صحيفة المثقف

هل كشف الثلج مستور المعارض الروسي نافالني

كريم المظفرواحدة من أجمل الامثال الشعبية التي تروق لنا، هو ذلك المثل الشعبي السوري الذي يقول (بكرا يذوب الثلج، ويبان المرج)، إلا أن نوايا المعارض الروسي ألكسي نافالني، الذي لا يزال قيد الحبس بتهمة انتهاك شروط وقف تنفيذ عقوبة السجن الصادرة بحقه سابقا بتهمة الاختلاس، منذ عودته أوائل يناير إلى روسيا من ألمانيا التي نقل إليها في أغسطس بعد تعرضه للتسميم المزعوم، لم تنتظر حتى يذوب ثلج شتاء روسيا القارص وثلوجه الكثيفة .

وقلنا في موضوع سابق أن عودة (الليبرالي في المفهوم الغربي) نافالني الى موسكو، رغم علمه المسبق بأنه سيتعرض للاعتقال، ليست كما يقول المثل العراقي (لله بالله)، بل إنه جاء بسيناريو غربي المعالم، لإثارة، شريحة معينة من المجتمع الروسي، ألا وهم شباب المواقع الاجتماعية، والقصر، واستغلالهم في زعزعة الاستقرار بأسناد ودعم أمريكي بالدرجة الأساس .

" النوايا الخبيثة "التي ذكرتها شبكة الأخبار الامريكية CNN من أن صندوق مكافحة الفساد التابع للمعارض الروسي نافالني "لم تنتظر ذوبان الثلج" وكشفت عن دعوتها للرئيس الأمريكي جو بايدن لفرض عقوبات على 35 شخصية روسية، بينهم "8 روس رفيعو المستوى مقربون من فلاديمير بوتين"، وبحسب قول فلاديمير أشوركوف، المدير التنفيذي للصندوق فإن المؤسسة وجهت رسالة إلى بايدن تدعو الولايات المتحدة إلى الضغط على بوتين للإفراج عن نافالني المحتجز، وأن الرسالة قسمت المطلوبين " معاقبتهم " إلى ثلاث فئات، وهي " الأوليغارشيون الذين منحهم بوتين الثروة والسلطة (بحسب رأيهم)، والذين يتصرفون بها نيابة عن النظام"، وثانيا "منتهكو حقوق الإنسان والذين يقمعون الحريات المدنية والسياسية الأساسية"، وثالثا "الأفراد المتورطون بشكل مباشر في ملاحقة نافالني ومؤسسته ".

ووسائل الاعلام الأمريكية، لم تتوانى في اعلان أسماء المدرجين في "قائمة نافالني"، وهي تضم رئيس الوزراء الروسي ميخائيل ميشوستين، ومدير جهاز الأمن الفدرالي ألكسندر بورتنيكوف، والناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، ورئيسة لجنة الانتخابات إيلا بمفيلوفا، وعمدة موسكو سيرغي سوبيانين، ورئيس شركتي "غازبروم" أليكسي ميللر و" روسنفط" إيغور سيتشين، ورئيسة تحرير شبكة RT مارغاريتا سيمونيان، ورئيس مصرف التجارة الخارجية أندريه كوستين وآخرين.

لقد أصبح الناشط المعارض أليكسي نافالني في الأسابيع الأخيرة من أهم الأسماء في عناوين وسائل الإعلام التي تغطي الوضع داخل روسيا، فيما هذه التقارير لا تتطرق كثيرا إلى مواقفه السياسية، واقتصرت الكثير من وسائل الإعلام الغربية في حديثها عن نافالني - الذي سلك المسار السياسي عام 2000 ضمن حزب "يابلوكو" الليبيرالي، وعلى الرغم من انتمائه رسميا إلى الجناح اليساري في هذا الحزب كان يعرف بعلاقاته مع الأوساط اليمينية، وفي ديسمبر 2007 قررت لجنة حزب "يابلوكو" طرد نافالني من الحزب بتهمة "الإضرار بسمعته السياسية وممارسة الأنشطة القومية" -، على الإشارة إلى معارضته الشديدة لحكومة الرئيس فلاديمير بوتين، دون شرح آرائه السياسية.

زعماء المعارضة الروسية، الذين تخلوا عن نافالني ومغامراته، يرون فيه بانه مزدوج الشخصية، ففي الوقت الذي يعبر أحيانا عن أفكاره القومية، فانه لا يتوانى في تقديم نفسه كمتطرف، وفسر نافالني حينها قرار حزبه بخلافات داخلية، لكن بعض مواقفه العلنية في تلك الفترة استدعت الجدل، بما فيها تصريحاته الداعية إلى تشديد القيود على الهجرة من آسيا الوسطى، ففي احد مقاطع فيديو ظهر فيه نافالني بزي طبيب أسنان، قال في إشارة إلى قضية المهاجرين: "لا يجب الاعتداء بالضرب على أي واحد، بل يجب إزالة كل ما يسبب لدينا مشاكل على نحو دقيق لكن حازم من خلال الترحيل"، وفي الوقت الذي كان فيه نافالني في هذه الفترة من دعاة "القومية الروسية الجديدة" وأصبح عام 2007 رئيسا مشاركا لحركة "الشعب" القومية الديمقراطية، شارك نافالني في تلك الفترة في تجمعات يمينية جنبا إلى جنب مع شخصيات منتمية إلى اليسار المتشدد، وأعرب في عام 2013 عن تأييده للجانب اليميني في الاضطرابات ذات الدوافع العنصرية التي شهدتها منطقة بيريوليوفو في موسكو.

وفي العام نفسه، أعلن نافالني لأول مرة عن تطلعاته إلى تولي منصب رئيس الدولة كي "يعيش سكان روسيا في ظروف طبيعية كما في دول أوربا "، وفي 2013 أيضا احتل نافالني المرتبة الثانية في انتخابات عمدة موسكو بجمعه أكثر من ربع أصوات الناخبين، وكان ضمن برنامجه الانتخابي توسيع صلاحيات السلطات المحلية والسماح بتنظيم مسيرات "فخر المثليين"، بالتزامن مع تشديد القيود على الهجرة، وبالتالي أصبح عام 2013 نقطة تحول جذري في حياة نافالني السياسية، حين خفف من نبرته اليمينية وركز على جذب اهتمام الشباب غير الراضين عن الظروف داخل البلاد والذين ينتمي الكثير منهم إلى اليسار.

وعلى الرغم من تقديم معظم وسائل الإعلام الغربية نافالني اليوم على أنه سياسي ليبرالي، الا ان مواقفه في بعض المجالات تختلف جذريا عما لدى القوى الليبرالية في دول الغرب، وخاصة يعرف ان نافالني بموقفه المؤيد لعودة شبه جزيرة القرم إلى قوام روسيا وسبق أن دعم سياسات روسيا إبان الصراع الجورجي الأبخازي إذ وصف العسكريين الجورجيين بـ"القوارض" واقترح قصف هيئة الأركان الجورجية بالصواريخ.

كما السيرة الذاتي للمعارض الروسي مليئة بالتناقضات، ولامجال لذكرها، ومواقفه السياسية لا تزال تمثل مسألة معقدة وقد تستدعي الجدل في صفوف مؤيديه داخل البلاد وخارجها في حال سينظرون إليه ليس كـ"بديل لبوتين" بل كسياسي مستقل، وتتعارض مع المفهوم الغربي التي سمحت للسفير الأمريكي لدى روسيا مايكل ماكفول مؤخرا بمقارنته على حسابه في "تويتر"، نافالني بشخصيات مثل مهاتما غاندي ومارتن لوثر كينغ ونيلسون مانديلا، بل ومن المضحك المبكي ان يتم ترشيحه لنيل جائزة نوبل التي باتت اليوم تمنح، وكما يقول المثل الشعبي العراقي الساخر (لشعيط ومعيط) .

دعوة صندوق نافالني الى معاقبة قيادة بلاده، هو استفزاز شديد اللهجة، بغض النظر عن الاختلاف او الاتفاق معها، فأنها من وجهة نظر الكثيرين تعتبر "إهانة للذات وإهانة الدولة"، وقد ترقى إلى مستوى الخيانة العظمى، ليس في المفهوم الروسي فقط، وانما في المفهوم الشمولي العام "فهل بإمكان التصور أن منظمة أمريكية تلجأ إلى بوتين بطلب فرض عقوبات على رئيس الولايات المتحدة؟"، لذلك فمن الطبيعي بمكان ان يعبر عدد من البرلمانيين الروس عن امتعاضهم لمبادرة صندوق نافالني المزعومة لأنها تدل على أنها "مؤسسة فاسدة تسعى إلى إعادة الروس إلى هاوية المآسي المماثلة لما كان عام 1991"، وانه "يجب التصدي لذلك بشدة، ويجب أن يكون الرد صارما جدا من قبل أجهزة إنفاذ القانون مثل النيابة العامة وهيئة الأمن الفدرالية.

وعلى ما يبدو ان الغرب قد وجد ضالته في (استفزاز) روسيا، واختيارها لشخص نافالني، كان مدروس بشكل جيد، خصوصا وان الأخير ارتضى لنفسه ان يلعب معهم، لذلك فان الغرب أول – بات ا لإن بحاجة إلى هذا "الناشط" لزعزعة استقرار الوضع في روسيا، وبهدف إحداث اضطرابات اجتماعية وإضرابات و"ميادين" جديدة، وثانيا انها أصبحت تعرف جيدا التفكير " النفسي " للشخصية الروسية التي تؤكد ان نافالني انتهك عديد المرات قوانين روسيا بشكل صارخ، وشارك في عمليات احتيال على نطاق واسع، ويجب أن يتحمل المسؤولية، ليكون " الشماعة " التي تعلق عليها الدول الغربية " ادعاءاتها "، وإلا فان مسلسل العقوبات مستمر منذ اكثر من سبع سنوات، وهو يفوق حلقات المسلسلات البرازيلية والبرتغالية .

اذن، يبدو ان المعارض الروسي قد خسر مرتين، الأولى فرصة الوصول إلى السلطة، أما الآن فالوضع أصبح أسوأ بالنسبة له، من الواضح أن واشنطن فهمت ذلك، وقررت استخدام نافالني كصاروخ وحيد الاستخدام، يمكن التخلص منه ما دام لا زال لديه بعض التأثير، وهنا يبرز جانب آخر، وهو كيفية استخدام الغرب لنافالني ولأي الأغراض، وثانيا وفي هذه القضية بالذات حدث تغيّر نوعي في الفترة الأخيرة بتحوّل نافالني من عميل نفوذ طويل الأمد إلى قنبلة وحيدة الاستخدام، وهو ما يمكن أن يكون نافالني نفسه يجهله حتى اللحظة.

 

بقلم: الدكتور كريم المظفر

 

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم