صحيفة المثقف

انهيار أمريكا!

عبد السلام فاروقسقوط الكونجرس هل هو نذير رمزى بتداعِى أمريكا ونظامها الرأسمالى؟

هذا ما يخشاه الإف بى آى ذاته حينما شاهدناه مندهشين يعلن أن حادثة الكونجرس تشبه فى تداعياتها حادثة 11 سبتمبر! فلماذا؟ إلى هذا الحد يخشى الأمريكيون من انهيار وشيك للبنية الاجتماعية الأمريكية. ناهيك عن الأزمة العالمية التي تضرب النظام الاقتصادي الرأسمالي برمته ابتداء من تداعيات الأزمة المالية وجائحة كورونا وانتهاء بالعقيدة الليبرالوترامبية التى سيرعاها اليمين المتطرف وسيحولها لقنبلة اجتماعية موقوتة قد تلتهم أمريكا من الداخل يوماً.

بايدن له تصريح جديد بالأمس أن ثمة أزمة اقتصادية هائلة ترزح تحتها أمريكا اليوم بالذات! فهل كان ترامب يخدع مناصريه طوال الوقت بأنه بطل النصر الاقتصادى العظيم؟ .. الطبيعى أن نصدق كلام بايدن لا ترامب؛ لأن أزمة أمريكا جزء من أزمة عالمية سببها كورونا، وأمريكا هى أشد المتضررين عالمياً بالوباء.وكل ما فعله ترامب بالواقع هو إخفاء حقيقة انهيار الاقتصاد الأمريكي لا من أجل الانتخابات فحسب، بل من أجل الاستمرار فى ابتزاز الدول لتعويض الخسائر الأمريكية من أزمة كورونا.

المعضلة الأكبر التى تخشاها أمريكا أشد الخشية هى أزمة وشيكة ستلحق بالدولار الأمريكي.. وهى ليست أزمة وهمية أو تخيلية، بل حقيقة بدأت إرهاصاتها منذ سنوات ولن تنتهى اليوم ولا غداً، بل هى مستمرة وتتفاقم. والحكومة الأمريكية تدخلت لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وسوف تقوم دائماً بالدعم اللوجيستى لاقتصادها وشركاتها الضخمة العابرة للقارات، دعماً للدولار فى الداخل، فما بالَك بما يحاك للدولار فى الخارج من أعداء أمريكا ومنافسيها بالخارج؟

إن نصف سوق الأسهم الأمريكى تمتلكه 7 صناديق استثمارية فقط! والمساهمون بها هم أكبر العائلات والأسر المالية المرتبطة بشكل وثيق مع أكبر البنوك الأمريكية: "غولدمان ساكس"، "ميريل لينتش، و"ج.ب. مورغان" إلخ، وتمثل تلك الصناديق والبنوك حصصاً لدى بعضها البعض، لتمثل جميعاً في النهاية هيكلاً أوليجارشياً يمتلك الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه هي السلطة الحقيقية التي لا يمكن تبديلها في البلاد!

فكيف كان تصرف تلك الكيانات المالية إزاء أزمة الاقتصاد الأمريكى؟ هل بالدعم الوطنى له؟ هل بعلاج أسبابه الحقيقية العميقة؟ أبداً، بل على العكس .. فبدلا من معالجة المشكلة شرعوا بعقد المزيد من صفقات السمسرة والابتزاز فيما بينهم،ثم بدؤوا اليوم يسرقون أنفسهم.

 الأغرب حقا أن يفرض هؤلاء السماسرة على الدول الفقيرة التي لا تساوي دبوسا في حجم الاقتصاد العالمي التخلص من القطاع العام، فيما هم يقومون بتأميم القطاعات الخاصة، أو بمعنى أدق سرقتها..من خلال مؤسساتهم البنكية والتجارية العنكبوتية..ثم الأشد غرابة إشاعتهم للفساد الاقتصادى الدولى،حتى تنفنتح بنوكهم لاستقبال أموال الاقتصاد الأسود !

هل انهيار الدولار حتمي؟

سؤال له إجابة مؤلمة واقعية، وإجابة أخرى حالمة ومريحة .. فالحتمية الافتراضية لانهيار الدولار أتت من وجود أسبابه وحدوث بداياته وإرهاصاته.. والسؤال الأهم هنا هو كيف سيتصرف العالَم وقتذاك؟ إن أغلب اقتصاديات دول العالم مربوطة، ذيلاً وغُرة، بالعملة الأمريكية. وإذا ما انهارت فسينهاروا معها، إلا مَن أدركَ الأزمة وتصرف معها مبكراً.

ثمة أمثلة حالية لدول تحاول الفكاك من أسر الدولار، فى مقدمتها الصين، خاصةً تلك التى لا تعتمد فى اقتصادياتها على النفط المرتبط بالدولار ارتباطاً كاثوليكياً لا فكاك منه.

وإذا حدث الانهيار الدولاري فلن يكون اليورو أو غيره من العملات العالمية أوفر حظاً منه؛ فكلها عملات تتناغم فيما بينها على وقع النظام الرأسمالي سواء كان أوروبياً أو غربياً، إنه انهيار كارثى لوحدث، والأدهى أنه وشيك الحدوث فى ظل صراع أمريكى آسيوى لا يبدو مبشراً.

ماذا عن الرأسماليين من دول العالم الثالث؟ إن عليهم أن يتوقعوا الأسوأ. إنهم أكبر الخاسرين وأعظمهم حينئذ؛لأن بلايينهم حينها لن تساوي ثمن الورق الذي طبعت به،ولنا في ذلك نماذج عدة بالعراق واليمن ولبنان وغيرها من البلدان التي شهدت انهيارات ضخمة في قيمة عملتها.!!

كل هذا في كفة ومصير الاتحاد الأمريكي في كفة أخرى. فما الذي يمكن أن يحدث إذا ما عصفت الأزمة الدولارية بالولايات المتحدة الأمريكية؟ هل ستتفكك أمريكا؟ إنها دولة لا مركزية تكاد كل ولاية بها أن تغدو دولة قائمة بذاتها. وبها أكبر تشكيلة سكانية تضم أغرب وأكثر أجناس الأرض، فهل هؤلاء سيمثلون بواكِى أمريكا ومنقذيها إذا حدثت الكارثة، أم سيكونون أول الهاربين؟

يرى الروس من جهتهم أن عصر الهيمنة الأمريكية ولَّى إلى غير رجعة، وأن العالم مُقدم على نظام متعدد القوى، لكنهم غير واضحين بشأن الموقف من النظام الرأسمالي ذاته فيما إذا كان من الممكن استمراره على نفس الوتيرة أم أنه بحاجة إلى إصلاح أو إلغاء على طريقة تدخل الدولة مثلا.. والصينيون يراقبون الأزمة وكأنها لن تمسهم، رغم خشيتهم من انهيارات الاستثمارات الرأسمالية . فكيف سيعوض الصينيون خسارتهم إذا ما انهارت الرساميل والاستثمارات الأجنبية؟ وأين سيجدون من يشتري سلعهم الرخيصة التي خلقت اقتصادا عالميا ثالثا لن يعود بمتناول الفقراء الذين لم يعد لديهم ما ينفقونه حتى على أرخص السلع وأقلها جودة؟

الإرث الأمريكي.. وتقاسم كعكة الدولار

 ما من حرب عالمية فتاكة إلا وكانت الرأسمالية مصدرها والغرب مسرحا لها وسقوط القطبية الأحادية بات مسألة وقت.. بالقطع ليست الولايات المتحدة فوق الانهيار، ومن يقع فى ظنه أنها محصنة أو معصومة فهو يصر على العيش في كوكب آخر وخارج حسابات التاريخ والزمن. والمتفائلون بأمريكا ومستقبلها القادم يؤكدون أن المؤسسات الأمريكية، بل والشعب نفسه هم خطوط دفاع لا يمكن اختراقها أو التشكيك فى قدرتهم جميعاً على تخطيها وعلى تجاوز أية أزمة، اقتصادية كانت أو سياسية أو عسكرية .. ويبدو أن هؤلاء لا يجيدون قراءة مَشاهد التفكك الاجتماعى وما وراءها من مغزى، منذ حركة احتلوا وول ستريت، مروراً بحركة حياة السود مهمة، وانتهاءً باقتحام الكونجرس ونشوء حركات اليمين المتطرف المسلح بأحدث المدافع والقنابل وتقنيات حرب العصابات!

السؤال المهم والمحورى ليس عن الانهيار ذاته، ولا عن توقيته أو موعده ولا حتى عن تداعياته. بل الأهم من ذلك كله الاستعداد لحدوثه والتأهب للتداعيات الكارثية التى ستنبثق وتتوالَى كقطع شطرنج أو ليجو ينهار معه الهيكل المتداعِى العابر للقارات، فإذا بنا إزاء مشهد هوليودى يتحرك من دولة لدولة ومعه تنهار اقتصاديات أفراد ومؤسسات ودول بأكملها.

ليست أمريكا كالاتحاد السوفيتى، وليس انهيار الرأسمالية إذا حدث كانهيار الماركسية.. إذ لا شك أن الفارق أو الفالق المزلزل بين انهيارها والاتحاد السوفيتي ضخم؛ فالاتحاد السوفيتي سابقاً كأحد قطبين يديران شئون العالَم دولة عظمى كانت كمركز ضخم تدور في فلكه بقية دول الاتحاد، فكان من السهل أن ترث روسيا هذه الدولة بدعم عالمي واعتراف غير منقوص. وبالتالي أمكن استيعاب الاتحاد السوفيتي عسكريا واقتصاديا بسلاسة ورقّة منقطعة النظير في إطار النظام الدولي القائم بكل ما يشتمل عليه من مؤسسات وعلاقات قوة..بينما الولايات المتحدة دولة ذات تأثير كوكبي، وسيؤدى انهيار اقتصادها لامتداد ألسنة اللهب فى كل ربوع الأرض.

ثم أن أمريكا دولة لقيطة حديثة لا جذور لها. فليس لها عمق تاريخى ولا حضارة متصلة ولا قومية مستقلة. كما أنها لا تتمتع بأي أمان جغرافي كما كان الحال بالنسبة للاتحاد السوفيتي حيث مثلت روسيا عمقه الجغرافي والحضاري الآمن منذ فجر التاريخ.

إن أغلب مفكرى العالَم وفلاسفته ومنظريه السياسيين يتحدثون اليوم عن انهيار اقتصادي أمريكي وشيك. لكن قلما يتحدثون عن تداعيات مثل هذا الانهيار أو ضرورة الاستعداد له.وكأن الولايات المتحدة هي بريطانيا أو اليابان أو الصين! وأن انهيار أمريكا سيضرها وحدها، ثم نقطة ومن أول السطر!

إننا نطرح السؤال المصيري في ضوء خضوع الجميع للهيمنة والنفوذ الأمريكيين خارج الاتحاد وخارج القارة. فثمة جيوش جرارة في شتى بقاع الأرض ابتداء من القوى العسكرية المدمرة ومرورا بالجواسيس وقوى الضغط وانتهاء بالمرتزقة، وثمة اقتصاد أمريكي في الخارج، ولأنه لا وجود لوريث شرعي فسيكون حتما ثمة طامعين بالوراثة..فإلى مَن تؤول الثروة التى قد تتفتت وتتناثر وتبحث عمن يلم شعثها وشراذمها وشواظها. هذا نذير خطر قادم غداً أو بعد غد، ورسالة لمن يهمه الأمر..

 

عبد السلام فاروق

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم