صحيفة المثقف

وبالوالدين إحسانا.. آباء تحت خط العنف

{وَقَضَىٰ رَ‌بُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ‌ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْ‌هُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِ‌يمًا. وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّ‌حْمَةِ وَقُل رَّ‌بِّ ارْ‌حَمْهُمَا كَمَا رَ‌بَّيَانِي صَغِيرً‌ا} [الإسراء:23-24/

الآباء تعني الوالدين كلاهما مع الميل لجهة الاب، وقد دعانا الله في كتابه العزيز لبرهما والاحسان اليهما لما بذلاه من جهد وسهر وعمر فني في سبيل رعايتنا حتى نبلغ اشدنا، فالاب لم يدخر وسعا وهو يتصبب عرقا يخوض غمار العمل بكل مااوتي من قوة ليأمن حياة كريمة لأبنائه تجعلهم فخورين بأنفسهم وهم يتسلقون سلّم الحياة بكل ثقة مستمدين العزم والقوة من أم افنت حياتها ساهرة على راحتهم ملبية طلباتهم باذلة الغالي والنفيس من ايامها وسنينها التي تحترق تباعا لتنير لهم الطريق حتى الوصول، وعند الوصول!!

وصل الأبناء الى مبتغاهم و أكملوا دراستهم الجامعية والعليا او اكتفوا بمهنة حرة حددها معهد ما او مهنة تعلموها بالصغر، المهم انهم وقفوا على ارجلهم متأبطين ذراع الحياة بكل ثقة، فالابن تزوج والبنت كذلك واستقل كل في بيته، ولان الفطرة والتقليد والدين يوجب على البنت ان تتبع زوجها، وقد تبعته واستقلت بخيرالحياة وشرها، اما الابن الذي اختار العيش مع والديه لسبب اولآخر، كأن يكون ضعف الحال، أو لتعلق ابويه به كأن يكون الأبن الوحيد أو الصغير أو الكبير..أو..أو..الخ

رتب الابوين حياتهما ليعيش الابن معهم وبالتأكيد اعطوه أحسن غرفة، وتأثثت باجمل الاثاث كل حسب سعته، وقد هيأوا له اسباب الراحة ليحيا على حب الله كما يقول المثل ويعيد لهم جزءا ولو يسير من تضحياتهم الجسام، وقد يكون هذا اليسير معونة بسيطة تعينهم على مصاعب الحياة، او هدية ترسم على وجوهههم الابتسامة، او ربما كلمة تزرع في ا نفسهم الرضا من باب رد الجميل، وماايسرها، لكن مايجري الان ومع القفزات الواسعة للعولمة ويبدو انها بدات تقفز على القيم والمبادئ الانسانية القيمة وتجتازها معلنة العقوق وباعلى درجات الجحود!!

بات الابن المدلل الذي لم يدخر والداه جهدا في سبيل إسعاده يتطاول على والديه بالكلام البذئ والالفاظ النابية لانهم عجزوا عن توفير طلب ما من طلباته التي باتت تتزايد يوما بعد اخر بل ساعة بعد اخرى، ويبدأ الابتزاز العاطفي بابشع صوره متجسدا بالتهديد وا لمساومة على كل شئ حتى على حياته فأما تحقيق الطلب او انه سيلجأ الى ايذاء نفسه!!

مستخدما هذه الحيلة الرخيصة التي مررت وروجت له الكثير من الامور التي تحققت بفضل ابتزاز والديه الكادحين ولايهم ان باعت والدته ماتملكه من حلي حتى وان كان خاتم زواجها! او الاستيلاء على سيارة ابيه لان الاب الان لايحتاج الى السيارة بعد ان شاب شعره واحيل الى التقاعد!!

او حتى الاستيلاء على بيت اهله راغبين او راهبين تحت اي بند واي مسمى!!

بل ان الامر تعدى المساومة والابتزاز العاطفي والكلام البذئ الذي ماانزل الله به من سلطان، لانه لم يعد يجدِ نفعا مع من افنى حياته ليسعده، بات الضرب الوسيلة الانجع لتلبية المطالب!! نعم هذه هي الحقيقة المرة التي اتت ا’كلها في الآونة الاخيرة ضرب الوالدين والاعتداء عليهما دون رحمة، واستغلال صمتهم العاطفي الذي يأبى ان يصيبه اي مكروه، اضافة الى سطوة العيب من المجتمع ليتعدى الامر الى القتل مع سبق الاصرار!!

للاسف الشديد ان اقدام الابن على رفع صوته بوجه ابيه وامه ورفع يده عليهما دون رادع افضى الى رفع الرحمة من قلب الابن واستخدام العنف والقتل دون رحمة لمن خصنا الله برعايتهما"وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا"، اما بسبب المال وهو الامر السائد او لاي سبب كان.

ان ظاهرة العقوق بدأت تنتشر في المجتمع كالنار في الهشيم متخذة

طرقا شتى، ومع التقدم والانفتاح التكنولوجي اكتسب الابناء عادات وافعال واقوال لاتمت للدين والاخلاق بصلة، وباتت الفضاضة سمة الموضة الحديثة، والاستخفاف والاستهزاء والاستحقاروالازدراء مفردات حلت بكارثتها محل المبادئ السامية والخلق السليم، واذا تامل القارئ الكريم قليلا وكثيرا لوجد ان الاجيال السابقة تحلت بكم هائل من الاخلاق الفاضلة التي انتقلت من الخلف الى السلف بكل امانة، ولم نكن نسمع بحالات العقوق الاماندر وهي حالات فردية لاتتعدى اصابع اليد.

ان هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا بدأت تستفحل لاسباب سنذكرمنها:

-الافراط بدلال الطفل الذي تلبى كل طلباته دون قيد اوشرط يخلق فيه روح الانانية والقسوة فيما بعد لاقرب الناس اليه، خصوصا اذا عجزوا عن تلبية مطالبه.

-الثواب المستمر دون العقاب، يخلق مساحة من العبث بكل شئ لان من أمن العقاب ساء الادب!

-سوء التربية الذي يتخذ سبلا شتى قد تكون القسوة المفرطة في الطفولة التي تولد الكبت، تجعل الطفل بركانا مايلبث ان ينفجر عند اول فرصة، او ترك الحبل على الغارب دون رقابة.

-كثرة الحروب التي ولدت أ’سر تنتقص الى مقومات الحياة الاعتيادية منها فقدان الاب الذي تكون له السلطة المركزية في التربية والتقويم، هذا الفقدان الذي يشتت افراد الاسرة فيعيش الطفل تحت كنف زوج الام الذي يذيقه الامرين، او عند اهل الام او اهل الاب، ممايجعله حاقدا على امه التي تزوجت وتركته تحت وطأة الظروف، اوانها لم تستطع ان توفر له حياة كريمة.

-غياب الوازع الديني في ظل الوجه الاخرللعولمة التي حرقت الاخضر واليابس، مع كل السيئات التي يتناقلها جيلا معينا من الشباب الذي بات اعمى عن القيم والاخلاق تحركه نزواته والسعي للحصول على مايريد لتلبية رغباته اللااخلاقية.

-غياب القدوة الصالحة لان الطفل ورقة بيضاء يكتب عليها كل شئ وهو المرآة العاكسة لابويه، فاذاكان الاب والام قدوة صالحة نشأالابن اوتوماتيكيا صالحا متخذا نفس النهج، اما اذاكانت القدوة سيئة اصلا فما بال النسخة التي تنشأ عنها!!

فبالتاكيد مايراه الابن من افعال والديه تجاه اهلهم سيقوم بتقليده حتما، لان التربية اكتساب بالدرجة الاساس.

-صديق السوء الذي له اليد الطولى بالانحرافات الخلقية التي تزين له كل شئ تحت اي مسمى.

-الاسر المفككة التي يكثر فيها العنف الاسري تنشئ افرادا غير اصحاء معتلين نفسيا، حاقدين على كل شئ، ينتظرون الفرصة المناسبة لرد الجميل!!

- ابتعاد الابوين عن الساحة الاسرية بحجة العمل يخلق فضاءا شاسعا لاكتساب عادات وعلل من الاخرين ايا كانوا، لان الباب مفتوح على مصراعيه وكل يدلوا بدلوه مستغلين الغياب الكبير لملئ الفراغ، وحقيقة لايوجد عمل لمدة اربع وعشرون ساعة، فلكل وقت اذان!

- انعدام الاحترام المتبادل بين الابوين الذي يخلق جوا من الحميمية تنعكس ايجابا على سلوك الطفل الذي ياخذ نفس الدورمع اهله واسرته مستقبلا.

- ضعف الدور المدرسي الذي لايقل اهمية عن دور الاسرة في تعلم المبادئ الاخلاقية الفاضلة.

- ضعف دور الثقافة و الاعلام النزيه من خلال البرامج الثقافية وحتى الافلام والمسلسلات والمسرحيات التي تنقل المعلومة الجيدة عن طريق الايحاء بكل امانة، بل ان تناول الفيلم الكوميدي او احد المسرحيات عقوق الابناء بشكل كوميدي تحبب للابن التجاوز بالفاظ نابية على الاب والمعلم واختراق الحد الفاصل والخطوط الحمراء للاحترام، فهذا حقيقة شئ مؤسف، لان للاعلام دورا كبيرا في بث الوعي والوعظ الاخلاقي عن طريق الايحاء لشريحة مهمة وهي شريحة اليافعين تلك الشريحة المسؤولة عن مستقبل المجتمع، وتلك مسؤولية عظيمة يجب الانتباه اليها ومراقبتها جيدا، لان الموضوع ليس مزحة ابدا.

ومع كل هذه الاسباب وغيرها، فالتربية الاولى ثم التربية الاولى هي حجر الاساس الذي يعتمد عليه بناء الانسان، لان التعلم في الصغر كالنقش على الحجر، وهذا ماتربينا عليه في صغرنا، احترام الكبيروالعطف على الصغير، والمعاملة الحسنة للوالدين من باب العرفان بالجميل وهذا حقهم علينا نظير العمر الذي بذلاه في سبيلنا، لا ان يكون الجزاء شتمهم ورميهم في الشارع او ايداعهم في دار العجزة، وقد وصل الامر الى القتل مع سبق الاصراروالترصد لسبب اولاخر، وتلك كارثة مجتمعية لابد من الوقوف على اسبابها والحد منها قبل ان تنخر جسد الاسرة وتعيث فسادا في المجتمع الذي تربى على قيم البر والتسامح والخلق الكريم.

واخيرا اقول:وبرهما فالجنة تحت اقدامهما، وكن كاتبا جيدا لافعالك وناقلا واعظا لاقوالك لانها سترد اليك حتما..

 

مريم لطفي

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم