صحيفة المثقف

حكايات مختارة من إيسوب (1)

جمال ابو زيدترجمة: جمال أبو زيد

**

1- القطة والديك

أرادت قطة كانت قد أمسكت ديكاً أن تقدّم مبرّراً معقولاً لالتهامه. لذا اتَّهَمَتْهُ بإزعاج الناس بصياحه في الليل، وإقلاق راحة نومهم. فدافع الديك عن نفسه قائلاً إنه كان يفعل ذلك عوناً لهم، وإذا كان قد أيقظهم فإنما قصد بذلك أن يدعوهم إلى القيام بعملهم المعهود.

ثم قدّمت القطة شكوى أخرى مُتَّهمةً الديك بأنه يهين الطبيعة بعلاقته مع أمِّه وأخواته. فأجاب بأنه بتلك العلاقة كان أيضاً يخدم مصالح سيِّدِه، فبفضل ذلك كانت الدجاجات تبيض كثيراً. فصاحت القطة: " آه. حسناً. لن أبقى دون طعام فقط لأن في مقدورك تقديم الكثير من التبريرات".

والتَهَمَتْه.

**   

2- صيادو الأسماك وسمكة التن 

كان بعض صيادي الأسماك، الذين خرجوا للصيد، في غاية القلق لاكتشافهم أنهم لم يصطادوا أي شيء لفترة طويلة. واستغرقوا في التفكير في ذلك.

وفي تلك اللحظة بالذات، حاولت سمكةُ تُنٍّ كانت في حالة فرار أن تنجو بنفسها، وبصوت مكتومٍ عالٍ قفزت مصادفة داخل زورقهم، فأمسكوها وعادوا بها إلى قريتهم حيث قاموا ببيعها. 

**

3. الثعلب والحطّاب

رأى ثعلب كان يفرّ من بعض الصيادين حطّاباً فناشده العثور على مخبأ. وعده الحطّابُ أن يخبئه في كوخه، وقام بذلك. وبعد بضع لحظات وصل الصيادون وسألوا الحطابَ إن كان قد رأى ثعلباً في الجوار.

أجاب بالكلمات أنه لم يرَ ثعلباً يمرّ به، غير أنه بيده أشار إلى المكان الذي كان الثعلب مختبئاً فيه.

لم ينتبه الصيادون إلى إيماءاته، وببساطة ٍ أخذوا كلامه على محمل الصدق.

وبعد أن ذهبوا، خرج الثعلبُ من الكوخ دون أن ينبس ببنتِ شفة. وحين أنَّبَهُ الحطّابُ على عدم إظهاره عرفانه بالجميل أجابه الثعلب: " كنتُ سأشكرك لو أن إيماءاتك وسلوكك تطابقت مع كلماتك".

**

4- الثعلب والقرد الذي انتُخِبَ ملكاً

انتخبتِ الحيواناتُ القردَ ملكاً عليها بعد أن رقص في أحد اجتماعاتها وحظي باستحسانها.

وخالجتِ الغيرةُ الثعلب. لذا، حين أبصر قطعةَ لحمٍ في شَرَك منصوبٍ قاد القردَ إليها قائلاً إنه كان قد عثر على كنز ٍ، غير أنه بدلاً من أن يأخذه لنفسه اضطلع بحراسته على اعتبار أن حيازته بكل تأكيد امتياز ملكيّ. ثم حثَّ القرد على أخذها.

دنا القردُ من قطعة اللحم دون أن ينتبه إلى الشَّرَك ِ فوقع فيه. وحين اتّهمَ الثعلبَ بأنه أغواه لإيقاعه في الشَّرَكِ أجاب الثعلب:

- " أيها القرد. انظر إلى مدى حماقتك...ومع ذلك تريد أن تحكمَ الحيوانات!!!".

**

5- الدلافين والحيتان وسمكة القوبيون النهري (*) 

انخرطت بعض الدلافين وبعض الحيتان في معركة. وحين حميَ الوطيسُ واتَّصفَ بالاستماتة، مدّتْ سمكةُ قوبيون نهريّ رأسها فوق سطح الماء وحاولتْ إصلاح ذات البَيْن بينهما، غير أن أحد الدلافين ردّ على ذلك بالقول: " إن القتال بيننا حتى الفناء أقلُّ إذلالاً من أن نقبلَ بكِ وسيطةً بيننا".

***

 

...................

إيسوب (620  ق.م – 564): كاتب إغريقي ولد عبداً في القرن السادس قبل الميلاد في اليونان في جزيرة ساموز، ثم أعتقه سيده الأخير. انطلق بعد ذلك يجوب الآفاق وينشر أفكاره وحِكَمَهُ وقد ألّف مئات الحكايات الخرافية حتى صار أحدَ رُوّادِ هذا الفن. وهو شخصية مثيرة للجدل، ولا يُعرف عن حياته إلا القليل. فثمةّ من يشكك في وجوده أصلاً ويعتبره شخصية أسطورية اخترعها اليونانيون، الذين كان من عادتهم نسبة الأعمال الأدبية إلى مؤلف، فنسبوا تلك الحكايات إلى شخصية وهمية تدعى إيسوب.

بيد أننا في حقيقة الأمر نرى أنّ الجميع اتفقوا على أنَّ "حكايات إيسوب" عمل أدبي رائع، صيغ بأسلوب طريف وممتع. وتضع تلك الحكايات فلسفة للحياة والسياسة مليئة بالحِكَمِ والدلالات التي جاءت على ألسنة الحيوانات. تُعدُّ كلُّ حكاية منها ذات معنى خاص يستطيع القارئ الوصول إليه بسهولة. لاقت تلك الحكايات رواجاً كبيراً، واهتم بها كثير من الكُتّاب والنقاد والقرّاء والمترجمين على مَرّ القرون اهتماماً بالغاً. 

(*). القوبيون النهري: سمكٌ من الشّبّوطيّات (المورد).

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم