صحيفة المثقف

عندما يودع الحكيم الايدي الناعمة

يسري عبد الغنيتم إنتاج مسرحية الأستاذ / توفيق الحكيم، كفيلم سينمائي بالألوان في 140 دقيقة، من إنتاج المؤسسة المصرية العامة للسينما، من إخراج الفنان / محمود ذو الفقار، ومن تمثيل الفنان / أحمد مظهر في دور البرنس، والفنان / صلاح ذو الفقار في دور الدكتور / حمودة، وشاركهما في التمثيل الفنانة / صباح، والفنانة / مريم فخر الدين، والفنانة / ليلى طاهر، والفنان الشاعر / أحمد خميس، والفنانة / وداد حمدي .

وبالطبع نجد اختلافاً واضحاً بين المسرحية الأصلية، والمعالجة السينمائية للفيلم، وبالذات في نهاية الفيلم الذي يختلف عن نهاية مسرحية الحكيم .

ومسرحية (الأيدي الناعمة) صدرت سنة 1954، في 190 صفحة، كطبعة أولى عن مكتبة الآداب بالقاهرة .

ثم أصدرتها المكتبة نفسها في طبعة ثانية سنة 1961، في 194 صفحة.

ويجدر بالذكر أن مكتبة الآداب أصدرت سنة 1959 طبعة أخري لنفس المسرحية، دون أن تحدد رقمها .

وفي سنة 1954، وفي شهر مايو بالتحديد، أعلن الحكيم أنه سوف يعرض مسرحية (الأيدي الناعمة) على الفيلسوف الفرنسي الكبير / جان بول سارتر، وذلك عند سفر الحكيم إلى إيطاليا، لمعرفة وجه الشبه بينها وبين رواية (الأيدي القذرة) التي ألفها سارتر، ولا نعرف في الواقع إذا كان هذا اللقاء قد تم أم لا ؟ !

وفي عام 1954، بدأ الاستعداد لظهور مسرحية الأيدي الناعمة بعد أن تم تحويلها إلى اللغة العامية الدارجة، وفي شهر فبراير 1955، تم عرض المسرحية على مسرح الأزبكية بالقاهرة .

ويبدو أن الفنان / الذي أخرج العرض أخذ المسرحية وقام بإجراء تعديلات عليها قبل العرض، وصفها بعد ذلك بأنها تعديلات بسيطة جداً لا تؤثر على النص .

وكان هذا الفنان هو عميد التمثيل العربي الأستاذ/ يوسف وهبي الذي قام بإخراج مسرحية الحكيم، ويبدو أن الحكيم لم تعجبه هذه التعديلات، رغم أن يوسف وهبي أعلن أن الحكيم وافق على كل ما أجراه على المسرحية من تعديلات، وقد صرح الحكيم بضيقه وحزنه على ما حدث للمسرحية في حديث أجراه معه الشاعر الصحفي / كامل الشناوي، تم نشره في صحيفة الأخبار الصادرة في يوم 1 / 3 / 1955 .

ويجدر بالذكر أن الحكيم ضم مسرحية (الأيدي الناعمة) إلى مجموعته المسرحية التي أصدرها سنة 1956، تحت عنوان (المسرح المنوع)، وهي تحتوي على واحد وعشرين مسرحية .

وتنتمي مسرحية الأيدي الناعمة إلى ما يسمى بتراجيديا الطبقات، ويقصد بها تلك المسرحيات التي تفضح النظام الاجتماعي المتخلف، وتنذر بسقوط الطبقة الأرستقراطية المرتبطة به تاريخياً، وفي نفس الوقت تبشر بميلاد الطبقة الجديدة المكافحة من أجل واقع أفضل وأحسن .

ومن الممكن القول بعبارة أكثر إيجازاً : هي تلك المسرحيات التي تتخذ من التناقضات والرواسب والإحساسات الطبقية موضوعاً له، ومن أوضح النماذج المسرحية التي تناولت هذه الفكرة في مسرحنا العربي، مسرحية (الأيدي الناعمة) للأستاذ / توفيق الحكيم .

لقد كتب الحكيم مسرحيته (الأيدي الناعمة ) سنة 1954 أو 1955، فكانت أول مسرحية طويلة تصدر له بعد ثورة يوليو سنة 1952، بعد أن انقطع الحكيم أعواماً عن التأليف المسرحي، ولعل فترة الانقطاع هذه كانت ضرورية جداً للحكيم كي يعيد أو يقيم موقفه بوجه عام، ويبلور أفكاره إزاء التطورات التي كانت تحدث في المجتمع المصري في تلك الفترة .

ومما لا ريب فيه أن هذه التطورات كانت بالغة الأثر في فكر الحكيم، وقد ظهر هذا الأثر واضحاً جلياً في مسرحيته (الأيدي الناعمة)، والتي تؤكد قيمتين مهمتين من قيم الحياة الجديدة :

القيمة الأولى : إنه لم يعد ثمة مكان في المجتمع المصري للأمراء والإقطاعيين والعاطلين بالوراثة، والذين يعيشون على خيرات الأرض التي نهبها أجدادهم بدون وجه حق من الشعب المصري، واحتكروا ثمراتها، أو سخروا أصحاب الأرض الحقيقيين في العمل بها، أصحاب الأرض بأيديهم السمراء الخشنة المحرومة من كل شيء .

القيمة الثانية : إن العلم ينبغي أن يسخر من أجل خدمة المجتمع ككل، وإنه لا جدوى الباتة من علم عقيم غير منتج لا ينفع الناس .

لقد اختار الحكيم لتأكيد هاتين القيمتين جانباً من جوانب الحياة الاجتماعية المصرية بعد ثورة يوليو سنة 1952، متوجهاً بالنقد إلى بقايا هذه الطبقة بعد أن أسقطت الثورة عنها كل امتيازاتها السابقة، فألغت الألقاب، وصادرت الملكيات الكبرى، ووزعتها على جماهير الشعب الكادحة .

في بداية المسرحية نجد البرنس / فريد وقد ألغت الثورة لقبه، ونزعت ممتلكاته وثروته، وأضحى ملزماً بأن يعمل حتى يعيش، ولكن البرنس المتعلق بأوهام الماضي لا يريد الاقتناع بأي حال من الأحوال بالتحولات الجذرية التي حدثت في المجتمع كله .

إنه يتخلى عن ابنتيه لأنهما أدركتا حقيقة الوضع الجديد للمجتمع، وآثرتا الانضمام إلى الطبقة الجديدة المكافحة .

ولأن كبراهما تزوجت من عامل بسيط يكسب قوته بعرق جبينه، فإن البرنس يحتقر العمل ويرى في عناد أن يديه الناعمتين لم تخلق للعمل والجهد، بل للراحة والنعيم، فالعمل في نظره مقدر على العامة والناس العاديين من أفراد الشعب فقط، ثم أنه ـ أي البرنس فريد ـ لا يحسن أداء أي عمل حتى على فرض اقتناعه به، فلقد تعود البطالة والفراغ، وترسب في وجدانه ازدراء كل من له نشاط يدوي، والذي عنده لا تمارسه إلا الطبقات الدنيا .

وحتى بعد إفلاسه، حين تتقدم إليه ابنته الكبرى / ميرفت بالمساعدة، رفقاً به، وإدراكاً لحرج مركزه، نجده في صلف طبقي عنيف يرد يد ابنته المبسوطة له .

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم