صحيفة المثقف

ترنيمة إلى طيسفون

صالح الرزوقخاقاني شيرواني - ميشيل كواي

ترجمة: صالح الرزوق


 

استيقظ أيها القلب!

هذا تحذير، فانظر بحذر.

استيقظ!

فكر بقوس طيسفون

وحكايته الحرجة.

توقف لحظة أمام طيسفون،

على ضفاف نهر دجلة.

اسمح لدجلة آخر

أن يتدفق من عينيك،

و يروي تراب طيسفون.

دجلة ينوح

ويذرف المئات من تيارات الدم الشبيهة بدجلة

تيارها الحار من دموع عاطفية

تتدحرج من بين الرموش.

وعندما تطفو الفقاعات

وترتمي على ضفاف دجلة،

تحرق بحرارة زفراته العاشقة

شفته.

اشهد على قلب دجلة،

وهو يحترق بنار الندم.

هل سمعت بمياه

تشويها ألسنة اللهب؟.

اذرف دموعك على ذلك النهر مرارا وتكرارا،

قدم الهبة من عينيك،

فالنهر منح قبلك هباته للمحيط.

ها هي الأنفاس الباردة على شفتي دجلة

تلتحم مع قلبه الملتهب،

وتجعل نصفه متجمدا،

ونصفه الآخر محترقا.

 

بعد فك سلسة

عدالة طيسفون،

كبلت الأغلال النهر،

وتدحرجت المياه بحنق وهياج.

 

لتناد، بين حين وآخر، على القوس

بلغة الدموع،

لربما تسمع الجواب

بأذن قلبك.

وكل قلعة حصينة بوجه المعارك

ترشدك وتنصحك.

اسمع الصوت القوي

وهو يردد كلماته في أعماق قلبك.

ويقول: "أنت مصنوع من التراب

وأنا الآن غبار تحت قدميك.

فلتتقدم فوقي بخطوتين أو ثلاث

ولتذرف بعض الدموع.

قسما بالله، نعيب البومة الشئيمة

يثقب دماغي. فلتبك يا وردة الماء،

ولتخلصيني من أوجاعي.

نعم، لماذا عليك أن تستغربي؟.

في مروج الكون،

البومة تقفو أثر العندليب،

والرثاء يعقب أثر الأغنية العذبة".

“أنا بلاط العدالة،

ولكن هذا الإجحاف يهزمني.

أي مهانة ستحل إذا

على بلاط الظلم الغاشم؟.

يبدو أن قوس كواكب السماء

قد تداعى

سواء بأمر من سيد السماء

أو بفعل دورة الزمن وحده”.

 

أنت تسخر من عيني،

قائلا“لماذا هذا البكاء؟”.

 ولكن يجب على الدموع أن تنهمر لخلاص العيون

التي لا تدمع في هذا المكان.

 

والمرأة الشمطاء ذات الشعر الأبيض في طيسفون

ليست أفضل من عجوز الكوفة،

ولا غرفتها الضيقة أفضل

من فرن امرأة الكوفة.

هل تعلم ماذا عليك أن تفعل؟

لتجعل طيسفون متعادلة مع الكوفة.

اصنع موقدا

من صدرك المشتعل

وأطلق الأمواج المتلاطمة من عينيك.

 

ها هو القوس نفسه

ومن غبار عتباته

هيأت معرض لوحات

من وجوه الرجال، وعلقتها على جدارك.

 

وها هي الصالة نفسها

التي اجتمع فيها الكثير من حكام العالم،

وفيها كان ملك بابل عبدا،

وملك تركستان حارسا.

 

وها هي المقصورة نفسها،

واسعة جدا حيث أن أسد الغاب الهصور المرسوم على ستارتها

يمكنه أن يشن هجوما

على أسد السماء.

 

تخيل ذلك كما كان،

انظر له بعين خيالك -

قاعة سلاسل العدالة

وما يقابلها في الميدان.

 

ترجل أيها الفارس!

كن بيدقا،

وضع قلعتك على اللوح الأرضي،

وشاهد نعمان يموت - وتدوسه

أقدام

الفيل.

لا، لا -

انظر للفيلة السفاحة،

للملوك مثل نعمان،

الذين

سحقتهم

فيلة

تمر ليلا ونهارا،

كما سحقهم زحف الوقت الغاشم.

 

كم من ملك فيل سفاح

احتمى بالقلعة

في لعبة شطرنج القدر؟.

كم مرة

واجهوا كلمة كش ملك،

بإذعان؟.

 

الأرض ذاتها ثملة،

ليس بالخمرة،

ولكن بدماء قلب أنو شروان

التي شربها بكأس مقدسة منحوتة من جمجمة هرمز.

 

عدد من المقولات الحكيمة

كانت مرئية فيما مضى،

منقوشة على تاجه.

والآن تتوارى في داخل ذلك الدماغ

مناقير

مئات العقبان.

الملك واليوسفي الذهبي،

برويز والأعشاب الذهبية،

كلها رحلت مع الريح.

ودون إنذار

كلها ألقيت

وسويت بالأرض.

 

في كل حفلة،

برويز يمرر أعشابه الذهبية،

ويخبر الجميع

أن يغنموا بعض الكنوز

من هذا الثراء.

 

برويز خسر أمامنا الآن!.

فليخمد ذكر ذلك الخاسر.

أين الأعشاب الذهبية التي كانت على طاولة المائدة؟.

تعال نترنم

بهذه الكلمات المختارة:

كم بقي وراءهم…

 

أنت تسأل:أين ذهب أولئك الملوك

الآن؟.

بطن الأرض المنتفخة

حبلى بهم، للأبد.

حقا، الأرض الحبلى

يلزمها عصور لحمل الثمار.

زرع البذار سهل،

لكن الولادة صعبة.

 

الخمرة

تتدفق من الكرمة،

فهي قلب الدماء العذبة.

وكرز زراع الخمور

يعصر من دم وعظام برويز.

هذه الأرض قتلت

جسم عدة طغاة.

 ولكن الوحش ذو العين المحمرة

لم يرتو أبدا،

وهذه الساحرة العجوز ذات الشعر الأبيض،

الأم ذات الصدر الأسود،

تهيء دم قلوب الأطفال

لتلون خديها.

 

خاقاني يتوسل ليتعلم

درس وعظات هذا البلاط

وهكذا من اليوم فصاعدا

سيتسول الملوك على عتبات دارك.

 

وإذا بحث، اليوم،

متشرد عن معونة من السلطان، في الغد السلطان

سوف يبحث عن معونة

عند عتبات باب المتشرد.

وإذا كانت المؤونة لطريق مكة

متوافرة في كل بلدة،

احمل مؤونتك إلى طيسفون

على سبيل هبة من أقدام شروان.

لكن كل حاج إلى مكة يحمل حجرة

من أوحال وادي جمرا،

فاحمل حجرتك من طيسفون

ولتكن من أوحال سلمان.

 

انظر إلى هذا المحيط الذي لا يتسع له بصرك!

إياك أن  تعبره قبل أن تحصل على جرعة.

لا يمكن لأحد أن ينصرف عن نهر

مثل هذا،

يشبه المحيط،

وهو عطشان.

 

والأشقاء الآتون على الطريق

يحملون معهم التذكارات.

هذه القصيدة

هدية

لقلوب البشر.

لاحظ السحر

المتغلغل في الشعر

هو من صنيع أحمق له قلب المسيح،

ومعتوه له روح حكيمة.

***

 الترجمة العربية صالح الرزوق - المصدر: ريبيكا روث غولد (برمنغهام - المملكة المتحدة).

2216 طاق كسرى

قوس طيسفون (طاق كسرى) في العراق المعاصر 

نوستالجيا عميقة، حزن، ورغبة لتسهيل مرور دروس التاريخ كلها مجمعة بهذه القصيدة التي وضعها خاقاني، الشاعر الفارسي من القرن الثاني عشر والمولود في أذربيجان (كما تسمى اليوم). تأثر خاقاني بزيارة لبقايا القصر الساساني في طيفسون وكتب مرثية للقوس المسحور والغامض الموما له أعلاه.

القوس هو كل ما تبقى من العائلة الوثنية العظيمة الأخيرة التي حكمت فارس العظمى بين 224 - 651. وقبل الفتوحات الإسلامية كانت الإمبراطورية الساسانية بمجدها تمتد من أواسط آسيا والباكستان في الشرق وحتى مصر وبلاد الشام والأناضول في الغرب. وكانت الإمبراطورية معروفة باتساعها وطبقتها البيروقراطية  المتماسكة، وتفوقها في تنظيم الدولة. وقد كانت مثالا للمحاكاة والاحترام حتى القرون الوسطى، وبعد فترة طويلة من تفكك الإمبراطورية. وكان الساسانيون، والملك أنوشروان بشكل خاص، معروفين بعدالتهم، وهو ما تجده مذكورا عدة مرات في القصيدة. والحقيقة أن العدالة كانت محترمة وبمقدور كل مواطن أن يشد سلسلة الجرس أمام باب البلاط ليطلب مقابلة الملك.      

في رثائه  الإمبراطورية الساسانية المفقودة، يأسف خاقاني لفقدان نظام حكم عظيم. ولكن رثاءه ليس مجرد حنين إلى العائلات السابقة، بل  يعمل على عدة مستويات رمزية. يعتمد خاقاني على التقليد العريق للقصيدة الشعرية عند العرب والذي عادة ما يبدأ مع الذات الشعرية - وتحيل  دائماً إلى عاشق خائب - يدخل مباشرة للإعراب عن افتقاد محبوبته. وعادة ما يكون هذا الحزن الغامر ناجماً عن إحساسه بما تبقى من خبائها الذي رحلت عنه (أطلال). وبنفس الطريقة يحزن خاقاني على ما تبقى من إرث ملموس للملوك الساسانيين، تماماً كما يحزن العاشق في هذا الشعر التقليدي. ومع أن هذه العلاقة الرمزية تكون مرئية بسهولة عند  أي قارئ / مستمع فارسي متعلم،  فهي أقل ظهورا وقوة في شخصنة خاقاني البارع لنهر دجلة واعتباره بديلا عن المحبوبة. فالنهر في تعرجاته و منعطفاته، وعاطفته الملتهبة للبلاط الذي يتدفق بمحاذاته،  يعكس العاطفة التي تنبع من مرأى الأطلال. ثم تتابع القصيدة بعد هذه الصور الافتتاحية لتعبر عن بالغ يأسها، وتحاول أن تقنع القارئ أنه من المهم أن نتعلم من دروس التاريخ. لا شك أن خاقاني يحثنا على ملاحظة الأجل المحدود والهشاشة التي هي من طبائع الأمور في كل شيء - وهذا يتضمن أيضا الإمبراطوريات الهامة.

...........................

* الترجمة الإنكليزية والتعقيب:  ميشيل كواي Michelle Quay - جامعة شيكاغو (اختصاص أدب فارسي)

النص الفارسي لقصيدة خاقاني شرواني (توفي 1190)

هان ای دل عبرت بین از دیده عبر کن هان ایوان مدائن را آیینهٔ عبرت دان 

 یک ره ز لب دجله منزل به مدائن کن وز دیده دوم دجله بر خاک مدائن ران 

 خود دجله چنان گرید صد دجلهٔ خون گویی کز گرمی خونابش آتش چکد از مژگان 

 بینی که لب دجله کف چون به دهان آرد گوئی ز تف آهش لب آبله زد چندان 

 از آتش حسرت بین بریان جگر دجله خود آب شنیدستی کاتش کندش بریان 

 بر دجله‌گری نونو وز دیده زکاتش ده گرچه لب دریا هست از دجله زکات استان 

 گر دجله درآميزد باد لب و سوز دل نیمی شود افسرده، نیمی شود آتش‌دان 

 تا سلسلهٔ ایوان بگسست مدائن را در سلسله شد دجله، چون سلسله شد پیچان 

 گه‌گه به زبان اشک آواز ده ایوان را تا بو که به گوش دل پاسخ شنوی ز ایوان 

 دندانهٔ هر قصری پندی دهدت نو نو پند سر دندانه بشنو ز بن دندان 

 گوید که تو از خاکی، ما خاک توایم اکنون گامی دو سه بر مانه و اشکی دو سه هم بفشان 

 از نوحهٔ جغد الحق ماییم به درد سر از دیده گلابی کن، درد سر ما بنشان 

 آری چه عجب داری کاندر چمن گیتی جغد است پی بلبل، نوحه است پی الحان 

 ما بارگه دادیم، این رفت ستم بر ما بر قصر ستم‌کاران تا خود چه رسد خذلان 

 گوئی که نگون کرده است ایوان فلک‌وش را حکم فلک گردان یا حکم فلک گردان 

 بر دیدهٔ من خندی کاینجا ز چه می‌گرید گریند بر آن دیده کاینجا نشود گریان 

 نی زال مدائن کم از پیرزن کوفه نه حجرهٔ تنگ این کمتر ز تنور آن 

 دانی چه مدائن را با کوفه برابر نه از سینه تنوری کن وز دیده طلب طوفان 

 این است همان ایوان کز نقش رخ مردم خاک در او بودی دیوار نگارستان 

 این است همان درگه کو را ز شهان بودی دیلم ملک بابل، هندو شه ترکستان 

 این است همان صفه کز هیبت ار بردی بر شیر فلک حمله، شیر تن شادروان 

 پندار همان عهد است از دیدهٔ فکرت بین در سلسلهٔ درگه، در کوکبهٔ میدان 

 از اسب پیاده شو، بر نطع زمین رخ نه زیر پی پیلش بین شه مات شده نعمان 

 نی نی که چو نعمان بین پیل افکن شاهان را پیلان شب و روزش گشته به پی دوران 

 ای بس پشه پیل افکن کافکند به شه پیلی شطرنجی تقدیرش در ماتگه حرمان 

 مست است زمین زیرا خورده است بجای می در کاس سر هرمز خون دل نوشروان 

 بس پند که بود آنگه بر تاج سرش پیدا صد پند نوست اکنون در مغز سرش پنهان 

 کسری و ترنج زر، پرویز و به زرین بر باد شده یکسر، با خاک شده یکسان 

 پرویز به هر بزمی زرین تره گستردی کردی ز بساط زر زرین تره را بستان 

 پرویز کنون گم شد، زان گمشده کمتر گو زرین تره کو برخوان؟ روکم ترکوا برخوان 

 گفتی که کجا رفتند آن تاجوران اینک ز ایشان شکم خاک است آبستن جاویدان 

 بس دیر همی زاید آبستن خاک آری دشوار بود زادن، نطفه ستدن آسان 

 خون دل شیرین است آن می که دهد رزبن ز آب و گل پرویز است آن خم که نهد دهقان 

 چندین تن جباران کاین خاک فرو خورده است این گرسنه چشم آخر هم سیر نشد ز ایشان 

 از خون دل طفلان سرخاب رخ آمیزد این زال سپید ابرو وین مام سیه پستان 

 خاقانی ازین درگه دریوزهٔ عبرت کن تا از در تو زین پس دریوزه کند خاقان 

 امروز گر از سلطان رندی طلبد توشه فردا ز در رندی توشه طلبد سلطان 

 گر زاده ره مکه تحقه است به هر شهری تو زاد مدائن بر سبحه ز گل سلمان 

 این بحر بصیرت بین بی‌شربت ازو مگذر کز شط چنین بحری لب تشنه شدن نتوان 

 اخوان که ز راه آیند آرند ره‌آوردی این قطعه ره‌آورد است از بهر دل اخوان 

 بنگر که در این قطعه چه سحر همی راند مهتوک مسیحا دل، دیوانهٔ عاقل جان

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم