صحيفة المثقف

تلازماتُ كُلَّما ..

كريم الاسدي مثنويّات ورباعيّات عربية

كُلَّما أُقْفِلَ دون الماءِ سدٌ ورتاجْ

صعدَ الماءُ الى الغيمِ ولم ينفعْ مع الغيمِ سياجْ

**

كُلَّما أمعنتُ في الذكرى أرى الذكرى شموساً ونجوماً وضياءْ

وطيوراً في زغاريدِ الزفافْ

ونخيلاً واقفاً فوق الضفافْ

ومياهاً تكتب النعمى وتهديها الى قلبِ السماءْ

**

كُلَّما مرَّ بغاباتِ نخيلِ الشطِّ ليلْ

مرَّ في ذاكرةِ السعفِ مِن العشّاقِ سيلْ

**

كُلَّما تعبرُ في الليلِ الى ذاك المقامْ

غنِّ ما أوسعَكَ الليلُ ترَنَّمْ

فصدى الأصواتِ فوق الكونِ خيَّمْ

شيَّدَ الشرقُ بهِ أُسَ مقامٍ فوق أنحاءِ مقامْ

**

كُلَّما أسعى الى رؤيتِهم تسبقُني الرؤيا اليهمْ

فهمُ الأنهارُ في هيماءِ عمري، وأنا الأمواهُ فيهمْ

**

كُلَّما أذكرُهم طارَ الفؤادْ

نحو آفاقِ الهوى الأولِ والبيتِ البعيدْ

أترى : أسرابُ طيرٍ أَم نبؤاتُ وعيدْ

ملأتْ آفاقَهم ثمَّ بدتْ في خافقي أُفْقاً بلا حدٍ على رغمَ البعادْ

**

كُلَّما جاءَ بريدُ البدرِ نحو العاشقينْ

صعدَ الماءُ الى الجرفِ وآخى بين أعراقٍ وطينْ

**

 كُلَّما غنَّتْ طيورُ الشرقِ لحنَ الشرقِ في الغربِ الغريبْ

 قلت انَّ الشرقَ للعالَمِ دارْ

 وبه تبتديءُ الشمسُ المسارْ

 ولهُ يرجعُ مقرورٌ وتوّاقٌ الى دفءٍ وطيبْ

**

 كُلَّما تنفلقُ الأكوانُ عِن جِنٍّ من الشِعرِ جميلْ

 يرجعُ العالَمُ مبهوراً ومسحوراً الى أصلِ النخيلْ

**

 كُلَّما يطلعُ من بين ثنايا الشوكِ وردْ

 يطلع الشِعرُ الى الأكوانِ ـ رغم الجمعِ ـ فردْ

**

 كُلَّما نمضي نرى الأطلالَ تمشي كالقصورْ

 بينَ أيامٍ سنحياها ونمضي

 ربما نصمتُ حيناً أو سنفضي

 بعد حينٍ حينَ لايجدي العبورْ

**

 كُلَّما اشتقتُ لنورِ الشرقِ في الغربِ مشيتْ

 نحو بيتِ الشمسِ فوق الغيمِ سرّاً وسريتْ

**

  كُلَّما أمكثُ في بيتي في المنفى كأن البيتَ مقهىً في قطارْ

 وكأن العمرَ ـ ماأمتدَ ـ انتظارٌ لرحيلٍ في مطارْ

**

 كُلَّما أهتفُ بالشرقِ بأنْ يشرقَ من سِفْرِ السباتْ

 ويعيدُ الشمسَ روحاً من رياحٍ وشموسْ

 عمدَ الشرقُ الى نوم غيابٍ وايابٍ للمماتْ

 وتلاشى الأملُ الأزرقُ في غيمِ ظنونٍ وحدوسْ

**

كُلَّما أُوقفَ في نهرٍ من الأنهارِ نبضٌ لحياةْ

 وقفَ النجمُ حداداً وشكا البدرُ المماتْ

 **

 كُلَّما نوغلُ في الحبِ الى الحبِ نجوعْ

 ويضيءُ البدرُ في أحداقِنا قبلَ السطوعْ

**

كُلَّما أشعلُ في القلبِ مِن القلبِ مواقدْ

كي تمدَّ الروحَ دفئاً وضياءْ

هطلَ الكونُ على دنياي ثلجاً وجليداً وجلامدْ

وأحالَ الكونَ قطبينِ وأزماني شتاءً ماسكاً كفَّ شتاءْ

**

كُلَّما يممتُ وجهي ويمامي شطرَ أهلٍ وديارٍ وحبيبٍ ووطنْ

عاد نحوي طائرُ الدوحِ وقالَ : الدمُ انهارٌ وقد غطى ذرى النخلِ ولمْ يبقَ على الأرضِ سكنْ

 **

كُلَّما دللتُ انثايَ فقالتْ انها ماشهدتْ في الأرضِ عشقاً مثل عشقي

واستحالتْ جمرةً في وردةٍ أو ردةً في قلبِ جمرَهْ

وطغى نهرُ المحبين فيوضاً وصفاءً وبهاءً ومسرَّهْ

منحَ الشرُّ الى العذّال والأنذالِ والأوغادِ والحسّادِ سحرَّهْ

**

كُلَّما أبدعتُ خَلْقاً ثمَّ دارتْ مِنْ مدارِ الكونِ في داري نجومٌ وكواكبْ

جاءَ قزمٌ من جحورِ الأرضِ كي يشعلَ في داري حريقاً وجذاذاتِ مصائبْ

**

كُلَّما غنيتُ لحناً يسطعُ النجمُ بِهِ نحوَ العراقْ

دمدمَ الرعدُ ورُصتْ سحبٌ حمرٌ لكي ينشبَ مابينَ النجومِ الزهرِ والأرضِ الفراقْ

 **

كُلَّما ساءلتُ نفسي: ماالذي يحتاجُهُ العالَمُ منّا بعد كيْ نحيا الحياةْ

فلنا في الخُلقِ تهذيبُ طباعْ

ولنا في الخَلقِ صولاتٌ وباعْ

عاد لي الصوتُ صدىً يحكي بأنَّ الأمرَّ مرهونٌ بتقريرِ بَغيٍ وطغاةْ

**

كُلَّما فكَّرتُ أنْ أُنشئَ بيتاً ينتشي بالحبِّ أهلاً في مكانٍ أو مدينهْ

وزرعتُ الأملَ الأخضرَ في روحي بهيّاً وبهيجْ

وأنتظرتُ الفجرَ نوراً ومياهاً ونسيماً وأريجْ

خانني الأِنسانُ خلَّاً وصديقاً ضارباً رقماً قياسياً بأِبداعِ الضغينهْ

**

كُلَّما قلتُ وجدتُ الصاحبَ الباذلَ للناسِ عطاءً وسخاءً وودادْ

ذاكَ مَنْ يسعى لكي يُسعدَ في جائحةِ الأحزانِ أهلاً وصديقْ

ذاكَ مَنْ يعصرُ ما في الروحِ كيْ يُطفِيءَ في البيتِ الحريقْ

جاءَ عزرائيلُ سيّافاً وسبّاقاً لكي يصحبَهُ رغماً الى ذاكَ الطريقْ

***

شعر:  كريم الأسدي

..........................

ملاحظات:

1- هذه المقاطع التي كتبتها في برلين نُشرت في الملحق الأدبي والثقافي لجريدة النهار البيروتية في 21 كانون الأول 2009، كما القيتها ـ أو بعضَ مقاطع منها ـ في بعض الأماسي الشعرية التي أقيمت لي في برلين أو خارج المانيا ولم أغيِّر فيها شيئاً الآن ما عدا بعض اللمسات الطفيفة جداً كمَّاً ونوعاً، سوى المقاطع الثمانية الأخيرة فقد كتبتها وأضفتها حديثاَ يوم 23 كانون الثاني 2021 في برلين . 

 2 - هذا النص جزء من مشروع شعري طويل اسمه (مثنويّات ورباعيّات عربية) أعمل منذ أعوام على أِنجازه واتمامه في الف مقطع ومقطع من المثنويات والرباعيات سيحاول محاورة التراث الشعري والأدبي الشرقي والعربي والإنساني وتتنوّع مواضيعه لتشمل الوجود، الحياة، العالَم، الانسان، الزمان، المكان، الأرض، الوطن، الذكريات، الأِغتراب، الحنين، وثنائيات الحب والحقد، الصداقة والعداوة، السلام والحرب، الحياة والموت، الوفاء والغدر، النبل والنذالة، الشجاعة والجبن، الكرم والبخل، النقاء والزيف، الأِخلاص والخيانة، وسيتضمن أشعاراً من بحور الشعر العربي العمودي وايقاعات وطرق مختلفة أو مبتكرة من شعر التفعيلة أو ما يُسمى أيضاً عند البعض بالشعر الحر. وقد سبق ان نوَّهنا وتحدثنا عن هذا المشروع في نبذة قصيرة في فصول سابقة منشورة منه.

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم