صحيفة المثقف

عن المعري وتيمور والشيخ المحمصاني!!!

يسري عبد الغنيالمستعرب  الروسي العلامه  الكبير كراتشكوفسكي يقدم لنا شخصية إسلامية تعامل معها عن قرب هي شخصية الشيخ المحمصاني، أحد خزنة مكتبة الأزهر، في معرض حديثه عن مخطوط رسالة الملائكة لأبي العلاء (لكن الشيء الذي لم أستطع فهمه من أمر هذه الرسالة، هو السبب في أنها لا تذكر إلا نادراً، ولماذا كانت نسخ مخطوطاتها  الأخرى مجهولة تماماً؟ ولم أكن أنا وحدي الذي عجبت لهذا الأمر، بل قد شاركني في هذا العجب أيضاً الشيخ المحمصاني، أحد خزنة المكتبة الذي كان يقوم دائماً بإعطاء المخطوطات وكنا نتحاور مراراً عن مختلف الموضوعات الأدبية، بل وعن مدى صعوبة تعلم اللغة الفرنسية). إن كراتشكوفسكي قدم الشخصية العربية المسلمة هنا، شخصية إنسان ذو عقل منفتح، يتحاور ويناقش ويتفاعل ايجابياً مع الآخر ويطور نفسه وينفتح على ثقافات الآخرين من خلال تعلم لغاتهم ومحاولة التغلب على صعوباتها التي كانت مشتركة بين الروسي والعربي المسلم ويقدم كراتشكوفسكي شخصيةعلمية عربية لبيئة الاستعراب الروسي تمثل دقة وتنظيم العقل العربي، فيتحدث عن المراسلات التي كانت تتم بينه وبين العالم الأديب أحمد تيمور باشا بشأن مخطوط أبي العلاء المعري (رسالة الملائكة)، فيقول: (وعندما تجددت الروابط العلمية الدولية بصعوبة وإصرار، وجدت على غير انتظار زميلاً في العمل متحمساً ومحباً لأبي العلاء تحمس روزن وتلميذه الأصغر. هذا الزميل هو أحمد تيمور باشا، المصري صاحب أحسن مجموعة خاصة من المخطوطات في القاهرة، كان قد جمعها بحب كبير وسعة معرفة كان هذا العالم كريماً لدرجة عجيبة فقد كشف كنوزه لمختلف العلماء من مختلف البلاد، وكان متواضعاً نادر الوجود فقد كان يجعل من نفسه زميلاً في العمل لمن  يراسله من العلماء إذا أحس بأن لدى هذا المراسل تذوقاً للأدب العربي، وكانت مجموعة هذا العالم تحتوي مخطوطاً آخر عن (رسالة الملائكة) فبدأت بين القاهرة ولينغراد مراسلات حية. ومن جديد ثارت مناقشة حول مختلف الأشكال وتبيان الإشارات والافتراضات المتعلقة بها. وعلى تلك القصاصات النظيفة المستطيلة التي كتبت بخط شيخ عجوز لكن بحروف جميلة واضحة كان أحمد تيمور باشا من أسبوع لأسبوع يرسل إلي بأفكاره واقتباساته في رده على أسئلتي، أو يرسل إلي مايخطر بفكره هو نفسه، وفي كل مرة بنشوة مضطرمة كنت أفتح خطاب تيمور باشا الذي كنتُ أجد فيه مراراً الجديد من الاكتشافات، بل كنت أجد أحياناً وبدون توقع شعراً وأمثالاً وأقوالاً، كنت في ذلك الوقت أشد ما أكون حاجة إليها لتوضح تلميحات أبي العلاء التي تعبنا أعواماً عديدة في محاولة كشفها وتبينها) إن الفرق واضح جلي بين تقديم الاستشراق الأوروبي الغربي للشخصية العربية المسلمة، وبين تقديم الاستعراب الروسي لنفس الشخصية. إن الأول يورث الرغبة في التملك والسيطرة والاستعمار، لعدم كفاية العقل العربي على إدارة شؤونه وتنظيمها، يورث الثاني التكافؤ في التعامل والاحترام لعقول الآخرين وشخصياتهم، وإنصافهم من خلال التعامل من موقع التكافؤ الإنساني، الذي سمح بالتعاون العلمي بين المستعرب الروسي والعالِم العربي. إن الشخصية الإسلامية المحبة للعلم الواعية، لم تقتصر فقط على عدد محدد من العلماء، وإنما برز الاهتمام الثقافي حتى لدى أولئك الذين يديرون أعمالاً ومصالح أخرى. يقول كراتشكوفسكي (فقد أردت أن أتعرف على حبيب الزيات الذي كان يعمل بتجارة الفاكهة المجففة وتصديرها إلى جميع أنحاء العالم ولكنه كان ينتهز كل دقيقة من أوقات فراغه ليبحث في المخطوطات وقد كان عالماً دقيقاً ذواقاً ومحباً للمخطوطات، وبكل هذه الموهبة التي أوتيها كان يختلس من المخطوطات القديمة صوراً منسية تتصل بالثقافة العربية ثم يعمل على إحيائها في مقالاته المتعددة التي طبعت في مابعد!!!!!).

 

بقلم: د. يسري عبد الغني

 

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم