطيط بعض المدن، وقد كتب فى ذلك يقول: "يجب أن تقام المدينة إلى جانب نهر لا تعكر مياهه الأمطار، يجب أن يكون ارتفاع أبنية هذه المدينة فى مستوى واحد، ويجب أن يدخلها النور والهواء وتسودها النظافة وتنشأ فيها ميادين فسيحة واسعة .

ثم يستطرد فيقول: ويجب أن تكون فى هذه المدينة نوعان من الطرق: طرق مرتفعة أو معلقة تزدان بنوع من الأناقة، وطرق منخفضة أو سراديب تسير تحت الأرض ترتفع رويداً رويداً عن المياه الصافية، ويرتفع منها الطين المتراكم باستمرار بواسطة الكراكات والمجاريف .

وكان دافنشى يتعمق فى رسومه إلى أحط حاجيات المعيشة، وكان يصمم الغرف موزعة أحسن توزيع، بحيث يدخلها النور والهواء، ويضع لها مدخنة تبقى الأخشاب مستعرة على الدوام .

وبجانب اهتمام دافنشى بإصلاح البيئة، كانت له اسهامات علمية فى الكشف عن آلات أخرى منها كما يذكر كراوذر أنه صنع آلات لخيوط بأشكال لولبية، وسار من خلال التجربة إلى الطريق الصحيح الموصل لاختراع الساقية، وأبتكر كماحات (فرامل ) ذوات سيور، وترساً لمضاعفة سرعة الحركة ثلاثة أضعاف، ومفتاحا مضبباً قابلاً للضغط ، وترس آلة للف المعادن وتدويرها، وقاعدة متحركة لآلة طباعة، وترساً ينغلق من تلقاء نفسه لرفع سلم . وأحياناً فكر دافنشى فى تعديل الآلة البخارية التى قال بها " هيرو الاسكندرى ". كما اثبت بالتجربة كيف يستطيع الإنسان بالضغط فى مدفع أن يرمى قذيفة من الحديد على مدى ياردة . وأبتكر وسيلة للف الخيط وتوزيعه بالتساوي على مغزل دوارا ومقص ينفتح بحركة واحدة من حركات اليد.

هذا بالإضافة إلى أنه وضع تصميماً لمرابط الخيول التى يمكن حفظها نظيفة وللمداخن التى تدور مع الهواء كى لا يدخل الدخان الحجرات، كما وضع تعديلات متقنة لآلات النسيج، وكانت مقترحاته ورسوما ته تشمل ألآت لصنع الحبال وآلات خيوط الحرير، وقطع الأقمشة، وآلة لإزالة الوبر، ومقص الحرير والأقمشة، وقبعات الصوف.

من ناحية أخرى، فقد كان لتقدير دافنشى للميكانيكا أثره الفعال فى أن يقوم بدراسات تجريبية فى أصول هذا العلم من استاتيكا وديناميكا. ففي مجال الاستاتيكا بحث دافنشى فى مركز الثقل، وفى مبدأ الرافعة وجمع للقوى وتحليلها، وقد كان دافنشى على علم بما توصل إليه أرسطو وأرشميدس فى هذا المجال .

فمثلاً حول مركز الثقل قام دافنشى بدراسات تجريبية توصل من خلالها إلى أن مركز الطبيعي يقسم الجسم إلى جزأين متساويين، فهو يوضح ذلك فيقول: " يستقر مركز الثقل لكل جسم معلق تحت نقطة ارتكازه، وبذلك يطلق اسم الخط المركزي على الخط المستقيم الذى يتصوره المرء ممتدا من الجسم .

كما كان دافنشى على بينة من أن مركز الثقل يمكن أن يقع خارج الجسم نفسه، حيث يقول: " يحدث  أحياناً أن يوجد مركز الثقل خارج الثقل، أو بعبارة أخرى فى غير نطاق المادة أى الهواء؛ كما توصل دافنشى أيضاً إلى الحقيقة القائلة بوجوب وقوع مركز ثقل داخل نطاق قاعدته كشرط أساسي لتوافر حالة الاتزان له، وفى هذا يقول: " تتناسب الأوزان أو القوى تناسباً عكسياً مع أطوال أذرعتها مقاسه من نقطة الارتكاز الرافعة عندما تكون المجموعة فى حالة الاتزان؛ كما عرف دافنشى مبدأ الرافعة الذى نادى به أرشميدس، وحاول أن يصوغ قانونه، فأكد بأنه بقوم على بديهيتين:-

الأولى: أن الجسمين المتساويين يكونان متساويين وزنا إذا علقا على بعدين متساويين من نقطة الارتكاز.

الثانية: أنهما إذا لم يكونا على بعدين متساويين من نقطة الارتكاز، فإن أبعدهما يهوى إلى أسفل .

وبعد أن صاغ دافنشى مبدأ الرافعة الذى قال به أرشميدس، عرج إلى تطبيقاته، ومنها مثلاً الموازيين ودارة اللف، أو المرفاع الصغير، وفيها يحصل على ما يعرف بالفائدة الميكانيكية، حيث نسلط قوة صغيرة نسبياً لنتغلب على قوة أكبر، وقد أولى دافنشى عناية خاصة للموازين ذات التدرجات التى يمكن قراءتها معرفة الوزن المطلوب مباشرة، وطبق هذه الفكرة فى قياس درجة رطوبة الهواء، حيث يزيد الوزن على الكفة التى تحمل المادة الممتصة للرطوبة، وبذلك يمكن تحديد كميتها.

ومن ناحية أخرى تناول دافنشى فى مذكراته دراسة مسألة جمع قوتين أو سرعتين فى اتجاهين، كما تعرض أيضا للمسألة العكسية، وهى تحليل قوة ما إلى قوتين فى اتجاهين معينين .

ويؤكد الدكتور "جلال شوقي "، أن أرسطو قد توصل إلى إيجاد محصلة قوتين متعامدتين على بعضهما البعض منذ زمن بعيد، ولكن دافنشى لم يقصر دراسته على هذه الحالة الخاصة، وإنما تعداها إلى الحالة العامة التي تتخذ فيها إحدى القوتين – أي وضع مائل مع القوة الأخرى . وقد وقف دافنشى على فكرة وجود قوة محصلة تحدث نفس تأثير القوتين مجتمعتين، واستعان فى حل مسألة تحليل القوة برافعة افتراضية في وضع متعامد مع خط عمل القوة المراد تحليلها، وبذلك يكون دافنشى أول من أدخل فكرة العزم فى الاستاتيكا، كما أنه أول من توصل إلى مركبات القوة عن الشد في الحبال الحاملة للثقل".

وفى مجال الديناميكا، يعتبر دافنشى بحق من رواد علم الديناميكا، إذ كانت الدراسات السابقة لعصره تتناول أساساً علم الاستاتيكا، ومن ثم فقد عمل دافنشى فى حقل بكر كان له فيه فضل واضح، وقد تعرض دافنشى للقوانين التى تنظم حركة الأجسام، واكتشف بالفعل قانونين من قوانين الحركة الثلاث التى نعرفها اليوم، وذلك قبل أن ينشرها اسحق نيوتن فى كتابه بحوالى مائتي عام . كما تناول دافنشى بالدراسة أيضاً حالة خاصة من القوة هى قوة الجاذبية.

حقاً لقد تعرض دافنشى للقوانين التى تنظم حركة الأجسام، فاستنتج بالتجربة أن الجسم لا يتحرك من تلقاء نفسه، وإنما يحركه غيره، وجميع أنواع الحركة تميل إلى الاستمرار، أو أن الجسم المتحرك يستمر فى حركته ما دام واقعاً تحت تأثير المتحرك . كما توصل دافنشى بالتجربة أيضا إلى أنه إذا تحرك جسم تحت تأثير قوة مسافة معينة فى زمن محدد، فإن نفس القوة ستجعل جسما له نصف الكتلة بتحرك ضعف المسافة البادئة فى نفس الزمن .

كما توصل دافنشى بالتجربة إلى أن لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له فى الاتجاه، وقد أوضح ذلك عند تحليله لعمل الباراشوت، حيث قال: " أن مقاومة الجسم للهواء تعادل مقاومة الهواء للجسم. أنظر كيف يستطيع النسر أن يحلق فى أجواء شديد الخلخلة بضرب أجنحته فيه. شاهد أيضاً كيف يملئ الهواء المتحرك فوق البحر الشرع المنتفخة، وكيف تسير السفن ذات الحمولات الكبيرة، من هذه الأمثلة وللأسباب المبينة قد يستطيع كيف يتغلب على مقاومة الهواء، وينجح فى غزوه ورفع نفسه فوقه " ؛  كما تحدث دافنشى عن حالة خاصة من القوة هى قوة الجاذبية، تلك القوة التى تؤدى إلى سقوط الأجسام على مركز الأرض متبعة فى ذلك أقصر الطرق وهو الخط المستقيم، فكتب عن سقوط الأجسام قائلاً: " إن الجسم الذى لا يعوقه عائق يتخذ أقصر طريق فى سقوطه على الأرض، وفى الهواء منتظم الكثافة تزاد سرعة حركة الجسم فى سقوطه من لحظة إلى أخرى " .

ويذكر الدكتور " جلال شوقي" بأن دافنشى قد أجرى تجربة بإلقاء كتلة ثقيلة من أحد الأبراج، فلاحظ أن الأجسام الساقطة تحيد بعض الشئ عن موضع تلاقى الخط الرأسي المسقط من البداية إلى الأرض، وقد وجد أن هذا الانحراف يأخذ  اتجاهاً شرقياً، وقد عزا دافنشى وصف مسار الجسم الساقط بأنه يجمع بين حركة خطية مستقيمة، وأخرى منحنية، وسبب الحركة الخطية المستقيمة إلى مركز الأرض، وأنها  حركة خطية فى ذاتها، وفى كل نقطة من المسار.

كما بحث دافنشى فى القوى التى تؤثر على جسم موضوع على سطح مائل، وبين أن الجاذبية تؤثر على الجسم فى اتجاهين، احدهما عمودي على المستوى المائل، والآخر فى اتجاه المستوى المائل . كما بين أيضاً أن نسبة سرعة كرة منزلقة على مستوى مائل إلى سرعة جسم ساقط لا يعوقه عائق، كنسبة ارتفاع الجسم الساقط إلى طول المستوى المائل .

مما سبق يتضح لنا أن دعوة دافنشى إلى تطبيق العلم على مجال الصناعات تمثل أول مظهر من مظاهر التحول الفلسفي فى عصر النهضة الذى هيأ الأذهان قبل فرنسيس بيكون لقبول فكرة الآلية ووضع الأساس الفكرى للعصر الصناعي الحديث .

 

د. محمود محمد علي

قسم الفلسفة وعضو مركز دراسات المستقبل – جامعة أسيوط

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم