صحيفة المثقف

إحتراق

رفيف الفارسرن الهاتف بإصرار، وبإصرار لم يرد على المتصل، تركه يرن حتى توقف وتكرر الامر مرة وثانية وثالثة...

التقط مفاتيح السيارة بسرعة وغادر الشقة تاركا الهاتف يواصل رنينه... هو يعرف ان صديقه لن يتوقف عن الاتصال، المبلغ الذي اقترضه منه، منذ خمسة أشهر تراكم ببشاعة...

أخذ نفسا عميقا قبل ان يطرق الباب...

ابتسمت له والدته بحنان وهي تلمح تقطيبة جبينه ... لم تسأله ... هي تعرف وقد خاضا هذا النقاش أكثر من مرات ضاع معها العد، ولم يتوصلا إلى توضيح وجهتي نظرهما... فكل منهما يحاول تسلق فكرة يبني عليها مستقبلا يبقى مع كل النقاش مجهولا...

ــ متعَب؟

ــ قليلا!

ــ العمل؟

ــ نفسه لا جديد!

ــ جائع؟

ــ لا!

القى بجسده على الاريكة الوثيرة ... ابتسم حين مد يده بين طياتها متلمسا قلم رصاص قديم كان قد انزلق منه منذ سنوات هناك... هدوء، صمت إلا من اغنية قديمة تحب والدته ان تسمعها بين حين وآخر... (هذا مو انصاف منك...)

عَبِق البيت برائحة الشاي مع الهيل، بعد كل هذه السنوات لا يزال هذا العطر غريبا في الحي ... اغمض عينيه... لم ينم منذ ثلاثة أيام، فهو لا يجد حلا لمشكلتهِ، الأرق أصبح روتينا... مثل الخيبة ... حاول أراحة رأسه لدقائق قليلة…

نهض فزعا على صوت سيارة الاطفاء وهي تخطف مسرعة ...هاجمت أنفه رائحة الهيل من جديد ... تذكر انه يجب ان يعود الى شقته قبل الذهاب الى العمل...

بصوت مرتفع ..

ــ ماما انا خارج

-  حبيبي عد الى هنا بعد العمل

-  ربما!

الطريق إلى شقته مزدحم على غير عادة ... سيارة إطفاء أخرى وإسعاف .. اصوات مزعجة ... اقترب أكثر .. يا الهي هذه شقتي...

قالها بشهقة عالية ... فكر سريعا .. اغراضي هاتفي ملابسي كل شي اوراقي معها … كتبي القديمة... نظر الى اللهب المتصاعد بذهول لا يعرف كيف اندلع الحريق.. البيوت خشبية تنتشر فيها النار بسهولة ... فكر بسرعة…  ياويلي الكثير من الأعمال الورقية... الشرطة… استخراج الاوراق الرسمية... التأمين… كل القلق خلق حفراً في رأسه… في جسده… منذ زمن بعيد... عاد الى البيت نظر في عيني أمهِ كأنه يبحث عن عالم بعيد جدا… حلمٌ بعيد جداً...

-  ماذا حدث؟؟

-  احترقت الشقة وكل شيء .

وضع رأسه على كتفها وأجهش بالبكاء... احتضنته بقوة

-  سيكون كل شيء بخير...  انت هنا الان ... بأمان!!

***

قصة قصيرة

رفيف الفارس

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم