صحيفة المثقف

معاناة المجتمع العربي من الإستلاب

علجية عيشفي حوار مع الدكتور عبدالجبار العلمي وحديث عن القراءة وطقوسها،  يقارن الدكتور العلمي القراءة بين الأمس واليوم، فغياب نظام معين للقراءة أدى إلى غياب المقروئية، ويحدد الدكتور العلمي القراءة في الزمان والمكان، خاصة في زمن الحجر الصحي، وقال الدكتور العلمي  ظاهرة قراءة الكتاب الورقي عند المجتمع الغربي نجدها بالملموس في كل مكان عكس المجتمع العربي الذي وقع  في شرك الاستلاب لكل ما هو جديد من مبتكرات العالم المتقدم وقال: "المجتمع العربي يعاني من الاستلاب في مختلف المستويات" والدكتور عبدالجبار العلمي، مغربي من مواليد 1947 م. حاصل على  عدة شهادات آخرها شهادة الدكتوراه في الأدب الحديث بكلية الآداب  بالدار البيضاء، مارس التدريس في اللغة العربية وآدابها، له عدة إصدارات في مجال الرواية، كما له ديوان شعري وهو كاتب مقالات في عدة صحف ومجلات مغربية وعربية

خمسة أسئلة طرحها الدكتور عبد الجبار العلمي من المغرب حول القراءة هي: لماذا تقرأ؟،ماذا تقرأ؟، كيف تقرأ؟ متى تقرأ؟ وأين تقرأ؟، فكانت الإجابة كما يلي : إنني لإغناء رصيدي المعرفي والثقافي، سواء في المجال الثقافي العام، أوفي مجال تخصصي واهتماماتي الأدبية، إذ يحدد في مقاله أهداف  القراءة في الزمان والمكان، وقال أن قراءة أي كتاب تضيف إلى المرء تجارب جديدة، وتجعله يعيش في عوالم متعددة، بل قد يكون لبعضها أثر في تحول حياته إلى نواحي إيجابية، وتغيير نظرته إلى الحياة والعالم.ذ، كما أنها تهذب الذوق وترفع من مستوى الإنسان إلى الأرقى والأسمى، فضلا عن أن القارئ يشعر بالمتعة والمؤانسة والرفقة الطيبة، كما يجد في  الكتاب خيرَ مخاطَب، فهو ينسجم مع أفكاره وقناعاته ومزاجه أكثر من بعض المخاطبين من الناس الذين لا يجد بينه وبينهم انسجاماً أو قواسم مشتركة.

 يشير الدكتور عبد الجبار العلمي في مقال له نشره في موقع "الأنطولوجيا " إلى أنه قارئ والمجال الذي يريد أن يتناوله، وكقارئ يرى أنه غالبا ما يقع في حيرة من أمره بالنظر إلى تنوع اهتماماته، وهذه طبعا ميزة الباحثين والأدباء، فمن خلال تجربته  يوضح الدكتور عبد الجبار العلمي أن للقراءة وقتها، أي على القارئ أن يحدد الوقت الذي يجد نفسه على استعداد لقراءة كتاب ما، تى يكون في أريحية، فغالبا ما يختار القراء أوقات الفراغ أو الفترة المسائية أو العطل المدرسية، في حين  لا يستطيع قراءٌ التخلي عن الكتاب حتى في أوقات العمل، وتجدهم يسرقون جزءًا منه لقراءة كتاب، يقول العلمي: " في أيام العمل أسرقُ بعض الساعات أخصصها للقراءة الشخصية في أنصاف النهار الفارغة وخاصة في الفترة المسائية، وكنت لا أنام إلا إذا قرأت بعض صفحات كتاب كنت قد شرعت في قراءته، أما عن المكان بالنسبة له فالمقهى هي أحب له للقراءة، إذ يجعلها مكتبه الثاني ورغم ما تتميز به من ضوضاء فهو يتطكيع التركيز فلا يعود يسمع أي ضجيج، لدرجة أن رسالته لنيل شهادة الدكتوراه أعدها في المقهي، إذ يعتبر المقهى فضاء للكتابة والقراءة واللقاء بين مشاهير الأدباء سواء في المشرق أو المغرب.

كنا قد طرحنا عليه جملة من الأسئلة حول ذات الموضوع، أولها أن بعض الكتابات مستهلكة، أي عبارة عن تحصيل حاصل، في ظل التطور التكنولوجي والإعتماد على طريقة ( نسخ لصق)، وسؤال حول ظاهرة النسيان التي يعاني منها بعض القراء وحتى الباحثين، ثم سؤال حول إصابة بعض الأدباء والمفكرين بالزهايمر، وإن كانت  التكنوبوجية انتصرت على الكتاب الورقي بعد ظهور مواقع التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية والهواتف الذكية التي اصبحت في متناول الجميع،  ولماذا لم يعد جيل اليوم يقرأ للقدامى كالجاحظ والمتنبي والمعري ماعدا الطلبة الجامعيين لإنجاز مذكراتهم، وقدمتُ له بعض الملاحظات كعينة وهي غياب كتاب الجيب عند جيل اليوم بدليل أننا داخل الحافلة مثلا لا نرى شابا أو فتاة يحمل كتابا يقرأه، بل نجدهم يحملون هواتفهم الذكية وهم يتصفحون مواقع التواصل الإجتماعي.

و في رده على اسئلتنا قال الدكتور عبد الجبار  أن القراءة تساعد المرء على تكوين رأيه الخاص، وقناعاته المستقلة، وتجعله قادراً على محاورة الآخرين ومقارعتهم الحجة بالحجة بموضوعية وبكل ثقة في النفس. كما أننا لا نختلف في أن الثقافة ترتقي بالإنسان خلقاً ومعرفة ومكانة اجتماعية، بل تسمو به عن التفاهات التي غالباً ما تسود العلاقات الاجتماعية، وأضاف أن القارئ اللبيب عليه أن يختار الجيد من الأعمال الأدبية لكبار الكتاب، التي تزخر بها المكتبة العربية والغربية، كل حسب المجالات التي يهوى قراءتها،  حقاً إن بعض ما ينشر على الملأ اليوم، لا يشفي غلة من يبحث عن الجيد الممتع المفيد، لكن من يعشق الرواية أو السرد على سبيل المثال، سوف يجد ضالته في أعمال سيرفانتيس وشكسبير ودويستفسكي وتولستوي وتشيخوف وغيرهم من كتاب الأدب الغربي المعروفين ( وكلها مترجمة إلى العربية من قبل مترجمين مجيدين )، وفي أعمال الكثير من كتابنا العرب سواء في المشرق أو المغرب قديماً وحديثاً، وفي الجزائر الشقيقة كتاب كبار حازوا شهرة على مستوى العالم العربي والغربي. والأمر ينطبق على من يهوى قراءة أجناس أدبية أخرى كالشعر مثلاً، فيعود إلى قراءة الشعر العربي قديمه وحديثه .. إلخ ..

ويرى صاحب المقال ظاهرة النسيان أمر طبيعي جداً ولا يبعث على القلق، لأن الكثير من المعلومات معرضةٌ للنسيان، لكن ما نحتفظ به من خلال دراستنا وقراءتنا هي المهارات والطرائق التي تمكننا من عرض ما تختزنه ذاكرتنا أو ما نقرأه لتوظيفه في كتاباتنا أو في أحاديثنا وحياتنا ومحيطنا الاجتماعي،  أما فيما يتعلق بعدم الاهتمام بكتب التراث العربي القديم من لدن الشباب، فأرى أن الأمر يعود إلى عدم توجيههم إليه من لدن معلميهم وأساتذتهم في مختلف المستويات وتعريفهم بأهميته إلى جانب العناية طبعاً بالكتابات الحداثية بالعربية وباللغات الأجنبية، لتكون ثقافتهم شاملة، فانتصار التكنولوجية الحديثة في فضاء الإنترنيت الشاسع على الكتاب الورقي، من وجهة نظره موجودة في المجتمع العربي فقط، أما في البلاد التي اخترعته وصدرته لنا، وأعني هنا الغرب والبلاد الأوروبية، فيلاحظُ ظاهرة قراءة الكتاب الورقي بالملموس في كل مكان، في الحافلة والمترو وحتى  في فضاءات الاستجمام المختلفة، فلا تجد أحداً من الجنسين ومن مختلف الأعمار لا يقرأ أو بجانبه كتاب.. أما نحن فقد وقعنا، كبارنا وصغارنا في شرك الاستلاب لكل ما هو جديد من مبتكرات العالم المتقدم، فكم يلاحظ المرء أن الأصدقاء حينما يجتمعون في مقهى مثلاً، بعد سلام مقتضب، يأخذ الكل بين يديه هاتفه الذكي، وينزوي به كأنه وحده،  والظاهرة مستفحلة في بعض الأوساط العائلية، فالأبناء كل منهم في واديه، مختلٍ في غرفته بهاتفه النقال الذكي، أو بحاسوبه بعيداً عن أفراد أسرته، لا يربطهم بهم إلا مائدة الطعام.

 

علجية عيش

 

في المثقف اليوم

في نصوص اليوم