صحيفة المثقف

كيف ينشأ الإيمان؟

ريكان ابراهيمفي علم النفس الديني (7)

إن الإنسان يولدُ على صفحة التعادل بين الإيمان بإله والجهل بذلك في محطة اسمها (اللاأدرية)، ولكن ميلَهُ الداخلي الذي يتحدى كل ممانعته كانَ إلى الإيمان، وهذا ما جعله يبحثُ دائماً عن سندٍ  يواجه به خوفه من نفسه ومن الكائنات حوله وهو الإله بواسطةٍ هي الدين في طريقةٍ وزع بها رجاءه على أكثر من إله لأكثر من ظاهرة وعلى نحوٌ عَدَد فيه الإله الواحد على آلهةٍ. وإستناداً إلى هذا الميل الداخلي إلى الإيمان سنناقش الكيفية التي يُحقِقُ بها الإنسان هذا الإيمان.

الإيمان في نظرة المدارس النفسية: إن مدارس علم النفس المختلفة ومنذ نضوجها وإعتمادها خطاً خاصاً بكل منها لم تغفل إعتقاد الإنسان وعلاقته بالكون. إنها  حاولت أن تُفسر هذه العلاقة لأنها وجدت أن مسيرة الإنسان المتمثلة في عقله وعواطفه وسلوكه لا تكتمل ما لم يكتمل الجانب العقيدي.

نظراً لاختلافها عن بعضها في فحص هذه العلاقة فإننا سنشير إلى طريقةِ  كُل من ثلاث مدارس كبيرة في هذا العلم بما يخص إيمان الإنسان بالرب الذي يؤمن به وبقدرته، ونعني بها:

أ‌- المدرسة السلوكية

ب‌- مدرسة التحليل النفسي

ج- مدرسة الجشتالت (المدرسة الشكلية)

أ‌- المدرسة السلوكية: إنطلاقاً من قانون هذه المدرسة الذي يقوم على التعلمLearning  بأنواعه: التطبيعيConditioning، والملاحظات  Observational، والمقارن Comparison، يُنظر إلى الإيمان فيها بأنه نوع من التعلم، شأنه شأن أية حقيقة تدور حول الفرد وتُلح عليه في ضرورة معرفتها. وعلى وفق هذا النوع من الإيمان يُصبح الفرد متلقياً لإيمانه من مرشد آخر أو مُعلم كثيراً ما تقوم الأسرة بتمثيله.

هنا يُصبح الفرد في إيمانه تابعاً لغيره وطريقته في تعليمه إياه. وفي الدين الإسلامي يُشير الرسول الكريم محمدﷺ  إلى أن الفرد يُولد على الفطرة، إنما أبواه هما اللذان يُهودانه أو يُنصرانه.

هذا الحديث الكريم لا يُشير إلى الإيمان موضوعاً بحد ذاته إنما يُشير إلى الطريقةِ التي يُعلمُ بها الفرد طريقة وصوله إلى هذا الإيمان وهي الدين، تبعاً لدينين سماويين كريميين هما اليهودية والمسيحية، سبقا الإسلام ظهوراً.

وعندما يُشير هذا الحديث إلى الآلية في تَعلم الدين إرتقاءاً إلى معرفة الله، يفترض أن التعليم يبدأ في الصِغَر (ربما هذا فهمي المتواضع للحديث الكريم) ولكننا نطمع أكثر في تفسيره أو تأويله فنشير إلى هذا التعلم (من مُلقِن إلى مُلَقَن) لا يمنع الفرد لاحقاً من الإنقلاب على ما سبق أن تعلمه مُمثَلاً في تغيير الفرد دينه في كِبرَه.

إن هذا يحدث دائماً (قليلاً أو كثيراً) ليُوضح لنا حقيقتين لا مناص من ذكرهما:

1- حياتية موضوع الإيمان الذي لا يتغير حتى لو تغير الدين.

2- حياتية الدين في قبول إنتقال الفرد إلى دين آخر لأن موضوع الإيمان يعتمد على المجتوى أكثر من إعتماده على الآلية أو الكيفية عن الإطار النهائي لمفردات الإيمان.

إن سؤالاً  عن الذي قلناه جديرٌ بالظهور: هل يعني مفهوم هذه المدرسة عن طريقة نشوء الإيمان أن الإنسان آله صماء يتم تصنيعها وتصديرها إلى العالم الخارجي كيفما  أراد المُصنع؟ إجابة عنه نقول: أن تعليم الإنسان الفكر يختلف عن تعليم الإنسان السلوك.

فالسلوك ناتج من نتائج الفكر، والمُفكر (أساسُه التفكير) قابلٌ للتغير بسهولةٍ تفوق ثوابت السلوك. هنا تبرز حقيقة  أن الإنسان وعلى الرغم من تصنيعه في المدرسة السلوكية يظلُ مالكاً لحصته الخاصة في التًمرد على ما تعلمه.

ب‌- مدرسة التحليل النفسي: تعتمد هذه المدرسة على توجهات المُنشىء الأول لهذه المدرسة (سيغموند فرويد) وأتباعه. إنها تنظر إلى الإنسان على أنه الناتج النهائي (فكراً وسلوكاً وعواطف) لمجموعة العوامل التي أسمهت في طفولته الأولى والثانية ومرحلة المراهقة حتى سن النُضج (ونعني بها سن الثامنة عشرة التي لم يعرف الباحثون لماذا سُميت بسن الرُشد).

بناءاً على هذا التصور الذي قدمتهُ هذه المدرسة، يقوم الإنسان في إيمانه على أسس صورته هو، تكوينه هو، وليس على أساس ما يُلقَن به، فيأتي الإيمان حصيلة جهده التي لابُد من أن تُثمر إيماناً أو إلحاداً.

إن مدرسة التحليل النفسي لا تخلو، إن لم تكن تعتمد، من الإستناد إلى ما عاناه مؤسسها فرويد من خصوصية تصوره هو في موضوع الإيمان، لأن منظورات هذه المدرسة تنطلق من الخبرة الفردية السريرية أكثر من إنطلاقها من مبدأ الإحصاء.

بذلك تُعد مدرسة التحليل النفسي كأنها (مدرسة تحليل نفسية فرويد)، وهذا ما يشير إلى نظرتها إلى الإيمان نظرةً متأرجحة بين الشك واليقين، بين التصديق والتكذيب، وبين الفردية والجمع.

ولكي نحدد هدفنا من أقوالنا هذه نحاول أن نُحاصر الموضوع بالكلمات على النحو الآتي:

1- ترى هذه المدرسة أن ظروف نشأة الفرد (طفلاً ثم يافعاً) مسؤولة عن إنتاج فرد مؤمن أو مُلحد. لا تعني بذلك أن المدرسة هذه تتفق مع المدرسة السلوكية في ضرورة تعليم الفرد إيمانه من مُعلم لأنها ترى أن المعلم ليس أسرة أو مُعلماً أو مرشداً بل أنه الطفل واليافع نفسه، الذي سيكون علاقته بالإيمان قبولاً أو رفضاً.

2- ترى هذه المدرسة أن الطفل الذي (يُربى) في كنف أم مسيطرة قاسية سينشأ رجلاً مستسلماً يتلقى حتى إيمانه تلقياً خائفاً.

3- ترى هذه المدرسة أن أمراض النشوء المُبكر في حرمان طويل الأمد من حنان أبٍ قاسٍ مُستبد مسؤولة عن إنشاء طفلٍ مُتمرد على صورة الله التي قدما أب بهذه القسوة.

4- ترى هذه المدرسة أن طقوس الدين الذي هو وسيلة هي عادات لا يفهم مغزاها ممارسُها فيثور على دينه وبذلك يثور على إيمانه.

5- ترى هذه المدرسة ان الإنسان في بواكيره يرسم للإله الذي آمن به صورةً قريبةً من إيمان يصنعه هو. فالذهاني يرى في إلههِ أن هذه الإله اختاره دون سواه من أقرانه رجلاً مُختاراً مصطفى، ومريض الوسواس القهري يرى في إيمانه حالةً من حالات القبول والرفض، والتصديق والتكذيب.

ج. مدرسة الجشتالت (المدرسة الشكلية): ترى هذه المدرسة أن الكُل في أية ظاهرة، ومنها ظاهرة الإنسان، لا يساوي بالضرورة حاصل جمع أجزائهِ. فالتلاميذ في الصف المدرسي (وفيهم الذكي المتفوق والتلميذ الأقل القريب من بطء التعلم) لا يساوي ذكاؤهم حاصل جمع ذكاء أفرادهم لأن القضية لا تعتمد على التراكم.

وعندما يُلقي المعلم الدرس على هؤلاء التلاميذ يصير مُلزماً بالتعامل مع التلميذ الأوسط في قدراته حيث يفهمه المتفوق بالنزول عن شيءٍ من قدراته ويفهمه الأدنى بتصعيد المزيد من قدراته ويحصل الأوسط على حصته الدسمة لأنه يمثل الحالة الوسطى.

في موضوع نظرة هذه المدرسة إلى الإيمان، نودُ أن نُشير إلى أنها تعتمد أصلاً على قاعدته (إغلاق الدائرة الفكرية في أي موضوع لكي لا تتركه سائباً).

الإنسان في هذه المدرسة يبحثُ عن الماهية في الظاهرة مُمثلة بظهور الفكرة ثم خضوعها لعوامل (المقاربة، المقارنة، التشابه، المفارقة ثم الإغلاق). والإنسان المُلحد هو الإنسان السائب بلا نهايةٍ يستقر عليها تفكيره. وفي الأديان السماوية تتحقق عملية الغلق فالإنسان كائن: (يُولد ← فيعيش ← فيترُك أثراً ← فيموت ← فيلتحق بالله). عملية الغلق هذه تتم بمشيئة الله عند المؤمنين من أتباع هذه المدرسة فيما تتم بمشيئة موت البايولوجيا عند المُلحدين من أتباع هذه المدرسة.

***

عوامل نشوء الإيمان: سنقصر نقاشنا في فحص العوامل التي تُسهم في ظهور الإيمان، إستكمالاً لموضوعنا في كيفية نشوئه، على عاملين أساس في هذا النشوء:

أ‌- العامل النفسي .  ب . العامل الإجتماعي.

أ‌- العامل النفسي: لا يوجد إنسانٌ سعيدٌ وهو يتخذُ من عقله حلالاً لكل مشكلاتِه ومن نفسهِ مرجعاً وحيداً للطمأنينة.

إن أسعد إنسان (على فرض تمكنا من وضع تعريف كامل للسعادة) هو من يُفوضُ أمر المستعصي منه في حياته إلى القوة العظمى : الله. لا يُوجَدُ إنسان لم يقلق يوماً  أو يمُر بأعراض إكتئاب وهو يملك عقلاً يفكر أو نفساً تتأمل.

ويُعفى من هذا الشقاء المجنون، والطفل، والمتخلف عقلياً. إن نواة القلق هي الخوف. وأكبر مخيف هو الموت. فلكي نُحقق شيئاً من السعادة علينا أن نأخذ استراحةً من الحالات الآتية:

1- قلق العيش

2- الطمع في الحياة

3- التفكير في الموت

إن هذه المفردات صعبةٌ جداً في التعامل معها. إن القول المأثور (إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً ولآخرتك كأنك تموت غداً) قولٌ جميلٌ على مستوى التصور ولكنه قولٌ صعبٌ على مستوى التطبيق. السعادة في الفرد لا يمكن صُنعها إطلاقاُ لأنها شعور داخلي لا يخضع للهندسة.

إذن علينا أن نلتفت إلى هذا الشعور الداخلي في كيفية نشوئه. إن المفتاح الذي يفتح باب الخلاص هو القناعة. إن هناك خيطاً دقيقاً يفصِلُ بين القناعة واليأس. والخلاص من اليأس لا ينشأ إلا من فهم حقيقة واحدة وهي الإيمان بأن هذه الحياة لا تُمثل النهاية لأن حياة أخرى ينتظرها الإنسان.

إذا آمن الفرد بأنه تلميذٌ مُنح فرصةً لقراءة دروسه التي سيُمتحن بها لاحقاً استطاع أن يتعامل مع هذه الفرصة (عمره) بشي من : القلق الموجب المُحرض على الإخلاص في القراءة، وبشيء من الإيمان بالموت بأنه عبور إلى قاعة الإمتحان وبشيء من اليقين بأن الإمتحان هو الفيصل بين جودة قراءته وردائتها.

ومجرد إيمان الفرد بالحياة الثانية سيحمل إليه الإيمان بالله. إن كل الأديان الصغرى (غير السماوية) التي نادت بأن هذه الحياة هي كل شيء للإنسان لم تُحقق للإنسان خلاصاً من القلق، لأنه سيقلق إذا لم يكسب المال وسيقلق لأنه لم يتسنم الوظيفة الأعلى وسيقلق لأنه لم يكن جميلاً أجمل من غيره وسيقلق لأنه سيموت فاقداً حياةً لم تتكرر.

وفي مقابل الإيمان بالفناء المحتوم في هذه الدنيا يبرز طمع الإنسان في الخلود ونسأل هذا الإنسان الطامع في الخلود: هل فكرت يوماً بالرتابة؟ إن من بين أبرز الأسباب لظهور الإكتئاب عند الإنسان هو شعوره برتابة حياته، والخلود رتابة.

وبمثل هذا التصور يُعدُ العامل النفسي سبباً في نشوء الإيمان الذي سيُخلص الفرد من:

1- الخوف من الموت: ويعرف الأطباء النفسيون أن من بين المعايير التي يجب توفرها لتشخيص حالة الإكتئاب معيار الشعور بالموت القريب.

2- إعتلال الشخصية: فالإيمان يُشعرُ الإنسان بأن لا قوة على الأرض تستطيع أن تُشعر الإنسان بالتبعية لمخلوق وبالأصغرية أمام قوة من القوى إذا كان مؤمناً بأن لا قوي إلا الله.

ب‌- العامل الإجتماعي: وفي الميدان الإجتماعي نستطيع أن نُعدد المرافق الآتية أسباباً لنشوء الإيمان:

1- الأسرة: على الرغم من وجود الإستثناءات القليلة التي أفرزت ظهور مؤمنين من أُسر مفككة ممزقة معتمدين على فروقهم الفردية عمن أنجبهم من آباءٍ تظلُ الأسرة أول مرفق إجتماعي يزرع في الإبن الإيمان بالخالق. إن وجود الأسرة المؤمنة يصير سبباً لاحقاً لإلقاء اللوم والتثريب على من ينحرف من الأبناء عن سكة الصواب في تلك الأسرة.

2- الإقتصاد: يُعد الفقر سبباً من أسباب الكفر بالخالق وفيه الإلحاد. إننا لا ننسى حالات الترف المادي التي أدت بالمترفين إلى الإنزلاق عن جادة الإيمان لكن هذا قليلٌ إذاما قورن بالحالة الأولى.

ومن بين الأسباب التي تجعل من الفقر كفراً  وجود الناس الذين ينظرون إلى المال والحصول عليه بأنه نعمةٌ ذهبت إلى من لا يستحقها فيظهر الشعور بالغُبن في التوزيع وهذا إخلال بالإيمان الذي لا يقوم على أساس أن الله واحدٌ حسب إنما على أنه الواحد العادل المنصف الحكيم الذي لا تُدركُ حكمته العقول ولا يعرف (لامحسوسه) صاحبُ الحس المباشر.

إن المال يبني مجتمعاً مدنياً متمدناً مُرفهاً لكنه لا يبني بالضرورة إنساناً فاضلاً والتمدن ليس سبباً للإيمان مقارنةً بالفضيلة التي هي أساس الإيمان. إن المجتمع الذي يُميز بعضاً من أبنائه بالمال وينظر بأصغريةٍ إلى المحرومين منه يُعزز ظاهرة الثورة على العُرف الإجتماعي ومغادرة الإيمان بالعدالة السماوية التي لم تنتقم لهؤلاء المحرومين ممن أهان تلك العدالة. وبذلك يجعل المجتمع عامل الإقتصاد سبباً في التقليل من حالات الإيمان.

3- الإعلام:  ونخصُ بالذكر هنا الإعلام الصحيح في مرئيهِ ومسموعهِ ومقروئهِ، المبني على التربية الصحيحة للجيل الغض من الشباب وتقويم رؤيته إلى الميلاد والوجود والموت.

إن كتب التربية إعلامٌ من نوع مدرسي خاص لها دور كبير في إشاعة الإيمان في صدور التلامذه. ونأسف لبعض هذه الكتب التي تُقدم الإيمان في صورة من صور التخويف والوعيد لتجعل الله رمزاً من رموز المعاقب المنتقم وهذا ما يخالف المطلوب من الإيمان المبني على الحب والقرب من إله رحيم.

4- نوع الدين: قررنا في أكثر من موضع أن الدين هو الوسيلة الكبرى التي تقود إلى الإيمان. والأديان الوضعية عبر كل تاريخ الإنسانية هي ناتج ما يتصوره المجتمع حول الخالق. هنا تُصبغُ ثقافة المجتمع أديانها الخاصة بصبغتها.

ففي مجتمعات العنف وثقافة القوة تنشأ أديان يكون فيها الإله جباراً عنيفاً مُمثلاً في الرعود والزلازل والبراكين والحيوانات المفترسة القاتلة.

أما في مجتمعات ثقافة الذل والخضوع الت تُصلي للأقوياء فيها من رجالها فإن الدين فيها يُقدم الفرد موالياً لخوفه وخاشعاً للقوة التي قهرت إرادته. على هذا الأساس أصبحت الأديان السماوية التي قدمت الله إلهاً للرحمة والعفو وعقوبة المسيء مثالاً للوسيلة الصادقة في إنشاء الإيمان الصحيح.

***

الشخصية والإيمان: لقد أوجد علم النفس تصنيفات للشخصية الإنسانية ودرج على التعامل مع أنواعها بالمزيد من الدقة الفاحصة لإختلافات سلوكها. ومن الأنواع المشهورة من هذه الشخصيات:

أ‌- الشخصية الغير  الإجتماعية (الشخصية السيكوباتية).

ب. الشخصية الإكتئابية.

ج. الشخصية الرحامية (الهستيرية التحولية).

د. الشخصية الحافية (Borderline P.). (تُسمى أيضاً الحدية).

هـ. الشخصية الوسواسية القهرية.

و. الشخصية النرجسية.

ز. الشخصية الذهانية(Schizotypal).

ح. الشخصية المحجمة المهاجمة (Passive –aggressive p.).

ط. الشخصية العصابية.

ونحاول الآن أن نفحص نوع الإيمان في كل من هذه الأنواع من هذه الشخصيات وعلى وفق الجدول الآتي:

أ‌. الشخصية الغير الإجتماعية (الشخصية السيكوباتية) بنوعيها:

نوع الإيمان: العدواني والمبدع إيمان زائف، ذرائعي، يُستخدم كغطاء لتمرير الألاعيب السلوكية التي تخدم مصلحة هذه الشخصية المريضة. إيمان لا يقوم على الندم في عمل أي شيء سيء. ويتميز نوعها المُبدع (Creative) بقُدرته على إتخاذ الإيمان وسيلة لخدمة غرض أرضي شخصي لا يدوم بل يزول بزوال الغرض.

ب. الشخصية الإكتئابية.

نوع الإيمان: إيمان سوداوي يسوده التشاؤم والنظر إلى الخالق بعين اليأس من رحمته وفقدان الأمل في الحصول على معونتهِ ورعايته.

ج. الشخصية الرحامية (الهستيرية أو التحولية).Convertive p) (

نوع الإيمان: إيمانٌ قلقٌ متغير حسب الظروف التي يمرُ بها الرحامي، فهو إيمان قوي في لحظة وضعيف مُتهاوٍ في لحظة أخرى.

د. الشخصية الحافية (Borderline P.).

نوع الإيمان: إيمان مليءٌ بالتقلبات التي تُحدثُها نوبات الذهان العقلي. صاحب هذه الشخصية يؤمن إيماناً يختلف فيه بإختلاف  تأرجحه بين صفحتي العصاب والذهان.

هـ. الشخصية الوسواسية القهرية.(Obsessive compulsive P.)

نوع الإيمان: إيمان وشك متناوبان. ما يُصدقه صاحبها اليوم يُكذبه غداً. وصاحب هذه الشخصية ضحيةٌ دائمة لإيمانه المؤقت وشكه المتكرر. وصاحب هذه الشخصية عُرضة للإيحاء والتأثر بما يسمعه من غيره ويقرأه في إعلام.

و. الشخصية النرجسية

نوع الإيمان: إيمان يُشبع في صاحب هذه الشخصية غروره بنفسهِ. فهو يعتبر إيمانه إمتداداً لهويته هو وعلى وفق ما يُمليه هواه الشخصي.

ز. الشخصية الذهانية(Schizotypal).

نوع الإيمان: يرى في إيمانه تجسيداً لذاته أكثر منه تجسيداً لذات الله. إنه يُفسر وجود الله خدمة للإشارة إلى أهميته الشخصية في مجتمعه وهومستعد لتفسير آيات الكون تفسيراً خاصاً به يُشبع غروره ويُفهم الأخرين بأنه مخلوق متميز. وكثيراً ما يشتط به الهوس إلى عد ذاته اصطفاء من الله له بين العباد.

ح. الشخصية المحجمة المهاجمة (Passive –aggressive p.). 

نوع الإيمان: هذا هو إيمان المنافق الذي يُعلن فيه عن إيمانه إذاكان يواجه قوة إجتماعية تُطالبه بالإيمان فيما يُظهر إلحاده إذا إختفت تلك القوة أو ظهرت ظروف مناسبة لإعتقاده ويُعد هذا النوع من أخطر أنواع الإلحاد التي تواجه صفحة الإيمان في حياة المجتمع؛ لأن الذي يكذب على الله في إيمانه مُستعد أن يكذب على نفسه وعلى مجتمعه.

ط. الشخصية العصابية (Neurotic P).

نوع الإيمان: أيمانٌ غير ناضج، يتحول من صورةٍ إلى أخرى. يتأثر بما يقرأ وتؤثر فيه ثقافة المقروء. سيد هذه الشخصية هو القلق الذي لا يجعل صاحبه مستقراً على حالة من الثبات

الإيمان المريض: على الرغم من كرهنا الشديد للإلحاد، وقانا الله شره، فإننا نعتبر الإلحاج عند فرد من الأفراد أوضح صورةً وأدعى إلى راحة البال من الإيمان المريض المهزوز عند فرد آخر، يستغل إيمانه لنواح شخصية وحياتية أُخرى. ومن أنواع هذا الإيمان المريض ما نستطيع ذكره الآن:

1- إيمان الخوف: إن الإيمان الذي يقوم على توقي الخوف من الخالق إيمان زائف لأنه يقوم على أساس الولاء وليس على أساس الإنتماء.ونلاحظ هذا النوع من الإيمان شائعاً في مجتمعات الخوف من السلطة والحاكم القوي المتسلط.

فكثير من الناس يخاف من هذا الحاكم وسرعان ما يُسقط صورة خوفه هذه على خالقه فيحاكية محاكاة المنتصر المُطالب بطاعته في المقبول والمرفوض. وهذا النوع من الإيمان يُمثل دائرة العتمة والإفتقار إلى رؤية التفريق بين سلطان الأرض الظالم القاسي وسلطان السماء العادل الرحيم.

2- إيمان الطقوس: كثيراً ما نصادف (مؤمنين) كاذبين أو جاهلين. لاحظ أيها القارىء أننا قلنا: مؤمنين كاذبين جاهلين وهذا لا يصح إلا على سبيل الإيضاح المجازي لأن الإنسان لا يجوز له أن يكون مؤمناً كاذباً أو جاهلاً في آن.

هؤلاء هم عُشاق الطقوس المتدينة وليست الدينية وإتباع الأعراف والمصطلحات الزائفة التي لا تُمثل حقيقة الإنتماء إلى الله. إن الوصول إلى الله لا يحتاج إلى وسيط ومن أمثلتهِ الطقوس.

لقد أفرز  إيمان الطقوس طبقة إستعراضية من الناس تُمالىء الآخرين بالمظاهر وتتخذ من التعبد وسيلةً لإيهام سواهم بإيمان زائف. لا يمكن أن يكون مؤمن الطقوس إلا مريضاً نفسياً بواحد من أمراض الشخصية.

3- إيمان النفاق الإجتماعي: وفيه يظهر دعيُ الإيمان شخصاً مُتبتِلاً منقطعاً عن الآخرين بالنوافل دون الفروض وبالإستعراض في الملبس والهيئة دون صلابة الداخل وإستقراره.

4- الإيمان المٌسيء إلى القضاء والقدر: كثيراً ما يُخطىء بعضهم في فهم القضاء والقدر على أنه مشيئةٌ لاغية لجهد الإنسان ومثابرته، فيتنازل صاحب هذا الفهم عن حصة (الاختيار) في الجيد من السلوك والإبتعاد عن الخطأ معتبراً أن الشر والخير من الله فينشأ بذلك إتكالياً منهزماً لا رأي له في شيء. إن القضاء لا ينفذ في الإنسان إلا بعد أن يستنفد طاقته في المحاولة.

***

الدوال النفسية على الإيمان: إن الفحص النفسي للفرد الذي يُجربه أطباء النفس في عياداتهم يُفًصح كثيراً عن وجود الإيمان أو إنعدامه في الفرد المفحوص. لقد دللت الدراسات الطبية النفسية على أن المريض الحامل لإيمان ضعيف بخالقه يُؤسسُ لصعوبة تشخيصية وعلاجية كبيرة عند المُعالج.

إن الفحص النفسي يقوم على أخذ التاريخ الكامل الشامل لذلك الفرد. وكثيراً ما يُقدم تاريخ الأسرة المرضي بما فيها من تفكك وسوء تربية أدلة على ضبابية الإيمان عند الفرد المفحوص.

وإذا أردنا  أن نفهم أفكار هذا الفرد عن الإيمان فعلينا أن نناقش تاريخ أسرته وطريقة تعليم والديه له في مجال الإيمان بالله. ويُعدُ التاريخ العدلي أساساً لمعرفة طبيعة الشخص ونوع شخصيته. فنزيل السجن ومرتكب الجرائم شخصٌ مُرشح للشك في أمر إيمانه.

إن ثقافة الفرد تُفصح عن محتويات عقله وخفايا نفسيتهِ حول النظرة إلى الله والإنتماء إليه. وحينما نفحص مظهر المريض وطريقة كلامه ومزاجه ونبرة صوته وذكاءَه وذاكرته وقدرته على الإستنتاج ومحتوى أفكاره في الوهم والصواب ومدى تعرضه للهلاوس السمعية والبصرية وطبيعة أحلامهِ ونمط سلوكه بين أقرانه، نستطيع أن نفحص كمية الإيمان الذي من مفرداتهِ الأدب الجَم في الخطاب والإستقرار في الإجابة والحياء أمام البذاءة اللفظية. بهذه الصورة يستطيع الفحص النفسي أن يُقدم صورة الإيمان في ذلك الفرد.

تعامل المؤمن مع المرض النفسي: إننا نؤمن كأطباء نفس بأن المريض النفسي معذورٌ في الكثير من أفكاره وعواطفه وسلوكهِ بما يختلف فيه عن الحالة السوية ولكن أرضية الفرد التي كان عليها قبل المرض

تظلُ فاعلة فيه على نحوٍ تتميز به عن مريض آخر.( Premorbidity)

ومن هذه الأرضيات التي نقصدها في حديثنا أرضية الإيمان. إن المريض المؤمن أساساً قبل ظهور مرضه يختلف عن المريض الملحد في الأمور الآتية:

1- الصبر: ان التعامل مع المرض بالصبر على شدته في الأعراض وزمنه في الظهور ونتائج الأمل في شفائه هو تعامل المؤمن الذي يُدرك على الرغم من مرضه بأن الصبر شيءٌ أوصى به الله الذي آمن به. وكلما كان الإنسان صبوراً فإن نتائج مرضه تكون في صالحه.

2- رفض الإنتحار: يٌعدُ الإنتحار إحتمالاً وارداً في كثير من الأمراض النفسية وعلى رأسها الإكتئاب الشديد المزمن المتكرر. لقد وجدت الدراسات النفسية الكثيرة ان نسبة المنتحرين عند المرضى المؤمنين تكاد تصل إلى الصفر. إن المريض المؤمن بالله الذي حرم قتل النفس وجعل عقوبن=ته النار في العالم الآخر يظلُ رافضاً فكرة الإنتحار مُضحياً بدنياه وسعادته المؤقته إرضاءً لله الذي آمن به.

3- عدم الإيمان بقوى الجن والسحر: إن الإعتقاد عند الناس بالمس العقلي وتأثير السحر في العقول والقلوب أمر شائع يكاد لا يخلو منه مجتمع مهما تضخمت حضارته وثقافته، لكن المريض المؤمن بالله وبكتبه السماوية لا يخضع لمثل هذا الإعتقاد لأنه يدرك سلفاً بأن هذه القوى لا تستطيع ان تفعل للإنسان خيراً أو شراً من دون مشيئة الله الذي آمن به.

4- الإنتصار على الوراثة: تُولي الأبحاث النفسية أهمية كبيرة لأثر الوراثة في إكساب اللاحق من الأفراد أمراض سابقيهم من الأقارب. إن الفرد المريض المؤمن يُقلل من هذه الأهمية ويعتمد على خالقه الي يُخرج الطيب من الخبيث كما يقول عن نفسه في كتبه المنزلة.

***

إستبيان الإيمان:  نود الآن أن نُقدم استبياناً خاصاً بفحص كيفية نشوء الإيمان وطريقة التعامل معه من الفرد لفحص حالة ثباته أو إضطرابه. إن هذا الإستبيان سبق أن طُبق على مائة عينة من المفحوصين لأغراض تشخيث المرض.

وسنضع في نهايته مديات وجود الإيمان في قوته وضعفه عندالفرد المفحوص على أساس نفسي:

السؤال          نعم     كلا

1- إيمان ناشيء من تلقين الأسرة لى وتعليمها إياي عن الخالق

2- بعد بلوغي سن الرشد (18 سنة) تغيرت قناعاتي

3- يزداد إيماني بالله في أوقات التعرض للكرب وأيام المرض

4- أتأثر كثيراً بقراءاتي للكتب الداعية للإلحاد

5- يقودني خوفي من الموت إلى الإيمان بالله

6- أميل إلى ظهوري ملحداً  أمام أقراني حباً في الإستعراض الشخصي

7- أؤمن أحياناً وأتخلى عن إيماني لأسباب غير معروفة

8- أعتبر الإيمان إستسلاماً

9- أعدُ خوفس من العقاب سبباً للإيمان

10- أعدحبي للجنة سبباً لإيماني

11- أساير المجتمع في الإيمان والإلحاد

12- أعتبر النساء أكثر إيماناً من الرجال

13- أعتبر نفسي غير مسؤول عن إيماني وإلحادي

14- أحاول الوصول إلى إدراك وجود الله بوسائل الحس

15- ـأومن أن الفتح العلمي لأسرار النفس البشرية دليل على وجود الله

16- أؤمن أن الشك يقوم إلى الإيمان بالله

ولأجل إيضاح فاعلية هذا الإستبيان اخترنا أجوبة أحد المفحوصين المائة، وندعو القارىء إلى متابعة هذه الأجوبة لنتعرف بطبيعة هذا المفحوص إيماناً أو إلحاداً.

لقد أجاب هذا المفحوص الذي إخترناه بالطريقة الآتية:

السؤال          الإجابة

رقم (1)        نعم

رقم (2)        كلا

رقم (3)        نعم

رقم (4)        كلا

رقم (5)        نعم

رقم (6)        كلا

رقم (7)        كلا

رقم (8)        كلا

رقم (9)        كلا

رقم (10)      كلا

رقم (11)      كلا

رقم (12)      نعم

رقم (13)      نعم

رقم (14)      كلا

رقم (15)      نعم

رقم (16)      نعم

***

 د. ريكان إبراهيم

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم