صحيفة المثقف

سليمان غزالة رائد المسرح الشعري في العراق

نبيل عبدالامير الربيعيمن ضمن منشورات الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق صدر كتاب الأستاذ الدكتور علي محمد هادي الربيعي (غزالة رائد المسرح الشعري في العراق)، الكتاب من الحجم الوسط ويتضمن (205) صفحة، مزود بالصور ونصوص الراحل غزالة الخاصة بالمسرح الشعري مع بعض مقالاته المنشورة في الصحافة العراقية مطلع القرن العشرين. تضمن الكتاب ثلاثة فصول، اختص الفصل الأول بحياة د. سليمان غزالة، والفصل الثاني دراسة مسرحية (لهجة الأبطال)، أما الفصل الثالث فتضمن دراسة مسرحية (الحق والعدالة).

يذكر الدكتور علي الربيعي في ص10 كيفية البحث والتقصي عن مسرحيات الراحل غزالة قائلاً: "ورحتُ أُدور في مكتباتٍ عامة وخاصة في العراق ولبنان ومصر عن هذه المسرحيات مؤملاً النفس بالعثور عليها. واستغرق البحث سنوات من دون أن أحظى بها، إلى أنْ عثرتُ في أثناء رحلة التفتيش هذه عن قسمٍ من مؤلفاته في المعارف والأدب يتقدمها كتابه (حياتي الشخصية والوظائفية) المطبوع في دار الطباعة الحديثة ببغداد سنة 1929م، الذي سرد فيه قصة حياته. وأشغلن الموضوع سنواتٍ، وأقبلَ الحظُ نحوي قبل سنتين إذ عثرت على نص مسرحية (لهجة الأبطال)، والمسرحية طبعت في مطبعة الشركة العثمانية المشتركة في القسطنطينية (اسطنبول) في سنة 1329هـ الموافق سنة 1911، وهذه المسرحية تكون قد سبقت مسرحيات الشاعر أحمد شوقي في طباعتها. وتبسَّم الحظ لي مرة ثانية وعثرت على نص مسرحية (الحق والعدالة) في إحدى المكتبات المفترشة في شارع المتنبي في بغداد، والمسرحية طبعت في دار الطباعة الحديثة ببغداد في سنة 1347هـ الموافق سنة 1929. أما النص الثالث المعنون (علي خوجة) المطبوع في مطبعة الشركة العثمانية المشتركة في القسطنطينية سنة 1913 فلم أعثر عليه حتى الانتهاء من هذا الكتاب".

2209 غزالى رائد المسرح العراقيويعتبر الدكتور سليمان غزالة هو اول من كتب المسرحية الشعرية العراقية، فقد طبع في الإستانة عام 1911 مسرحية (لهجة الابطال)، ويعني بهذا انه قد سبق الشاعر احمد شوقي في ريادة كتابة المسرحية الشعرية، إلا ان محاولته بقيت محليه ولم تنتشر، لربما بسبب ان سليمان غزاله كشاعر لم تكن قامته بحجم قامة شوقي في الشعر او تمكنه من الحبكة والبناء الدرامي كانت ضعيفة مقارنة بإمكانيات شوقي، او لأسباب اخرى غير معروفه، الا ان هذا لا يقلل من قيمة انها كانت المحاولة الاولى في كتابة المسرحية الشعرية.

وقد سلط الضوء الدكتور علي الربيعي على سيرة حياة غزاله في كتابه هذا وأحياء نصوص مسرحية شعرية من تأليف غزالة. الربيعي عرف بدوره الريادي في إحياء اسماء وأعلام من ادباء العراق، كانت لهم بصمة في تاريخ الادب والثقافة والمسرح العراقي.

ولد الدكتور سليمان عبد الأحد بن جرجيس بن يوسف غزالة في بغداد في الحادي والعشرين من شهر ايلول سنة 1853م لأسرة مسيحية عريقة تصعد بنسبها وجاهها إلى نحو أربعمائة سنة كما اثبتته مستندات محفوظة في مكتبة الآباء الكرملين في بغداد... انصرف غزالة منذ صغره إلى التعلم والتعليم والدرس، ودخل مدارس بغداد ولما يزل عمره أربع سنوات، ورغب في العلم رغبة كبيرة وراح يسعى وراءه بجد ونشاط. وعندما بلغ العاشرة من عمره أرسله والده إلى مدينة الموصل للدراسة في مدرسة الآباء الدومنيكيين. وحال عودته سنة 1869 عُين معلماً ثانياً في مدرسة الكلدان، فكان يعمل في الصباح معلماً بمعية المعلم سليمان بن القس الياس الموصلي، ويشتغل في المساء في مهنة تجليد الكتب التي تعلمها في مدرسة الآباء الدومنيكيين في الموصل. هذا ما ذكره الربيعي في ص17 وص18 من كتابه.

كما قام "غزالة بتدريس اللغتين الانكليزية والفرنسية في مدرسة الإليانس اليهودية. حتى عام 1879م شد الرحال إلى بيروت عند الآباء اللاتين، وفي الوقت نفسه كان يعمل معلماً للعربية في مدرسة اليسوعيين. وبعد أن أتم دراسته وجد في نفسه رغبة لدراسة الطب، فتوجه من بيروت صوب بريس والتحق طالباً في مدرسة (سان لوسيان)". ثم يعقب الدكتور الربيعي في ص19 قائلاً: "بعد اتمام المقررات الأولية التي تؤهله لدراسة الطب انتسب طالباً في جامعة الطب الباريسية في شهر كانون الأول سنة 1880م. وتسنى له أن يدرس العلوم الطبية على أيدي أطباء مشهورين أمثال شانتمس وبوزي ولويس باستور، فقدروا ذكاءه ونشاطه وتقدمه في الدروس مدة خمس سنوات".

بعد أن انجز غزالة دراسة الطب وعيّن طبيباً في الآستانة مشرفاً صحياً على جميع الولايات العراقية واتخذ مقره في مدينة الحلة. ثم أسندت إليه مهام صحية في طور سيناء، واسطنبول وطرابلس الغرب في ليبيا وباريس وطهران حتى عاد إلى مسقط رأسه بغداد عندما وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها. ويذكر الربيعي في ص23 حول دور غزالة في مجال السياسة قائلاً: "فناصر بجد قيام المملكة العراقية في سنة 1921 ، وهلل لاعتلاء الملك فيصل بن الحسين عرش العراق، وخصه بقصيدة عصماء بعنوان (القصيدة الفيصلية)... والزمه الواقع الجديد أن ينخرط في الحياة السياسية بشكل مباشر هذه المرة، فانتخبه مسيحيو البصرة ممثلاً عنهم في المجلس التأسيسي العراقي في سنة 1923م... أصيب غزالة بمرض عضال اثر عمله المضني خلال سني حياته وتحمل المرض مدة طويلة بروح رياضية عالية، إلى أن وافاه الله في الثامن عشر من تشرين الأول سنة 1929، وله من العمر سبع وسبعون سنة قضى السنوات الأكثر في خدمة الطبابة".

نشطت حياته الفكرية والإبداعية بعد زواجه من زوجته الفرنسية، التي كانت مؤلفة وروائية ورسامة، فكانت حافزاً إيجابياً لتوجهه الأدبي. له كتب وكتيبات مطبوعة، في جوانب معرفية مختلفة، تتطرق إلى الاجتماع والأخلاق، ثم النظم السياسية، من أهمها: سوانح الفكر في ما يسامي العشق من عبر- طهران 1915، وسوانح الكلم- طهران 1915، والمعضلة الأدبية ومزاولة أصلها تاريخياً- بغداد 1927، والعشق الطاهر- 1925، والهوى- 1926، والحب البشري نظراً إلى الحياة الاجتماعية- 1926، وخلاصة الأدب الرياضي العملي- 1927، والأدب النظري العمومي- 1927.

 

نبيل عبد الأمير الربيعي

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم