صحيفة المثقف

استراليا.. الحقيقة اولاً

عباس علي مرادإن قلب الأمة كان "جيداً ولكنه يحتاج إلى أن يتعافى"

The heart of the nation was “good but it needs healing

النائب الفيدرالي رسل برودبانت من ولاية فكتوريا من حزب الأحرار


في السادس والعشرين من  كانون الثاني من كل عام الذي يصادف اليوم الوطني الأسترالي والذي يعتبره السكان الأصليين (الأبوريجنال) يوم الغزو يتصدر الحدث المشهد السياسي في استراليا.

هذا اليوم الذي رفع فيه الكابتن ارثر فيليب العلم البريطاني في خليج مدينة سدني، وذلك بعد يومين فقط من وصوله إلى البر الأسترالي، وأعلن أن المنطقة أصبحت تابعة للعرش البريطاني، يعتبر يوماً مثيراً للجدل من عدة جوانب أبرزها التهرب من مواجهة الحقيقة التاريخية لمعاناة سكان البلاد الأصليين.

منذ أكثر من مئتي عام  بدأت معاناة السكان الأصليين المتواجدين في هذه البلاد منذ ستين ألف عام مع المستوطنين الجدد الذين عملوا على إبادتهم بشتى الوسائل والتي شملت ايضاً نقل الأمراض المعدية لهم.

رغم إعلان الفيدرالية الأسترالية عام 1901 إلا أن السكان الأصليين لم يُعْتَبروا جزءاً من السكان حتى العام 1967 حيث شملهم الإحصاء أول مرة. ومع ذلك بقيت الحكومات الأسترالية الفيدرالية المتعاقبة وحكومات الولايات تتجاهل حقوق هؤلاء السكان وترفض الإعتراف بمعاناتهم والإعتذار منهم رغم بعض عمليات التجميل السياسية الآنية.

الخطوة الأبرز في مسيرة المصالحة والمصارحة  كانت عام 2008 حيث قدم رئيس الوزراء العمالي كيفن راد الإعتذار عن ممارسات الحكومات الأسترالية بحق الأجيال المسروقة، والتي اعُتبرت نوع من الإبادة الثقافية حيث كان يتم انتزاع أطفال السكان الأصليين من ذويهم بعد الولادة ونقلهم إلى المؤسسات الدينية والحكومية والعائلات من خلفيات انكلوسكسونية لتنشئتهم.

رئيس الوزراء سكوت موريسن كان له موقف ملفت ومثير للجدل بهذه المناسبة قائلاً: "ان هذا اليوم لم يكن يوم سعيداً" لأولئك الذين وصلوا إلى هنا على متن الأسطول الأول، مشيرا إلى معاناتهم خلال الرحلة، وكأن رئيس الوزراء يريد المقارنة بين معاناة السكان الأصليين على يد المستوطنين الجدد!

رئيسة ولاية نيو سوث ويلز غلاديس بيرجكليان والتي لا تؤيد تغيير تاريخ يوم استراليا، قالت أن يوم 26 كانون الثاني يسبب الألم للسكان الأصليين وأضافت انه لديها أمل في ان استراليا اقرب إلى ان "تكون شعباً واحداً حقاً" وأن البلاد لا تزال تتطور لكن لا ينبغي إنكار أي جانب من تاريخنا، أو المعالم الرئيسية التي جعلتنا الأمة التي نحن اليوم، وأضافت " لكن ما زال لدينا الكثير لإنجازه".

واتخذ وزير شؤون السكان الأصليين في نيو ساوث ويلز دون هاروين موقفاً مماثلاً لموقف بيرجكليان مضيفا انه يمكننا أن نعمل معاً نحو مستقبل أكثر توحيداً.

لكن النائب في مجلس الشيوخ في الولاية من حزب الخضر ديفيد شوبريدج انتقد تصريحات بيرجكليان قائلاً: "إنها تفتقر إلى البصيرة وانعدام القيادة" وقال: " ان الإصرار على الإحتفال بيوم استراليا في اليوم الذي يصادف بداية الغزو أو السلب أو العنف المستمر ضد السكان الأصليين يزيد من انقساماتنا.

السيدة اونتي كاثرين دودد فيرول من قبيلة وانجو باري من السكان الأصليين قالت: ان السيدة بيرجكليان لم تأتِ بجديد وانها تردد نفس المعزوفة القديمة، وأضافت اننا لن نكون شعباً واحداً حقاً حتى يتم الإعتراف بنا في الدستور وفي مناهج التعليم.

المتحدث باسم المعارضة العمالية في الولاية لشؤون السكان الأصليين ديفيد هاريس قال ان التغيير يأتي من خلال قول الحقيقة، وبحث مسالة المعاهدة مع السكان الأصليين والخطاب العام حول تاريخ استراليا وهذا لا يتعلق بيوم واحد، إنما يتعلق بما حدث على مدار 250 عامًا الماضية من الشواذات، وكيف تسبب ذلك في ألم الأجيال ، والذي سنظل نراه من خلال النتائج السيئة على السكان الأصليين.

الموقف الأبرز الذي كان ملفتاً للنظر جاء من النائب الفيدرالي رسل برودبانت من ولاية فكتوريا من حزب الأحرار، حيث حث حزبه لإعادة النظر بموقفه من بيان اولوروو للسكان الأصلين المعروف ببيان من القلب والذي أصدره السكان الأصليون بعد  المؤتمر الدستوري الوطني الأول للسكان الأصليين الذي استمر أربعة أيام وعُقد في اولوروو عام 2017 وحضرته أغلبية قيادات مجموعات  السكان الأصليين.

  وأضاف النائب برودبانت: لقد حان الوقت للإعتراف رسميًا بالماضي والسعي للمغفرة والتسامح وقبول الدعوة السخية للسير معًا كما جاء في بيان من القلب.

ويدعو البيان إلى تمثيل السكان الأصليين في الدولة من خلال الإعتراف بهم في الدستور، ورفض المشاركون في المؤتمر أي تمييع وإلتفاف على البيان من خلال اللجوء إلى مشاريع القوانين لتمثيل السكان الأصليين.

زعيم المعارضة الفيدرالية انتوني البانيزي قال إن حزب العمال سيظل ملتزماً ببيان أولوروو وإن استراليا بحاجة إلى العمل على كيفية تجنب الجدل المثير للإنقسام الذي يحدث في كانون الثاني/ يناير من كل عام، وتابع إن 26 كانون الثاني قد يكون موعدًا مستقبليًا للتصويت الناجح للإعتراف الدستوري بالأستراليين الأوائل.

 أما الأكثر غرابة فكان موقف وزير السكان الأصليين الأسترالي الفيدرالي كين وايت من حزب الأحرار (وهو من السكان الأصليين) الذي جادل بأن تغيير الدستور عملية محفوفة بالمخاطر، حيث لم ينجح الا ثمانية استفتاءات للرأي فقط من أصل 44 استفتاءاً في تاريخ استراليا الحديثة. وقال وايت انه بدلاً من إجراء استفتاء يجب أن يتم تشريع نموذج  تمثيل السكان الاصليين المقترح قبل الانتخابات القادمة.

استراليا والتي تعتبر دولة رائدة على أكثر الصعد، لا يمكن لها إن تستمر في دفن رأسها في الرمال والهروب إلى الأمام من مواجهة الحقيقة والإعتراف بماضيها وبما فعله المستوطنون البيض بحق السكان الأصليين  وذلك من أجل مصالحة حقيقية تعزز ازدهار البلاد، لأن التجاهل سيبقي الجرح مفتوحاً مع ما يكلف ذلك البلاد من النواحي الثقافية،الإنسانية، الإجتماعية وحتى الإقتصادية.

إذن، المطلوب خطوات شجاعة لدفع المصالحة إلى أبعد من مجرد زيادة الوعي على أهميته، ولا نبقي الإعتماد على إستطلاعات الرأي لأن الأمر لا يمكن النظر إليه من خلال  تلك الإستطلاعات  التي قد يكون لها بعض المصداقية حول نتائج الإنتخابات، لكن مسألة تقرير مستقبل أفضل تتطلب قيادة وطنية تضع خطة طريق وطنية مستقبلية لملاقاة طروحات السكان الأصليين وتمتين أسس البناء الوطني الذي يرتكز إلى القوائم الديمغرافية الثلاث (السكان الأصليين، المستوطنين والمهاجرين).

 

عباس علي مراد

سدني

    

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم