صحيفة المثقف

مشكلة بين الاب والابن!

يسري عبد الغنيالأدب يجتاز مشكلة أعقد من مشكلة الصحافة ووسائل الإعلام لأنه لا يستطيع اصطناع لغة خاطئة، ولكن جيل القصاصين والروائيين ابتداءً من يحيى حقي، وحتى أديبنا العالمي / نجيب محفوظ، ويوسف السباعي، وإحسان عبد القدوس، وغيرهم ..، لم يملكوا اللغة العربية الفصحى على شروط طه حسين، ولكننا لا نستطيع أن نقول أنهم لا يملكون فن الكلمة، أو فن القول، كما سماه شيخ الأمناء / أمين الخولي .

يبدو أننا سنعود إلى نظرية الناقد الفرنسي الشهير / سانت بيف، الذي قال: إن الأسلوب هو الرجل، ولكن طبيعة اللغة الفرنسية تختلف عن طبيعة اللغة العربية، لأن الطفل الفرنسي يعرف اللغة في أشعار (فيكتور هوجو) ولكن الطفل العربي لا يعرف كيف يقرأ شعر المتنبي أو شعر شوقي، وقد يصعب ذلك على بعض المعلمين والكتاب والأدباء .

لقد كان يوسف السباعي يفخر دائماً بترجمة والده / محمد السباعي لرباعيات الخيام، ولكنه لم يحاول دراسة هذه الترجمة الشعرية أو المنظومة الشعرية دراسة جادة متأنية .

ويبدو لي أنه لو اتبع يوسف السباعي أسلوب والده في الكتابة، لامتنع عن الكتابة من الأساس، فإن أسلوب الأب لا يصلح لكتابة القصص أو الروايات التي كتبها الابن .

كثيرون لا يعرفون أن أمير الشعراء / أحمد شوقي حاول تأليف روايات شعرية عصرية، فعجز عن ذلك بسبب اللغة .. هناك مسرحيتان شعريتان لشوقي هما (الست هدى) و(البخيلة)، وكلاهما تدوران في حي (الحنفي) الذي يربط حي السيدة زينب بحي عابدين جنوب القاهرة، والمعروف أن (شوقي) ولد وشب في حي (الحنفي)، ويقال أن شوقي عانى الأمرين في كتابة هاتين الروايتين، حيث أنه كتبهما أكثر من مرة، وأنه لم يستكمل رواية (البخيلة)، كما أنه أعاد كتابة (الست هدى) المسرحية الاجتماعية الوحيدة له، ورغم إتمامه لها فقد اعترف بأنه لم يكتبها بالشكل الشعبي الذي كان يريده، كما اعترف بأن المسودات الأولى لهذه المسرحية كانت مضحكة .

هل هذه اللغة العربية الفصحى لغة تاريخية ؟، كيف تحيا ؟، أو كيف تموت ؟، أو كيف تنبعث بعثاً جديداً ؟، لقد كتب يوسف السباعي كما أراد، ولم يلتزم اللغة العربية الفصحى، وهذه هي المشكلة التي تواجه الأدب العربي الآن، لأن القراء في الأجيال القادمة لم ولن يستطيعوا فهم قصص وروايات وأشعار كتبت بألفاظ ليس لها قاموس خاص معترف به .

نحن اليوم لا نستطيع فهم بعض النصوص التي كتبت في عصور سابقة، قبل هذه اللغة التي تمازج بين الفصحى والعامية، أو التي كتبت بلهجة عامية متغيرة عبر العصور .

مساكين أدباء عصرنا من الروائيين والشعراء والقصاصين، إنهم يحتاجون إلى مجامع لغوية جديدة، تضع لهم قواميس جديدة تشرح ألفاظهم لمن يريد أن يقرأ كتاباتهم، لأن لسان العرب لابن منظور، وكذلك القاموس المحيط للفيروز آبادي وغيرهما من القواميس لن تستطيع شرح هذه الألفاظ ... !!

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم