صحيفة المثقف

الإبداع في زمن دافنشي وشكسبير والإبداع في زمن كورونا

محمد سعد عبداللطيفعلي سلالم منزل الله .الكاتدرائية في ميدان "الدومو" في مدينة ميلانو شمال إيطاليا  الفنان والمبدع "افنشي" يشارك في مواجهة  تفشي وباء الطاعون .بريشة فنان يرسم اسباب تفشي الوباء .وكأنه متخصص في جغرافية المدن .ليرسم ميدان وتمثال ورسام وحمام يطير فوق رؤوس العاشقين . .ويرسم ميدان .وشوارع واسعه .. لتواجه المدينه في العصر الحديث مصير تفشي وباء كورونا .الذي حصد أكبر عدد من الوفيات في العالم .

زمن ردىء والآسوء منه المُناخ الذی أناخٰ کل قافلة- وعصّف بالکرة الأرضیة من کوارث طبیعیة جعل العالم  حارة . بعد أن كان في عصر العولمة قریة صغیرة . یعیش العالم  حالة من الرُعب، والخوف، وکیف تفرز الکوارث الطبیعیة الأوبٸة والفیضانات، والزلازل والبراكين  أنماطؑا سلوُکیة مختلفة وغریبة تمتزج فیها سلوُکیات عدوانیة من الأحتکار والنهب والسلب والجریمة والارتدادؑ نحو التطور البداٸی، حیث یُصبح الأنسان مُفترسؑا لکل شیء ویقع العالم الآن تحت عالم الخرافه والسحر والشعوذة، إن السلوکیات الإنسانیة التی تقوم علی الإبداع والتدابیر العلمیة والعملیة لإدارة أزمة الوباء والتغیرات المناخیة والاحتباس الحراري..من الإشعاعات .

کان الإنسان جزءا مُهمًا ومتهمًا فی خؑلل الطبیعة.. هل یستطیع الإبداع أن ینقل صورة تراجیدية للمأساة التی تتعرض لها البشرية کما جسدها الکاتب المسرحي الإنجلیزي (ولیام شکسبیر) وهل تستطیع مدینة الفنون ومدینة الرسام "دافنشی" میلانو التی تتعرض لوباء کورونا منذ ظهور الوباء وحصد أرواح كبيرة حتي كتابة هذة السطور.۔

أن یخرج رسام من حول "میدان الدومو" الشهير  لیرسم لنا لوحه عن هذه المآساة. وبعد تصریحات زعماء العالم وفقدهم فی السیطرة علی الوباء من تصریح "رٸیس وزراء إیطالیا " منذ عام  إذا استمر الحال علی ما هو علیه۔ ستحصد إیطالیا نحو" 4 ملایین " من جراء هذا الوباء، وکأن التاریخ یعید نفس السیناریو فی القرن" الخامس والسادس "، عندما ضرب وباء (الطاعون) مدینه میلانو شمال إیطالیا وراح ضحیته نحو نصف عدد السکان، إنها مدينة رسام ومهندس عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي " نجا فنان عصر النهضة الإيطاليليوناردو دافنشي من وباء الطاعون الدبلي " الذي ضرب ميلانو نهاية القرن 15، وقتل حوالي خمسين ألف شخص يمثلون أکثر من ثلث سكان المدينة، التي تعيش منذ عام . على واقع تفشي فيروس كورونا (کوفید 19).

وألهم الطاعون دافنشي لتصميم مدينة مستقبلية عبر عنها من خلال سلسلة من الرسوم والتدوينات اكتملت بين (1487 و1490)، وتوجد في مخطوطة لا تزال باقية حتى الآن، وعمدؑ فيها لتحويل مدن القرون الوسطى مثل ميلانو -التي كانت ضيقة، يصعب التنقل فيها، وقذرة، ومزدحمة، وتساعد في انتشار المرض، نحو تخطيط أكثر حداثة مدعوم بشبكة قنوات تدعم التجارة وحركة البضائع والصرف الصحي، وقسم المدينة رأسيا إلى ثلاث طبقات مختلفة لكل منها غرض مختلف.

وكانت أفكار دافنشيفي زمنه مختلفة جذريا ويصعب تطبيقها على المدن القائمة بالفعل، لكنها ألهمت بناء مدن جديدة بالكامل في الأزمنة الحديثة، وسعى دافنشي لتقسيم المدينة عموديا، وفصل المناطق المستخدمة للتجارة والنقل عن تلك المستخدمة للترفيه والمعيشة.

ويمكن القول إن هذا التخطيط يشكل محاولات مبكرة للتقسيم الحديث، وهو نهج للتخطيط الحضري لم يدخل حيز التطبيق البارز إلا بعد الثورة الصناعية بوقت طويل، وكان عدم كفاءة شوارع العصور الوسطى المختنقة مصدرًا لانتشار "الطاعون الدبلي"، لذلك كان تحويل الطريقة التي يتحرك بها الأشخاص والمركبات وسيلة فعالة لحصار هذه الأوبئة، واعتمد تصميم دافنشي على طرق متعددة المستويات للمركبات والمشاة.

وانقسمت مدينة میلانو لمستوى علوي للمشاة والمجتمع والعناصر الجمالية، بينما خصص المستوى السفلي لشبكة من القنوات والطرق التي تستخدم لحركة البضائع والحيوانات والتجارة والمخازن، واعتمد شوارع واسعة وارتفاعا منتظما للمباني، ومداخن طويلة، ونظام صرف صحي متطورا لمواجهة الطاعون.

ولتخيل هذه الفكرة يمكن التفكير في مستوى تحت شارع المشاة والمركبات لتوصيل البضائع والأطعمة وتفريغهما في المخازن، ويمكن مقارنة هذا التصميم بتخطيط مدن حديثة تمنع استخدام السيارات في مراكز المدن، مع مراعاة الحد من الانبعاثات وتقليل الازدحام، ومنع تكدس الناس بشكل يعرضهم للعدوى المميتة كما حدث في ميلانو خلال العصور الوسطى.

 کذلك أبدع الأدیب المصري " طه حسین "فی روایته (الأیام) والاعتقادات فی زمن انتشار وباء الکوليرا فی مصر ۔ففی ستینیات القرن الماضي کتب " الادیب المصري ذکی نجیب الکیلاني " روایته (لیل وقضبان) أو سجن بلا قضبان لیعیش العالم الآن فی سجن کبیر اختیاری وإجباري، وقد برع الکاتب والأدیب البریطاني (ولیام شکسبیر) فی مجموعة من أفضل أعماله خلال الطاعون الذي ضرب بريطانيا نهاية القرن الـ16، واستلهم كذلك أدب شكسبير في نهاية القرن " 16 "وأثناء تفشي وباء "الطاعون الدبلي"، الذي أودى بحياة كثيرين في سلسلة من موجات الوباء تسبب آخرها في موت ربع سكان لندن، جرى إغلاق كل المسارح في أوقات كثيرة، وكانت القاعدة الرسمية أنه بمجرد تجاوز معدل الوفيات ثلاثين أسبوعيا سيتم إلغاء العروض كافة.

وتوفي بسبب الوباء القاتل أشقاء شكسبير الأكبر سنا وكذلك ابنه الوحيد (هاملت) الذي قضى في الحادية عشرة من عمره، ويرى بعض الباحثين أن الأديب الإنجليزي كتب مسرحيته التراجيدية الشهيرة "مأساة هاملت" تأثرا بوفاة ابنه التی کانت مقررة علینا فی المرحلة الدراسیة الثانویة.

وفي العقد الأول من عهد: الملك جيمس "الأول الذي حكم بين عامي 1603-1625م، كان الطاعون يعني أن مسارح لندن ستغلق أغلب الوقت، وكانت لندن تعیش حاله فزع ورعب جسدها شکسبیر فیما یعرف بـ(تراجیدیا وباء الطاعون) وعلى العكس مما هو متوقع ألهم كتابة مسرحيات عديدة، ورغم أنه كان يعتقد البعض أن شكسبير تحول إلى الشعر عندما أغلق الطاعون المسارح عام 1593، وذلك عقب نشر قصيدته السردية الشهيرة "فينوس وأدونيس" التي ذكر فيها الطاعون، فإن باحثين يرون أن إغلاق المسارح عام 1606 سمح لشكسبير بإنجاز الكثير من الكتابة الدرامية وألف في ذلك العام مسرحيات "الملك لير" و"ماكيث" و"أنطونيو وكليوباترا".

وبالنظر إلى أن الطاعون الدبلي أهلك الشباب بشكل خاص، فقد قضى أيضًا على منافسي شكسبير المسرحيين من شركات المسرحيين الشباب الذين هيمنوا على مرحلة أوائل القرن الـ17، واستحوذت فرقة شكسبير على مسرح" بلاكفرايرز " في عام 1608، مستفيدة من غياب أحد المنافسين الشباب بسبب الطاعون.. وبالإضافة إلى الفرص التجارية، قدم الطاعون مخزونا قويا من الاستعارات الدرامية، وظهرت بقوة في نصوص" شكسبير" في تلك الفترة، وفي أحد مقاطع مسرحية "روميو وجولييت" تلجأ الحبيبة للراهب الذي يعطيها جرعة من دواء يجعلها تبدو كالميتة لتستيقظ في المقبرة وتهرب لحبيبها، لكن الراهب يتم احتجازه في الحجر الصحي بسبب الاشتباه في إصابته بالطاعون مع كاهن آخر كان يساعد المرضى، وهكذا يفشل في توصيل الرسالة إلى روميو الذي يعتقد أن حبيبته ماتت ويصل للمقبرة ويشرب السم ويموت، وحين تستيقظ (جولييت) وتجد (روميو) قد مات تنزع خنجرا من غمده وتقتل نفسها. هکذا أبدع فن ومسرح (شکسبیر) فی نقل جزء مهم من تاریخ البشریة. هل سینجح الإبداع والمسرح الراقی والأدب والفنون ان یتربع علی العرش، بعد حیاه من المادیه والنزعه الآنانیه التی إجتاحت العالم ۔

 

محمد سعد عبد اللطیف

کاتب مصري وباحث فی الجغرفیا السیاسیة

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم