صحيفة المثقف

سياسات وآليات الدولة الصهيونية الإجرامية

احمد عزت سليم"الجيتو المسلح الإلهى"

تعتبر "الدولة الإجرامية الإسرائيلية" الانتقام صورة شرعية من صور السلوك القومى "، وكما انتهى الباحث الأمريكي بار يليخمان فى دراساته حول الانتقامات الإسرائيلية، " بأن الانتقام الإسرائيلى هو سلوك قومى إسرائيلى .. والذى تمارسه الجماعات الصهيونية فى فلسطين المحتلة ضد الشعب الفلسطينى وضد ما تطوله الآلة الصهيونية الوظيفية " دولة إسرائيل" ومعه تتعاظم هذه الشرعية الدموية، وتمارسه العناصر الدينية اللاهوتية حيث تجعل من اليهود البشر الوحيدين مركزاً للقداسة وتجعلهم الشعب البشرى الوحيد الأسمى والمختار وتجعل "الدولة" "دولة" أنبياء ومملكة كهنوت بالإضافة إلى كونها ذات طبيعة إحلالية مادية تعاقدية ونفعية ومن هذا ينطلق فكر الخلاص من الآخر انطلاقا من إيمانات إعادة التراث اليهودى إلى الوجود فى شكل الدولة الصهيونية كإرادة إلهية تمثل مزاعم عودة  وبقاء المملكة اليهودية إلى الوجود كذات مقدسة وفى الوجود كدولة قائمة على تحقيق التخلص من قوى الشر خاصة فى الأراضى التى منحها لهم الإله خالصة كضرورة مقدسة قررها الإله ذاته وجعل اليهود ذوى خصائص أنثروبولوجية وجسمانية وبيولوجية وثقافية وتراثية وقدرات عقلية وأخلاقية موروثة أرقى وأفضل وأكثر قدرة على البقاء وعلى الإبداع من الأغيار . وبالتالى تتبلور فاعليات الخلاص فى الواقع ومن خلال فاعليات استباحة القتل وسفك دماء الآخرين والتى يعبر عنها حديثاً الحاخام كوك الأب الروحى للنزعة المسيانية فى الأصولية اليهودية قائلاً: "إن الفرق بين روح اليهود وأرواح غير اليهود أكبر وأعمق من الفرق بين روح الإنسان وروح البهائم"، ويعبر الحاخام يهود أميتال عن هذه الخصيصة البنائية قائلاً: " إننا نعلم إذن أن هناك تفسيراً واحداً للحروب فهى تهذب وتنقى الروح . فعندما يتم التخلص من الدنس، تصبح روح إسرائيل وبفضل الحرب نقية ـ إننا قمنا بالفعل بغزو الأرض، وكل ما تبقى الآن هو أن نقوم بغزو الدنس " .

ويضيف الحاخام أفنيرى: " إننا يجب أن نعيش فى هذه الأرض حتى بالحرب، علاوه على ذلك حتى لو كان هناك سلام، فإننا يجب أن نشعل حروب التحرير من أجل غزو هذه الأرض، وليس من المستبعد افتراض أن جوش أمونيم إذا ما امتلكت السلطة والوسيلة فإنها سوف تستخدم الأسلحة النووية من أجل محاولة تحقيق هدفها "، أما الحاخام دريفوس فقد عبر عن هذه الخصيصة الإجرامية قائلاً: " إننا سوف نشعل حرباً لا تعرف الرحمة ضد الكيان الكنعانى الفلسطينى "، هكذا يصير سفك الدماء خصيصة بنائية ضرورية للإبادة والمحو والإفناء منذ أن بارك الرب نوح وجعل سفك الدماء فريضة وسلوكاً إلهياً " سأسفك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه . لأن الإله على صورته عمل الإنسان. (تكوين 9: 6)، كما أن " الإله يهوه ينتقل بنفسه من بيت إلى بيت وحيث كان لا يجد بيتاً مطلياً بالدم يقتل فيه الأولاد الذكور بلا تمييز بين ابن فرعون وابن أية أمة فى مصر، وحتى بكور المواشى لم تنج من عقاب يهوه "، فالإله هو إله الجنود ورب الجنود، إذا انهزم الجنود انهزم الرب وإذا سقطت بنى إسرائيل سقط الإله، ولأنه إله بنى إسرائيل وحدهم فهو يحارب معهم ويسير أمامهم ويطرد من أمامهم الأغيار ويحل لهم القتل والنهب والسرقة ويذبح أمماً بأكملها وهو مسرور كإله للجنود من بنى شعبه، وتصور التوراة إله بنى إسرائيل قاسياً مدمراً متعصباً لشعبه وهو بهذا عدواً للآلهة الأخرى كما أن شعبه عدو للشعوب الأخرى ومن هنا فإن رب إسرائيل يأمر شعبه باستعباد جميع الشعوب، وأن لا يبقى منها نسمة أبداً، أى على الإسرائيليين أن يبيدوهم تماماً،" متى أتى بك الرب إلهك إلى الأرض التى أنت داخل إليها لتمتلكها وطرد شعوباً كثيرة من أمامك ... لا تقطع لهم عهداً ولا تشفق عليهم " (تثنية 7ـ2) .

وليشكل " التخليص " ماهية الخلاص المقدسة وبحيث يشكل فاعليات الحركة الإجرامية الصهيونية والذى يبلور طبيعتها سعيا للتفريغ العنصرى للأرض الفلسطينية من البشر بكافة الوسائل الإحلالية وبالتزوير والاحتيال وطرق الطرد والنقل والترحيل القسرى ومن خلال الإرهاب المباشر، غير المنظم وغير المؤسسي، الذي تقوم به المنظمات الإرهابية غير الرسمية (المذابح ـ ميليشيات المستوطنين ـ التخريب ـ التمييز العنصري) والإرهاب المباشر، المنظم والمؤسسي، الذي تقوم به الدولة الصهيونية (التهجير ـ الهيكل القانوني للدولة الصهيونية ـ التفرقة العنصرية من خـلال القانون ـ الجـيش الإسـرائيلي ـ الشرطة الإسرائيلية ـ هدم القرى) . وذلك كله كأمر إلهى مقدس واجب على الحركة الصهيونية تنفيذه وعقيدة لا تقبل الشك وحكما واجب التنفيذ وكما قرر جوزيف وايتز، مسئول الاستيطان في الوكالة اليهودية، في عدد 29 سبتمبر 1967 من جريدة دافار، أنه، هو وغيره من الزعماء الصهاينة، قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه "لا يوجد مكان لكلا الشعبين (العربي واليهودي) في هذا البلد" وأن تحقيق الأهداف الصهيونية يتطلب تفريغ فلسطين، وأنه ينبغي لذلك نقل العرب، كل العرب، إلى الدول المجاورة . وبعد إتمام عملية نقل السكان هذه سـتتمكن فلسـطين من استيعاب الملايين من اليـهود، و لتصبح " إسرائيل " كلها "الدولة القلعة". أو كما قال جابوتنسكي إن "سوراً حديدياً من القوات المسلحة اليهودية سيقوم بالدفـاع عن عملية الاسـتيطان الصهيوني، لتصير " الدولة الصهيونية " هى "الجيتو المسلح الإلهى " الذى يعيد العصر الذهبى اليهوى الجديد بعودة مملكة داود وسليمان إلى الأراضى الفلسطينية التى يحتلها العرب و جعلها "ملكا للشعب اليهودي إلى الأبد"، وتخليصها هو جوهر وهدف وحركة وحكم لاهوت الاشتهاء الدموى والمعادة نحو تكثيف وتنفيذ كافة الإجراءات الإجرامية والإرهابية . ويقول هرتزل " إن فلسطين التى نريدها هى فلسطين داود وسليمان " ثم يخلفه حاييم وايزمان، فيربط بين الصهيونية واليهودية ربطاً لا فكاك منه وذلك حين يقول: " إن يهوديتنا وصهيونيتنا متلازمتان متلاحقتان ولا يمكن تدمير الصهيونية بدون تدمير اليهودية "، وعلى نحو روتينى يقوم حاخامات جوش أمونيم وسياسيوها وواضعو أيديولوجياتها بالمقارنة بين الفلسطينيين والكنعانيين القدماء، الذين كان استئصالهم أو طردهم بواسطة القدماء، تبعاً للكتاب المقدس، أمراً إلهياً مقرراً سلفاً، وهذه الإبادة الجماعية الواردة فى الكتاب المقدس تصنع تعاطفاً كبيراً مع جوش أمونيم عبر الكثير من الأصوليين المسيحيين الذين يتوقعون أن نهاية العالم سوف تسبقها مذابح ودمار، وها هو بن جوريون يرى أن كل يهودى لا يعود إلى أرض الميعاد محروم من رحمة إله إسرائيل، فالعالم " خلق إلى وجود ابتدء من صهيون " وهذا الخلق من أجل اليهود الذين لهم النعيم حيث هو مأوى لأرواحهم الذكية ومأكلهم فى هذا النعيم لحم زوجة الحوت المملحة ولحم ثور برى كبير جداً كان يتغذى بالعشب الذى ينبت فى مائة جبل مع لحم طير كبير لذيذ الطعم جداً ولحم أوز سمين للغاية أما الشراب فهو من النبيذ اللذيذ القديم المعصور ثانى يوم خليقة للعالم (سنهدرين ص 8) . وهذا الخلق المميز المزعوم مرتبط بكراهية الشعوب الأخرى كواجب المقدس لابد من السعى لتحقيقه .

 

أحمد عزت سليم

عضو إتحاد كتاب مصر

 

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم