صحيفة المثقف

يوم المغترب العربي

جميل حسين الساعديهذه القصيدة هي لسان حال الكثيرين  ممن دفعتهم الظروف القاسية إلى مغادرة أوطانهم من أجل عيشٍ كريم، لكنهم فوجئوا بقسوة من نوع آخر. وهكذا تستمرُّ المعاناة إلى ما لا نهاية*


عُمُرٌ مرّ ولمْ يبلغْ مَرامهْ

            وجرتْ أعوامهُ جرْي َ الغمامهْ

وشبابٌ قدْ قضاهُ مُرغما ً

                 في بلادِ الثلْج ِ حزنا ً وندامهْ

حيرةٌ كالظلّ تمشي مَعَهُ

                       أرّقتهُ سلبتْ منهُ مَنامَهْ

كلُّ شئ ٍ حولهُ يرفضهُ

                    فغدا يضرمُ للوهم ِ هيامَهْ

أملٌ عاشَ لهُ مُغتربا ً

                ها هوَ الآن هنا ينعى حُطامَهْ

عالمٌ يقطرُ ليلا ً لمْ يَعُدْ

                  لضياءٍ في سَماهُ مِنْ علامهْ

فهْوَ ما عاشَ هنا مُتّهمٌ

                مُذنبٌ، لا بدَّ مِنْ دفْعِ الغرامهْ

سعْيهُ أضحى سرابا ً لمْ يَجِدْ

            غُصْن َ زيتون ٍ ولمْ يلق َ حَمامهْ

حالمٌ بالخيْرِ ضاقتْ أرضهُ

                  برؤاهُ فمضى يبغي مرامهْ

سَخَرت منه ُ الأمانيُّ وفي

             كلِّ صوْبٍ نَصَب َ اليأسُ خيامَهْ

هَجَرَ الأوطانَ كي ينجو من ال

                  ظلْم ِ لكنْ وَجَدَ الظلْمَ أمامهْ

                ***

أيّها الشاكي أنا مثْلكَ قد

              ضِقْتُ بالمنْفى وقاسيتُ سَقامَهْ

زمنٌ عانيتَ مِن قسوتهِ

              نفسهُ خلّفَ في صدري سهامهْ

إنّهُ الهمُّ الذي أسكرني

            يا صديقي لا أباريقُ المُدامهْ(1)

مرّة ً حدّثني مُسْتفْسرا ً

           صاحبٌ ثبّت َ في نفسي احترامهْ

ساءهُ حالي فأبدى دهشة ً

                   وأنا أذكرُ ما عِشْتُ  كلامهْ

أنتَ موهوبٌ مُجِدّ ٌ عاقلٌ

              لكَ مِنْ طَبْعِك َ حصنٌ ودعامهْ

والشهادات التي قد  نلتَها

                 تنفعُ الإنسانَ لا تخفي مقامهْ

قلتُ قد علّقتُها في حائط ٍ

                     وتمنيّتُ لها طُولَ الإقامهْ

مرّة َ حاولتُ أن أحرقها

             غير أنّي خفتُ مِنْ أهْلِ الملامهْ

فتركتُ الأمْرَ وانسابتْ على

                 شفتي سخرية ً شِبْهُ ابتسامهْ

قُلتُ في نفسي إذا مُتّ غدا ً

                      ربّما تنفعني يومَ القيامهْ

                  ***

جميل حسين الساعدي

..................

(1) المُدامةُ: الخمر

* القصيدة ألقيت في الحفل الذي أقامته الجامعة العربية في في قاعة فندق يقع في  Wittenberg   وهي قاعة معدة للإستعراضات السينمائية العالمية. حضرالحفل الآلاف كان منهم من قدم من البلدان المجاورة كفرنسا وبلجيكا. حين انتهى الحفل خرجت مع الشاعر العراقي كريم الأسدي ، الذي كان من ضمن الذين جاءوا لمشاهدة الحفل . خرجنا معا، توجهنا إلى مقهى . في Krueuzberg

أخبرت كريم أنّ ممثل الجامعة العربية سلّمني بعد انتهاء الحفل ظرفا، فتحته، فإذا فيه 100 مارك، أي مايعادل تقريبا 70 دولارا .قلت في نفسي ياللخزي يصرفون ملايين الدولارات في مجالات لا تستحق مثل هذا الصرف، ويحاولون أن يظهروا بمظهر المتكرم على مبدع بهذاالمبلغ، الذي لا يستحقّ ا لذكر . كان بودّي في تلك اللحظة أن يكون معي كتاب (البخلاء) للجاحظ  كي أسلّمه لممثل الجامعة العربية لقاء السبعين دولار. لم يكن تمثيلي وقتها للعرب فحسب، بل كنت أتحدث بلغة كل الذي اضطرتهم الظروف القاسية أن يغادروا أوطانهم من مختلف الجنسيات في عالم غير مستقر

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم