صحيفة المثقف

العَلْمانية - Secularism

احمد ابو قدومالعلمانية من الأديان الأرضية أو الدنيوية التي استحدثت مؤخرا، كأي دين أرضي أو دنيوي سابق مثل البوذية والهندوسية والمجوسية والمزدكية، أو الاشتراكية والشيوعية والرأسمالية، وهذه الأديان هي مقابل ما يطلق عليها الأديان السماوية المحرفة كالنصرانية "المسيحية" واليهودية، والترجمة الحرفية لكلمة "Secularism"هي "الدنيوية"، وكلمة العَلمانية ليس لها علاقة بالعلم أو العالم، كما يتوهم البعض، بأنها مشتقة من العلم، فكلمة علم بالانجليزية هي ""Science والنسبة له هي "Scientific"، والمذهب العلمي هو "Scientism"، فليس لكلمة العَلمانية أي علاقة بالعلم أو المذهب العلمي، وإنما هي الدنيوية، وهي دين كأي دين أرضي يريد فرض هيمنته وطقوسه وعقيدته على الآخرين بصرامة الجندي وقوة القانون، ويريد معتنقو العلمانية أن تكون ناسخة لكل الأديان والأفكار، والعلمانية تقوم إما على العقيدة الرأسمالية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة "دع ما لله لله وما لقيصر لقيصر" أي فصل الطقوس والتعاليم الدينية للكهنة عن شؤون الحكم والسياسة والحياة، أو تقوم على إنكار جميع الأديان السماوية والأرضية الأخرى كالاشتراكية والشيوعية وعدم الاعتراف بها، وجعلت الديانة العلمانية من البشـر آلهة تعبد وتطاع، كما جعل من الشجر والحجر والبقر في السابق آلهة تعبد، وكما كان الكهنة والمشعوذون يقومون بوضع طقوس وتعاليم الأديان الأرضية، وكما كان أحبار اليهود ورهبان النصارى يغيرون ويبدلون في طقوس ومعتقدات وتعاليم دينهم، أصبح ما يطلق عليهم فلاسفة ومفكري ومنظري العلمانية من الكهنة والأحبار والرهبان هم من يضعون أسس وقواعد هذا الدين الجديد، وكما لا يتفق كاهن مع كاهن آخر في مفهوم البوذية وغيرها، وكما لا يتفق حبر مع حبر حول مفهوم اليهودية، وكما لا يتفق راهب مع راهب في مفهوم النصرانية، فكذلك رواد العلمانية لا يتفقون على مفهوم واحد لها، وقد وصفها الفيلسوف الإنكليزي جون لوك بالدين "الصحيح" حينما تكلم عن العَلمانية قائلا: "من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًا أو فكريًا أو اجتماعيًا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصـرف، يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر، هكذا يكون العصـر هو عصـر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة  " منقول عن (النّزعات الأصوليّة في اليّهوديّة والمسيحيّة والإسلام، كارين آرمسترونغ، دار الكلمة، دمشق 2005، ص90)، وهكذا باقي دعاة العلمانية، فإنهم يتصورون أفكارا خيالية لا واقع لها إلا في مخيلاتهم، كأن يكون الناس أحرارا في اختيار ما يناسبهم، وهذا قد ثبتت استحالته في الماضي والحاضر، فلم يكن الناس أحرارا في اختيار الأنظمة والقوانين التي تفرض عليهم في يوم من الأيام، وإلا لكان المجرمون أحرارا في ارتكاب جرائمهم، ولما كان هناك حاجة لوجود قوانين عقوبات تفرض على من لا يلتزم بالقوانين والتعليمات، خاصة من قبل ما يسمى بالأقليات التي لا تؤمن بما يؤمن به غالبية الشعب، أما جورج هوليوك وهو أول من نحت هذا المصطلح فينفي عن العلمانية أنها ضد المعتقدات والأديان بقوله: "لا يمكن أن تفهم العلمانية بأنها ضد المسيحية، هي فقط مستقلة عنها، ولا تقوم بفرض مبادئها وقيودها على من لا يود أن يلتزم بها، المعرفة العلمانية تهتم بهذه الحياة، وتسعى للتطور والرفاه في هذه الحياة، وتختبر نتائجها في هذه الحياة" منقول عن (العلمانية بالإنجليزية، الموسوعة الكاثوليكية "Catholic Encyclopedia" 28نيسان 2011)، وهذا الكلام مناف لواقع العلمانية التي تفرض قيودها وقوانينها على أصحاب المعتقدات الدينية المختلفة، ويعتبر البعض تصريح ثالث رؤساء أميركا توماس جيفرسون عام 1786م بأنه تعريف للعلمانية، عندما استخدم جيفرسون حق النقض الفيتو ضد اعتماد ولاية فيرجينيا للكنيسة الأنجليكانية كدين رسمي فصـرح قائلا: "إن الإكراه في مسائل الدين أو السلوك الاجتماعي هو خطيئة واستبداد، وإن الحقيقة تسود إذا ما سمح للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم"منقول عن (النّزعات الأصوليّة في اليّهوديّة والمسيحيّة والإسلام، كارين آرمسترونغ، دار الكلمة، دمشق 2005، ص103)، وتعرف دائرة المعارف البريطانية العلمانيّة بأنها: "حركة اجتماعيّة تتّجه نحو الاهتمام بالشّؤون الدُّنيويّة بدلًا من الاهتمام بالشّؤون الأخروية، وهي تُعتبر جزءًا من النّزعة الإنسانيّة الّتي سادت منذ عصر النّهضة؛ الدّاعية لإعلاء شأن الإنسان والأمور المرتبطة به، بدلاً من إفراط الاهتمام بالعُزوف عن شؤون الحياة والتّأمّل في الله واليوم الآخر، وقد كانت الإنجازات الثّقافيّة البشريّة المختلفة في عصر النّهضة أحد أبرز منطلقاتها، فبدلاً من تحقيق غايات الإنسان من سعادة ورفاهٍ في الحياة الآخرة، سعت العلمانية في أحد جوانبها إلى تحقيق ذلك في الحياة الحالية" منقول عن (الموسوعة البريطانية  28نيسان 2011م "Encyclopedia Britannica" )، وهناك دول قد نصت في دساتيرها صراحة على علمانية الدولة كأمريكا وفرنسا وكندا، وكان الكماليون في تركيا بعد إلغائهم للخلافة العثمانية عام 1924م، قد حذفوا من الدستور جملة "دين الدول هو الإسلام"، وفي عام 1937 أضافوا المادة الثانية في الدستور والتي تنص صراحة على علمانية الدولة.

ولعدم تقبل الشارع في البلاد الإسلامية ومنها العربية لمصطلح الدولة العلمانية لأنها مرادفة لكلمة كفر، فقد استبدلها البعض بكلمة الدولة المدنية، واستخدم البعض جملة "دولة مدنية بمرجعية دينية"، وكلها بالمحصلة تقوم على عقيدة فصل الدين عن الحياة، أو إنكار الدين، وهي من الأديان التي اتخذت من المفكرين والكهنة آلهة يعبدون ويشرعون ويضعون تعاليم الدين العلماني، وقد كان أول حزب علماني في مصـر هو "حزب الوفد" والذي اتخذ من الصليب والهلال شعارا له، ودعا لتحرير المرأة من الفضائل التي دعاها الإسلام للالتزام بها.

وهكذا ترى أنّ كل علماني يغني على ليلاه في تعريفها، وترى اختلاف مناهجهم العقدية والفكرية، وسأتطرق لبعض الأمثلة التي تظهر تناقضهم.

منع الذبح وفق الطريقة الإسلامية واليهودية

إن العلمانيين الغربيين، يفرضون رأيهم من خلال تقنينه على الأقليات، وهو ما يخالف نهجهم الذي يتحدثون عنه، وهو المساواة بين المواطنين وعدم فرض رأي الأكثرية على الأقلية، ويتناقضون في تبريرهم لفرضه مع مبدأ الحريات الذي يتغنون به، فقد دخل قانون أقرته الدانمارك في 17/2/2014م حيز التنفيذ، والذي يقضي بمنع الذبح وفق الطقوس الدينية الممارسة من لدن المسلمين واليهود على حد سواء، ولقي القانون، الذي وقعه وزير الزراعة والأغذية في حكومة الائتلاف المصغرة، رفضا قويا من الجاليتين، حسب ما أورده موقع قناة فرانس24 في 19/2/2014م، وأوضح وزير الزراعة والأغذية الدانماركي، دان يورجنسن الذي وقع القانون، أن "حقوق الحيوانات تأتي قبل الدين"، ويقضـي القرار بصعق الحيوانات قبل عملية ذبحها، وهو ما اعتبره الوزير "لا يتناقض مع مبدأ الحريات الدينية"، فهم يعتبرون الصعق والخنق من حقوق الحيوانات، أما الذبح فهو إيذاء للحيوانات، أي منطق غريب هذا؟! قتل البشر من أطفال ونساء وشيوخ وشباب بالطائرات والأسلحة التدميرية، هذا حلال بزعمه، وخنق الحيوان وصعقه بالكهرباء هذا حق من حقوق الحيوان، أما ذبح الخروف فهذه جريمة لا تغتفر.

الحجاب

وفي بلاد المسلمين التي يحكمها العلمانيون، فإنهم يسمحون للنساء بالخروج كاشفات لعوراتهن بحجة الحرية الشخصية، بل إن بعضها كتركيا وتونس فرضت قوانين تمنع ارتداء الحجاب ولباس الحشمة في الوظائف العامة والمدارس والجامعات، حتى أن بعض المطالبين بحظر الحجاب في الغرب يستندون إلى تقنينه في بعض البلاد الإسلامية التي يحكمها العلمانيون، وأصبح علمانيو الغرب يقننون منع اللباس المحتشم بحجة أنه رمز ديني؟ فأي تناقض يضع هؤلاء العلمانيون أنفسهم فيه، فهذه تركيا كانت تحظر لبس الحجاب على الموظفات وطلبة الجامعات، فمع بداية استيلاء المجرم مصطفى كمال أتاتورك العلماني على الحكم في تركيا حظر كل ما يمت للإسلام بصلة فمنع الأذان باللغة العربية وحول الكتابة من الأحرف العربية للأحرف اللاتينية، وقام بحظر الحجاب على الموظفات في القطاع العام، ثم توسع الحظر حتى شمل المحاميات والصحفيات في المؤسسات الخاصة وفي الجامعات، وفي عام 1984م صدر قرار بمنع الحجاب على الطالبات في الجامعات، وفي تونس أصدر بورقيبة الرئيس التونسي العلماني قانونا اسمه المنشور 108 عام 1981، والذي يأمر فيه بمنع ارتداء النساء لغطاء الرأس "الحجاب" تحت دعوى أنه يمثل مظهر من مظاهر الطائفية، وأنه ينافي روح العصر وسنة التطوير السليم ولقد ظهر بورقيبة على شاشة التلفزيون في احتفال شعبي وهو ينزع أغطية الرأس عن بعض النساء قائلا "انظري إلى الدنيا من غير حجاب"، وفي مصر قام العلمانيون بحرب شعواء على الحجاب بحجة تحرير المرأة، وكان حزب الوفد العلماني الذي أسسه الإنجليز بزعامة سعد زغلول، قد تصدر محاربة الإسلام ونزع الحجاب باسم التحديث وتحرير المرأة، وفي الدول الغربية العلمانية التي تعتبر الملهم والموجه والسيد لهؤلاء من العلمانيين في بلادنا فقد أطلقوا العنان في الحريات لكل شيء يتنافى مع الإسلام بل مع الطبيعة البشـرية السليمة، وعند الإسلام وتعاليمه لمعتنقيه توقفت هذه الحريات وأصبحت القيود والسلاسل، ففي فرنسا حُظر الحجاب بشكل رسمي في المدارس والجامعات والدوائر والمؤسسات الحكومية، وحتى أنه تم منع الأمهات المحجبات من دخول أكاديمية تعليمية لتسلم أبنائهن، ففي مدينة «آميان» شمال وسط فرنسا (رفضت محكمة المدينة دعوى قضائية مستعجلة تقدمت بها 13 مسلمة محجبة ضد أكاديمية التعليم في المدينة التي أصدرت قانونا تمييزيا يمنع الأمهات المسلمات المحجبات من دخول المؤسسات التعليمية لتسلم أطفالهن بعد خروجهم من المدرسة بسبب ارتدائهن الحجاب، وعللت المحكمة قرارها بعدم وجود عنصر طارئ يتوجب البت فيه بشكل مستعجل في الدعوى، وما على الأمهات المشتكيات سوى احترام القانون الصادر عن الأكاديمية التعليمية وإزالة الحجاب قبل دخول المؤسسات التعليمية لتسلم أطفالهن بعد الفصل الدراسي.) موقع جريدة القدس العربي في 5/7/2014م، أما في روسيا فقد منعت إحدى المدارس دخول الطالبات بالحجاب، فحسب ما أوردته جريدة الدستور الأردنية نقلا عن قناة روسيا 24 يوم 4/12/2012م فإن مدرسة بمدينة زيلينوكومسك في منطقة ستافروبول في جنوب روسيا قد أصدرت قرارا بمنع الطالبات من دخول الفصول بالحجاب، وقال سيرجي زينين عضو لجنة شؤون الأقليات الدينية والعرقية: (إن الحجاب لا مكان له في مجتمع علماني) وقال: (الحجاب من عناصر التعليم الديني والمدرسة علمانية وليست معهدا دينيا)، وحسب موقع صوت روسيا في 10/7/2013م : (فقد أكدت المحكمة العليا قرار المحكمة الإقليمية لستافروبول، مشيرة إلى أن روسيا، في جميع أنحاء البلاد، تلتزم بمظاهر التعليم العلماني)، هذا غيض من فيض من تناقضات العلمانية والعلمانيين.

وكانت التلفزيونات العربية تمنع أي مذيعة من الخروج على الشاشة إلا إذا كانت كاشفة لرأسها، وبعد تحجب إحدى مذيعات قناة الجزيرة، بدأت هذه التلفزيونات ترفع الحظر عن الحجاب، خاصة مع بداية ما سمي بالربيع العربي (الثورات العربية)، خوفا من ردة فعل الناس على هذا المنع.

زواج المثليين

ومن أبرز قوانين العلمانية هي القوانين التي تسمح بممارسة الرذائل والفواحش باسم الحرية الشخصية، وتحت مسمى "زواج المثليين"، فبعد أن أصبحت فاحشة الزنا هي من الأسس التي تقوم عليها العلمانية، وأصبح أكثر أبناء المجتمع عندهم هم أبناء سفاح لا يعرف الواحد منهم أباه، أضافوا إلى ذلك ضغثا على إبَّالة، فبدءوا في تقنيين إباحة اللواط والسحاق، واعتباره زواجا وحقا مشروعا للشواذ، ففي عام 2001م أصبحت هولندا أول دولة تقر قانون الزواج المثلي بين الذكور والذكور وبين الإناث والإناث، ويجاهر دعاة العلمانية بمختلف ألوانها وأطيافها بهذا الإنجاز قبحهم الله أنّا يؤفكون، وتبعتها بلجيكا عام 2003م، ثم إسبانيا وكندا عام 2005م فجنوب أفريقيا عام 2006م والنرويج والسويد عام 2009م وبعدها البرتغال وأيسلندا والأرجنتين عام 2010م، وفي فرنسا اصدر رئيس الجمهورية فرانسوا هولاند القانون الذي يجيز ممارسة الرذيلة بين الشواذ في فرنسا بعد أن صادق عليه المجلس الدستوري في 18/5/2013م، ما سمح بتطبيقه في حزيران 2013م حيث نشر في الجريدة الرسمية، وكان المجلس الدستوري الفرنسـي قد صادق عليه بعد أربعة أشهر من الجدل في الأوساط الفرنسية، وكان المجلس الدستوري اعتبر أن ممارسة الرذيلة بين الشواذ "الزواج المثلي" خيار المشـرع، ولا يخالف أي مبدأ دستوري، وكانت وزيرة العدل كريستين بوبيرا أعلنت نهاية نيسان 2013م: أنه قد يحتفل بأولى ممارسات الفاحشة بين الشواذ جنسيا اعتبارا من حزيران 2013م.

وفي بريطانيا شهدت مقاطعتا ويلز وانجلترا بعد منتصف ليل السبت 29/3/2014م ممارسة الفاحشة بأبشع صورها بين الشاذين والشاذات بشكل قانوني، بعد دخول قانون وصفه العلمانيون بالتاريخي حيز التنفيذ، بعد الساعة 00.00 بتوقيت غرينتش من يوم السبت وهو نفس توقيت بريطانيا المحلي، أطلق على هذا القانون اسم “قانون المساواة” ينص على اعتبار ممارسة الفاحشة بين الشواذ بأنه "زواج قانوني"، ووصف رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ممارسة الرذائل والفواحش بهذا الشكل الذي ترفعت عنه الحيوانات بأنها "لحظة مهمة للبلاد".

وكذلك أصبح مسموحا به في جميع ولايات زعيمة العالم الرأسمالي العَلماني "أميركا" في 26/6/2015م، حيث  أصدرت المحكمة العليا في الولايات المتحدة حكماً تاريخياً كما وصفته السي إن إن، يقضي بمنح الحق للشاذين والشاذات جنسيا بممارسة الفواحش بشكل قانوني، في كافة الولايات الأمريكية، وهو الحكم الذي وصفه الرئيس باراك أوباما، بأنه "انتصار لأمريكا.. وانتصار للحب."

 

بقلم: احمد ابو قدوم

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم