صحيفة المثقف

ايران تستنجد بروسيا لتجديد "الاتفاق النووي"

كريم المظفرمرة أخرى تثبت طهران ان تصريحاتها "الطنانة" وتهديداتها بشأن زيادة عمليات التخصيب في مفاعلاتها النووية الى نسبة 20%، ستعجل من إمكانية انسحابها من "الاتفاق النووي" الدولي الذي انسحبت منه إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب، بل على العكس زادت من " طينة الاتفاق بلة "، وارتفعت تصريحات الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن عدم إمكانية العودة الى الاتفاق السابق، مالم يتضمن فقرات جديدة في مقدمتها وقف ايران عمليات التخصيب والعودة الى فترة توقيعه، وتضمين برنامج تطوير الصواريخ الإيرانية والأنشطة الإقليمية، وتشمل هذه الأنشطة دعم الوكلاء في النزاعات التي تهم دول مثل العراق ولبنان وسوريا واليمن، وثبتت هذه التصريحات بأنها ما هي إلا " عنتريات فارغة "، وأنها تسعى بكل السبل للعودة للاتفاق، لذلك لم تجد ايران الا روسيا التي زارها رئيس المجلس (البرلمان) الإيراني محمد باقر غاليباف في زيارة استغرقت ثلاثة أيام من 7-9 فبراير الجاري، كملاذ لها، لنجدتها والتحرك مع الاوربيين للعودة للاتفاق .

الزيارة مهمة بالنسبة للجانبين، فالمسئول الإيراني جاء الى موسكو رافقه السفير رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في المجلس مجتب زونور وممثله الرسمي أبو الفضل أمويي ورئيسي اللجان النيابية للطاقة والزراعة فريدون عباسي وسيد جواد السادات نجاد، حاملا معه رسالة من المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي الى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، (لم يتم الكشف عن محتوى الرسالة)، الذي رفض بحسب التسريبات الإعلامية لقاء الوفد الإيراني، رغم أهمية الرسالة التي تؤكد على الطبيعة الاستراتيجية والقوية للعلاقات بين طهران وموسكو، وتسلمها بالنيابة عنه رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين.

المصادر الإعلامية الروسية ومنها موقع (فوكس) نقل عن مصادر إعلامية إيرانية، قولها ان الجانب الروسي رفض عرض إيران إجراء اختبار فيروس كورونا للمسئول الإيراني في مطار طهران، وطالبت السلطات الروسية، عند وصوله إلى روسيا، بالخضوع للحجر الصحي لمدة 15 يومًا من أجل عقد مثل هذا الاجتماع، واضطر المندوب الايراني الى الغاء الاجتماع" رافضا الانصياع للشروط الروسية "، ووفقا للموقع فان المخاوف الروسية جاءت بسبب أنه في أكتوبر من العام الماضي، حيث اجتاز محمد باقر غاليباف اختبارًا إيجابيًا COVID-19، واقتصرت لقاءات الوفد على لقاء رئيس مجلس الدوما فياتشيسلاف فولودين ووزير الخارجية سيرغي لافروف وسكرتير مجلس الأمن نيقولاي باتروشيف.

أهمية المحادثات التي اجراها الوفد الإيراني في موسكو، وان كانت ظاهريا مكرسا لتعزيز العلاقات الثنائية في المجالات الاقتصادية والتعاون في مجال مكافحة فايروس كورونا، لأنها تقوم بحسب راي الجانبين على نهج استراتيجي طويل الأمد، وبناءً عليه، تفاوض برلماني البلدين وتعاونهما هو من أجل تعميق أسس هذه العلاقات كما حاول المسئول الإيراني تبريرها، وان الغرض الرئيسي من الزيارة هو مناقشة التعاون بين موسكو وطهران في مجالات الاقتصاد والرعاية الصحية.

إلا أن أساس هذه المحادثات، هي البحث عن دور روسيا في أقناع الولايات المتحدة للعودة الى خطة العمل الشاملة المشتركة للبرنامج النووي الإيراني (JCPOA)، وتنسيق مواقف البلدين لاحتمال عودة الولايات المتحدة إلى الخطة، وبحسب رئيس الوفد الإيراني فإن العلاقات مع موسكو ذات أهمية استراتيجية بالنسبة لإيران، وإن اختيار مثل هذا الرسول كما يرى الخبراء والمراقبون الروس، لا يفسر فقط من خلال مكانة (غاليباف) في التسلسل الهرمي للسلطة الإيرانية، وإنه أحد السياسيين المحافظين - من أشد المؤيدين لمسار علي خامنئي، إذا فاز الإصلاحيون في 2016 في انتخابات المجالس على موجة النشوة التي سببها إبرام "الصفقة النووية"، بحصولهم على 42٪ من المقاعد، فإن الوضع قد تغير بعد أربع سنوات، أجريت الانتخابات العادية في فبراير 2020، نتيجة لذلك، أصبح البرلمان الإيراني تحت السيطرة الكاملة للمحافظين - أصحاب العقول المتشابهة في غاليباف، ومن المفارقات الآن أنهم، الذين دافعوا في السابق عن التشدد في العلاقات مع الولايات المتحدة، سيتعين عليهم التفاوض مع الأمريكيين جنبًا إلى جنب مع الرئيس الإيراني الأكثر اعتدالًا حسن روحاني.

صحيفة " نيزافيسيمايا غازيتا" ونقلا عن مصادر إيرانية كشفت، ان الرسالة الإيرانية تضمنت توجيه المرشد الأعلى لإيران، الشكر إلى الاتحاد الروسي وجمهورية الصين الشعبية على موقفهما العادل بشأن" الاتفاق النووي – "، وان الأمر يتعلق بدعم موسكو وبكين لمسار الحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، التي وقعتها إيران في عام 2015 مع الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وألمانيا، في عام 2018، وانسحبت الولايات المتحدة من "الاتفاق النووي"، والامل في " أن تظل روسيا والصين في مواقفهما القانونية القوية ضد تصرفات الولايات المتحدة وأوروبا".

ويؤكد المراقبون الروس من جانبهم أنه لن يكون من السهل على الأمريكيين والإيرانيين العودة إلى "الاتفاق النووي"، وانه منذ مايو 2019، بدأت إيران تدريجياً، خطوة بخطوة، في انتهاك متطلبات" الاتفاق النووي "، وبشكل عام، عادت الآن عملياً إلى حالة برنامجها النووي قبل" الاتفاق النووي "، و في بعض الجوانب حتى تجاوزت ما كانت عليه، حتى عام 2015، وبدأ الوضع في الظهور عندما تنتظر إيران والولايات المتحدة تنازلات من بعضهما البعض، ويرى فلاديمير سازين، كبير الباحثين في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية أن المشكلة الرئيسية الان هي في واشنطن وطهران، وأن الثقة بينهما باتت عند الصفر، وربما يمكن للاتحاد الروسي والاتحاد الأوروبي أن يصبحا بطريقة ما وسطاء في حل هذه المشكلة، أو أنهما يمكن أن يقدما طرقًا للخروج من الوضع الحالي بما يناسب الولايات المتحدة وإيران، وبطبيعة الحال، لن يكون الأمر سهلاً على روسيا، التي هي نفسها معرضة لخطر عقوبات أمريكية أشد، في هذا الدور، لكن من ناحية أخرى، لم تختلف موسكو وطهران بشأن مسألة احترام حقوق الإنسان، مما يحد بشدة من نشاط الاتحاد الأوروبي في الاتجاه الإيراني، ويبدو أن هذا هو سبب اختيار غاليباف لروسيا كأول زيارة له منذ انتخابه رئيساً.

محمد باقر غاليباف، الذي تحدث في معهد الدراسات الشرقية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، حول ان يرسل رسائل الى دول الاتفاق ومنها روسيا، حاول فيها تبرير الخطوات الإيرانية التي يعتبرونها غير  " موفقة " وقال "إن سياسة الضغط الأقصى أدت إلى حقيقة أن إيران ليس لديها خيارات أخرى"، وإن الحكومة الأمريكية يجب أن تحدد أولاً كيف ستنفذ التزاماتها برفع العقوبات، ثم يأتي دور الإيرانيين للتصرف، وعلى ما يبدو ان الأمريكيين كما تقول صحيفة الكومرسانت " غير راضين " بشكل قاطع عن مثل هذه الصيغة للسؤال، وانه عشية زيارة غاليباف لروسيا، استذكر بايدن ذلك، وأكد في مقابلته مع شبكة سي بي إس أن الأمريكيين لن يرفعوا العقوبات لمجرد مواصلة الحوار: فليوقف الإيرانيون أولا تخصيب اليورانيوم، اتضح أنها حلقة مفرغة - وهذا على الرغم من حقيقة أن بايدن لم يتطرق حتى إلى القضية المعقدة لبرنامج الصواريخ الإيراني، مما أثار استياء السلطات الإيرانية، حيث سيدرج هذا البند في جدول أعمال أي مفاوضات حول خطة العمل الشاملة المشتركة، ولفت عدلان مارغوف، المحلل في معهد MGIMO للدراسات الدولية، الانتباه إلى كلام السيد غاليباف " بأن إيران توفر للولايات المتحدة خيار ما يجب القيام به، لكنها هي نفسها مستعدة لأي سيناريو" .

ومن الواضح أن القيادة الإيرانية تعترف بإمكانية العودة إلى الاتفاق النووي، وفي هذه الحالة، ستصبح روسيا مرة أخرى الشريك الرئيسي في تطوير الطاقة النووية الإيرانية، ومناقشة التعاون في هذا المجال هي واحدة من الموضوعات الرئيسية في المفاوضات، ففي الوقت الحالي، تقوم إيران بتكليف منشآت نووية جديدة، وزيادة أحجام التخزين ودرجة تخصيب اليورانيوم، وفي 7 يناير 2021، قال الممثل الرسمي لمنظمة الطاقة الذرية الإيرانية (AEOI ) روز كمالوندي إن بلاده مستعدة لبدء تخصيب اليورانيوم حتى 90٪، وان المواد ذات مستوى التشبع المماثل مع اليورانيوم 235 تستخدم حصريًا في الأسلحة النووية .

حتى الآن، تؤكد إدارة جوزيف بايدن، بما في ذلك رئيس وزارة الخارجية أنطوني بلينكن، بشكل عام فقط أن الولايات المتحدة تعتزم إعادة النظر في مسار دونالد ترامب تجاه إيران، والذي كان من شأنه خلق أكبر عدد ممكن من المشاكل لهذا البلد، وواشنطن مستعدة من حيث المبدأ للعودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، التي سحب رئيس الولايات المتحدة السابق توقيعها، العودة إلى "الاتفاق النووي" تتماشى مع مفهوم السياسة الخارجية لبايدن، الذي يقوم على حقيقة أن أمريكا يجب أن تواصل، قدر الإمكان، مسار باراك أوباما، الذي تم إبرام "الاتفاق النووي" خلال فترة إدارته، مؤلفوها، نفس بلينكين، هم جزء من فريق الرئيس الحالي للولايات المتحدة، وحتى يبدأ التقارب مع إيران، ليس بالكلمات، بل بالأفعال، فلا يزال هناك عدم وضوح.

اما الضامنون لـ "الاتفاق النووي" (وهناك خمسة منهم، باستثناء الولايات المتحدة: روسيا وفرنسا وبريطانيا والصين وألمانيا) فانهم يفهمون دوافع إيران ويدركون أن هذا رد على الموقف الأمريكي، ويظهر الخمسة جميعًا، بدرجة أو بأخرى، اهتمامًا برؤية استعادة "الاتفاق النووي"، فقد استثمرت دول الاتحاد الأوروبي بالفعل الكثير في الاقتصاد الإيراني، وتنظر موسكو بدورها إلى إيران على أنها ليست فقط كمشتر محتمل للأسلحة الروسية، خاصة وأن الحظر الذي تفرضه الأمم المتحدة على توريد الأسلحة إلى هذا البلد لم يدخل حيز التنفيذ منذ 18 أكتوبر الماضي، بل أيضا واحة للمشاريع الروسية في مجال الطاقة والسكك الحديدية حسب الوعود الإيرانية لروسيا، وللتعاون الإيراني الصيني أيضًا إمكانات كبيرة، وفي العديد من المجالات - من الدفاع إلى مشاركة إيران في المشروع الصيني "طريق الحرير الجديد"، وباختصار، جميع الضامنين لخطة العمل الشاملة المشتركة لديهم مصلحتهم الخاصة في ضمان تطبيع العلاقات بين واشنطن وطهران وأن العقوبات الأمريكية لا تمنع الدول الأخرى من التعامل مع الجمهورية الإسلامية، لكن كل شيء يعتمد على موقف الولايات المتحدة وإيران.

وبات معروفا اليوم ان واشنطن تدرس خيارات حول كيفية تخفيف العبء المالي على إيران دون رفع العقوبات الرئيسية، وفي مقدمتها الحظر النفطي، وتشمل الخيارات منح طهران قرضًا من صندوق النقد الدولي لمكافحة فيروس كورونا وتخفيف العقوبات التي تمنع إيران من تلقي مساعدات لمكافحة فيروس كورونا (أعلن صندوق النقد الدولي أنه مستعد للنظر في طلب رفض سابقًا للحصول على قرض بقيمة 5 مليارات دولار)، بالإضافة إلى ذلك، قد تسمح الولايات المتحدة، كما تقول وكالة " بلومبيرغ " لسيئول بإلغاء تجميد جزء من الأصول الإيرانية البالغة 7 مليارات دولار الموجودة في البنوك الكورية الجنوبية، يمكن أن تذهب الأموال لسداد ديون إيران مقابل رسوم عضوية الأمم المتحدة، وتخفيف آخر محتمل هو إصدار تراخيص تجارية محدودة مع إيران من وزارة الخزانة الأمريكية.

أهمية الزيارة بالنسبة لموسكو، تكمن في انها مهتمة بالتعرف أولا على النوايا الإيرانية المستقبلية عن قرب وليس عن طريق القنوات الاعلامية، والتأكيد على ثبات موقفها المبني على ضرورة إلتزام جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي للحفاظ على خطة العمل الشاملة المشتركة، وتجنب التصعيد بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، لأنه لن يخدم الأمن والاستقرار في العالم، إضافة الى وجود قناعة روسية إيرانية بأن المطالب الأمريكية ستزداد كلما وافقت طهران على ما قبلها.

موسكو التي اشارت إلى أن قرار إيران استئناف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% كان "خطوة متوقعة، لكنها قابلة للتراجع عنها" تؤكد على لسان مندوبها الدائم في المنظمات الدولية في فيينا ميخائيل أوليانوف أنها "غير راضية عن رفض طهران الإضافي لالتزاماتها بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة"، وتشدد على أن من المهم الآن بدأ حوار موضوعي بين طهران وواشنطن وتحديد مخطط للخطوات التالية، أو ما يشبه بخارطة طريق، والتي يجب ان تكون واقعية لتسمح وفقا، بالعودة الى تنفيذ الاتفاق النووي في فترة قصيرة

لذلك يجمع المراقبون على انه حتى تمر المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، لن يكون هناك تقدمًا في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، وبات مبدأ التقسيم التدريجي والمعاملة بالمثل، الذي اقترحته روسيا عشية المفاوضات بشأن خطة العمل الشاملة المشتركة، هو الحل الأمثل الذي يجعل من الممكن إيجاد حلول في هذا الوضع، خصوصا وان طهران مستعدة لقبول أي صيغة تضمن العودة الى الاتفاق النووي، لإيقاف نزيف العقوبات الامريكية على الاقتصاد والحياة الاجتماعية في إيران.

  

د. كريم المظفر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم