صحيفة المثقف

الإسلام دينٌ يمجد العقل ويدعو إلى بناء الحياة كلها على التفكير

علجية عيشهكذا ردّ المُصْلِحُ  الثائر عمر راسم على المجادلين المختلفين

ظلت الجدالات العقيمة حول المسائل التي تمثل طابو لدى بعض المعارضين لحرية الفكر  بذريعة أن تلك المسائل من المقدسات والثوابت، لا يمكن لأيٍّ كان المساس بها  أو تجاوزها مهما كان مستواه  العلمي، ممّا أدخلت البعض في مشاحنات عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي ولم يعمل هؤلاء المعارضين على محاورة مخالفيهم بالحجة  والإقناع في مناظرة علمية مثلا، لتكون الفاصل بينهما، بعض المسائل المتجادل فيها  خرجت عن مسارها العلمي بعدما مست الحياة الشخصية من أناس يطلقون شرارة تشتعل بها العقو، يحاول كل طرف إثبات أنه على صواب،  فيَحْرُمُ من يخالفه من أن يعرض أفكاره أمام الآخرين،  وقد تصل الأمور إلى حد القذف وتكفير الآخر ووصفه بالزنديق وهذا بسبب الوعي الناقص لمعنى الحوار.

فالفرق بين الجدل والحوار هو أن يقوم الطرفان بمنازعة كلامية، ليس بحثًا عن الصواب،  والوقوف على وجهات النظر المختلف فيها، ولكن من أجل إلزام الطرف الآخر أن يتنازل عن رأيه ويقتنع بشيئ يحتاج إلى أدلة وبراهين ، كان صوتٌ جزائريٌّ قد رَدَّ على المجادلين  والمختلفين ووضع حَدًّا للمُرَاء (أي الجدل) الذي لا ينفع ويخلق العداوة والكراهية بين المسلمين ، إنه صوت  الكاتب العريفي عمر راسم  الذي اعتبر الجدال العقيم لا طائل منه سوى قسوة القلب، لأنه لا يجلب إلا النقص لقيمة الشخص، والإنسان الذي يكثر من الجدال يشعر بعقدة نقص داخله ويجد في الجدال فرصة لإبرازها، فقد كتب عمر راسم في إحدى مقاماته مايلي:

كيف يكون المسلم مسلما في بلد خلت مساجده من الراكعين الساجدين؟، وامتلأت شوارعه باللصوص والفجار والسكّيرين؟.

 كيف يكون المسلم مسلما في بلد ظهرت فيه الأثرة وحب النفس وعبادة المال والإنسلاخ من الدين، والتظاهر بالفحشاء وتقليد الكافيرين؟

كيف يكون المسلم مسلما في بلد انتشر فيه الربا والسلب والنهب، وقويت فيه عوامل الجفاء وبات كُلٌّ يترقب إفلاس أخيه ساعيا في تنقيص قدره وفضله، بل اأان اليهودي عليه؟

 واضاف عمر راسم بالقول: لا شك أن السلطة البشرية تنعدم في أمّة تبادلت مع حيواناتها الأخلاق، فلا يكون لوفاء العهد - وهو الخُلْقُ العظيم- مظهرا إلا في كلابها، ولا يوجد الإعتماد على النفس إلا في وحوشها الضارية،  ولا التطوح والإغتراب في طلب القوت إلا في جوارحها وطيورها، إذن فليقض على هذه الأمّة قاضي لنواميس الطبيعية أن تكون حقيرة محكومة مأسورة. (انتهت رسالة عمر راسم)

حقا لقد تجاهلت الأمة أن الإسلام دين يسوي في الكرامة البشرية والحقوق الإنسانية بين جميع الأجناس والألوان، دينٌ يفرض العدل بين جميع الناس بلا أدنى تمييز، دينٌ يحرم الظلم ويمجد العقل ويدعو إلى بناء الحياة كلها على التفكير، دين ينشر دعوته بالحجة والإقناع، لا بالعنف والإكراه، دين يترك لأهل كل دين دينهم يفهمونه ويطبقونه كما يشاءون، دينٌ يحرم الإستعباد والجبروت، ويجعل الحكم شورَى ليس فيه استبداد، دين يدعو إلى تناسي كل خلاف يفرق الكلمة ويصدع الوحدة ويُوجِدُ للشرّ ثغرة، دينٌ يدعو إلى نبذ الغطرسة والعنجهية ويدعو إلى حسن المعاملة، لا يدعو إلى العنف والفتنة بل إلى الأمن والسلام  والتعايش، وكما قال إمامنا العلاّمة عبد الحميد ابن باديس رحمه الله: " لماذا لا تكون كلمتنا من كلمة الله وإرادتنا من إرادة الله وقوتنا من قوة الله؟ هل هذا صعب علينا؟.

هذا هو عمر راسم البجائي( نسبة إلى مدينة بجاية) المصلح الجزائري الثائر والده اسمه علي بن سعيد بن محمّد البجائي رسام  وخطاط وكاتب ومصلح ، مؤسس مدرسة الفنون الزخرفيّة والمنمنمات الإسلامية، عُرف عمر راسم منذ  طفولته بأفكاره الإصلاحيّة، وكان من المتأثّرين بأفكار الشّيخ محمّد عبده ، كتب في العديد من الصحف، واصدر جريدتي  الجزائر وذو الفقار  وكان يوقع باسمه المستعار " ابن منصور الصنهاجي"، دعا إلى الإشتراكية الإسلامية ، وكان عمر راسم من الكتّاب الجزائريين الذين قدّموا كلّ ما بوسعهم لايصال صوت الجزائر، والتّعريف بقضيّتها أمام العالم العربي، كما كان من أكبر أعداء الحركة الصهيونية والرافضين للمشروع الصهيوني ، كان صوت الأمة لجرأته في إبداء الراي فكان موضع ملاحقات  خلال الإستعمار الفرنسي، فسحن وكان محكوما عليه بالنفي، وكان يردد بالقول:  " لا أريد أن أكون مع أناس أعتقد أنهم أعداء الحقّ والإنسانية والوطن" في إشارة منه إلى الذين يعتزون بالنياشين الّتي زوّقوا بها صدور بعضهم لضمان موالاتهم، وكان يقول: " لا خلاص للشّرق من سيطرة الغرب إلّا بإيمان الشّرق بشخصيّته، واعتداده بنفسه، واعتماده على قوّته، يستمّد كلّ ذلك من تاريخه الذّهبيّ.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم