صحيفة المثقف

الصحافة في الجزائر إلى أين؟

علجية عيشرغم ما عرفته الجزائر من قوانين في قطاع الإعلام، إلا أن هذه القوانين ظلت مجمدة ولم يصاحبها أي تغيير أو تحولات على صعيد الممارسة، حيث ظل قطاع الإعلام في الجزائر أسير "لوبي" يتحكم في هذا القطاع، عن طريق تغذية الصحف بالإشهار، دون الحديث عن المتابعات القضائية التي ما تزال تمارس ضد الصحفي، خاصة أثناء وبعد الحراك الشعبي الذي كان عبارة عن هبّة جماهيرية وصل صداها إلى الراي العام الدولي، لقد جفع الصحافيونت في الجزائر الضريبة غاليا من أجل حرية التعبير وفي مواجهة الفساد ومحاربة الإرهاب

بعض الأعمال التي نراها ذات أهمية قد تكون عادية في نظر الآخر، فلا يعيرها اهتماما، يحدث هذا في الصحافة المكتوبة، التي تتخبط اليوم في مشاكل لا تحصى لأسباب عديدة وكانت النتيجة أنها توقفت عن التوزيع، وأصبح قراءها يتابعونها عن طريق موقعها الإلكتروني، إلى درجة أنها فقدت مصداقيتها بسبب ما أطلقوا عليه اسم الأزمة المالية..، نتحدث هنا عن المشاكل الداخلية التي يعيشها الصحفيون داخل الجريدة وما يعانونه من تمييز عنصري، الحقيقة هذه المشاكل ظهرت قبل ظهور فيروس كورونا، حتى لا يتحجج البعض بها ويقول الصحافيون غائبون، في وقت نرى مراسليها يواكبون الأحداث اليومية وينزلون إلى الميدان لتغطية الحدث والبحث عن المعلومة معرضين أنفسهم للخطر، في وقت يعتمد البعض على ما تنشره وكالات الأنباء، ثمة فرق طبعا بين من ينزل إلى الميدان ويعمل من جيبه الخاص، والذي يجلس في مكتب مُكَيَّفٍ ويعمل بوسائل الجريدة وينقل ما تنشره الوكالة من أخبار مع بعض التعديلات، وقفنا على الكثير من هذه الممارسات، هي إذن سياسة الإقصاء والتقليل من قيمة الآخر الذي أثبت جدارته، أرااد طاقم الجريدة أن يظهر للآخر أن هذا المراسل مقصرا وعديم الكفاءة وبالتالي غير قادر على تحمل المسؤولية، المسألة هي مسألة وعي وضمير لا غير، السؤال الذي ينبغي ان يطرح هنا هو: لما التمييز العنصري؟، ومتى نقضي على العروشية في قطاع الصحافة؟ ( هذا من منطقتي والآخر لقبه يطابق لقب المسؤولين الكبار وذاك ابن فلان وعمّه جنرال)، ومتى نقضي على الجهوية؟ ما الضرر لما نتعاون جميعا لبناء إعلام قوي؟، يكون هو السلطة الأولى لا السلطة الرابعة؟، إعلام يمتلك ميزة قوية يرتقي بالمجتمع إلى مستوى المجتمعات المتحضرة .

 هل المسألة تتعلق بالقوانين؟، سؤال وجب طرحه اليوم وكم من قانون مرّ على الإعلام في الجزائر؟ الإجابة تحتم علينا العودة إلى الوراء، فمنذ منذ صدور قانون 06 فبراير 1982، شرع المشرع الجزائري في التفكير في إنشاء مؤسسات إعلامية تحظى بنوع من الإستقلالية، لكونه أول قانون يخصص القطاع، كان هذا القانون بديلا عن التشريعات التي ورثتها الجزائر من عهد الإستعمار (قانون الصحفي في سبتمبر 1968 وقانون النشر في افريل 1973)، ولما جاءت أحداث أكتوبر 1988 عجلت هذه الأحداث في صدور قانون الإعلام 1990 الذي أقر التعددية الإعلامية على غرار التعددية السياسية وكان هذا القانون حدثا تاريخيا، إلا أن هذه القوانين ظلت مجمدة ولم يصاحبها أي تغيير أو تحولات على صعيد الممارسة، ورغم صدور قانون 2012 ظل الوضع على حاله، ولم يحظ الصحافيون بحقوقهم كما ينبغي، خاصة العاملين في القطاع الخاص، وكان وزراء سابقونت قد صرحوا بالقول انهم لا يتحكمون في القطاع الخاص، رغم أنه معتمدج من قبل الوزارة الوصية، والسؤال هنا يفرض نفسه كيف تمنح وزارة الإتصال والإعلام اعتمادا لمستثمر في قطاع ألإعلام دون دقتر شروط، وماهي الشروط التي ينبغي توفرها والتقيد بها؟

 ما يحد يؤكد أن قطاع الإعلام في الجزائر يسيره "لوبي" يتحكم في هذا القطاع، عن طريق تغذية الصحف بالإشهار، وكما هو معلوم فقد ظلت الصحافة المستقلة تعيش البؤس لأنه لا يمكن لها الإستمرارية بدون "إشهار"، وبدون إشهار لا يمكنها تسديد رواتب الصحافيين والعمال والتقنيين ناهيك عن سياسة التضييق التي تمارس ضد الصحفيين للوصول إلى المعلومة، وتقييد حرية الرأي والتعبير،مثلما حدث في الحرب الأهلية التي مرت بها الجزائر، ففي 22 جانفي 1992 تم إيقاف 08 صحافيين، وتعليق يوميتين ناطقتين باللغة الفرنسية la nation وle matin، كما تم تعليق جرائد أخرى يومية واسبوعية مثل جريدة الجزائر اليوم، العالم السياسي، الأطلس، القادسية، بتهمة أنها تنشر معلومات تمس بالصالح العام، تحت عنوان تأييد الخطاب الديني المتطرف، هذه المشاكل تضاف إلى المشاكل الداخلية الموجودة داخل الجريدة وما يعانيه الصحفي من تمييز عنصري كما أشرنا آنفا، وكعينة، كنت قد غطيت ملتقى دولي حول التنصير في الجزائر، وأرسلت التغطية إلى رئاسة التحرير بالعاصمة، لكني اصطدمت في الغد أن الحدث لم ينشر، وإذا بي اقرأ صفحة كاملة عن حياة الفنانة أم كلثوم، ولما اتصلت بالمدير العام للنشر لمجرد الإستفسار، كان رده كالتالي: "لا تتدخلي في صلاحياتي"، قد يكون هذا الملف قد لا يتناسب مع سياسة الجريدة وخطها الإفتتاحي، لكن أين هي النزاهة والمصداقية في معالجة الأخبار، لاسيما والملتقى الدولي حضره علماء ودعاة وخبراء في مقارنة الأديان من مختلف الدول العربية والأجنبية.

المسألة لا تتعلق باختلاف تفكير كل واحد منا أو طريقة عمله، طالما الحدث عامّ وشارك فيه الجميع وغطته وسائل الإعلام، وإنما هي فوارق خلقتها أطراف تريد أن تكون هي السيدة والمسيطرة والمتحكمة وهنا يتجدد الحديث عن مسألة "اللامركزية"، التي أضحت أكبر كذبة سوّقها النظام وطبقتها بعض المؤسسات، وبالخصوص المؤسسات الإعلامية لدوافع كثيرة، يرى أصحابها أن أيّ انطلاقة لمشروع ما مثلا، لابد أن تكون من فوق أي من القمة وليس من القاعدة، وهنا يجدر بنا الحديث ليس عن اللامركزية فقط، وإنما عن المصداقية والموضوعية في مواكبة الحدث الإعلامي، فعلى سبيل المثال لو صرح وزير عن مشروع وطني من ولاية خارج العاصمة، نجد بعض الصحف لا توليه اهتماما كبيرا وإن أجبرت على تغطية الحدث فهي تعتمد على ما تنشره وكالات الأنباء، رغم أنه لا يوجد فرق في المستوى بين صحفي في وكالة وصحفي في صحيفة ورقية، كما نجد مسؤولي صحف أخرى يرسلون طاقما إعلاميا يرافق الوزير في زيارته لتغطية حدث ما في ولاية خارج العاصمة رغم وجود مراسلين في تلك الولاية، بحجة أن ذلك المراسل هو متعاون فقط، وهي تدرك أن ذلك المراسل له أقدمية وقدرات ومهارات مهنية ويعرف كيف يختار الزاوية التي يعالج بها مقاله، يحدث هذا في الجزائر، لأن الجهوية لعبت دورها وكانت سببا في الإنحطاط الإعلامي، وأصبح ما يُسَوَّقُ إعلاميا لا يرقى إلى المستوى المطلوب خاصة ما نراه في بعض القنوات الفضائية والبرامج التي تم تجميدها من طرف سلطة الضبط السمعي البصري، إن مثل هذه الممارسات جعلت كثير من الصحافيين في الجزائر يلجأون إلى الصحف الأجنبية لممارسة حقهم في التعبير بحرية والكشف عن ملفات الفساد.

***

علجية عيش

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم